لماذا قد يضر اتباع الشغف؟

لماذا قد يكون اتباع الشغف أسوأ نصيحة مهنية على الإطلاق؟

في عالم الأعمال والنجاح المهني، لا يمكن تجاهل قوة العبارات التي يرددها الناس بشكل مستمر، مثل “اتبع شغفك”، والتي غالباً ما تُعتبر النصيحة المثلى لتحقيق النجاح الشخصي والمهني. ومع ذلك، من المهم أن نتساءل: هل هذه النصيحة فعلاً هي الأفضل؟ في الواقع، قد يكون اتباع الشغف في بعض الأحيان أحد أسوأ الخيارات التي قد يتخذها الشخص في مسيرته المهنية. في هذا المقال، سنناقش الأسباب التي قد تجعل هذه النصيحة غير فعالة أو حتى ضارة في بعض الحالات.

الشغف لا يعادل النجاح المالي

عندما يُقال للناس أن يتبعوا شغفهم، يُقصد غالباً أنهم يجب أن يختاروا مجالاً أو مهنة يتسمون بها بالاهتمام والحب. لكن، في الواقع، الشغف ليس بالضرورة ما يؤدي إلى النجاح المالي. الشغف في كثير من الأحيان يكون بعيداً عن متطلبات السوق واحتياجاته. على سبيل المثال، قد يكون شخص ما شغوفًا بالرسم أو الكتابة الأدبية، لكن الواقع قد يُظهر أن هذه المجالات لا تتيح الكثير من الفرص المربحة بشكل مباشر.

العديد من الأشخاص الذين يتبعون شغفهم في مجالات مثل الفنون أو الأدب يعانون من صعوبة في تأمين دخل ثابت أو تغطية احتياجاتهم المعيشية. في المقابل، قد ينجح العديد من الأشخاص في المجالات التي لم يكن لديهم شغف بها ولكنهم استطاعوا أن يجدوا طرقًا لتوظيف مهاراتهم فيها وجني الأموال بفضل الطلب العالي في السوق.

الشغف ليس ثابتاً مع مرور الوقت

من المعروف أن الاهتمامات البشرية تتغير بمرور الوقت. ما يثير شغف الشخص في مرحلة معينة من حياته قد لا يثيره في المستقبل. عندما يقرر شخص ما أن يتبع شغفه في بداية مسيرته المهنية، قد يكون ذلك بناءً على اهتمامات آنية أو قصيرة الأجل. ومع مرور الوقت، قد يشعر الشخص بالملل أو بالضيق من العمل الذي كان يعتقد أنه شغفه.

على سبيل المثال، قد يبدأ شخص ما في مجال التصميم الجرافيكي لأنه كان يحب الرسم في طفولته، لكن مع مرور الوقت، قد يصبح العمل في التصميم أكثر عبئًا من كونه مصدرًا للمتعة. في هذه الحالة، يكون الشخص قد اختار مسارًا مهنيًا بناءً على شغفه في لحظة معينة، ليكتشف لاحقًا أنه لا يتماشى مع طموحاته المستقبلية.

الشغف ليس بالضرورة مهارة قابلة للتطبيق في الحياة العملية

بينما يمكن أن يكون الشغف مصدرًا رائعًا للإلهام والطاقة، إلا أن النجاح المهني يعتمد أيضًا على مهارات محددة يمكن تطبيقها في السوق. قد يكون لديك شغف كبير في مجال معين، لكن إذا لم تكن لديك المهارات اللازمة لتلبية احتياجات السوق أو صناعة معينة، فإن ذلك لن يضمن لك النجاح.

على سبيل المثال، إذا كنت شغوفًا بالموسيقى ولكن ليس لديك التدريب الكافي أو المهارات المطلوبة للعزف بشكل احترافي، فإن الشغف وحده لن يحقق لك النجاح المهني. في هذه الحالة، قد يكون من الأفضل أن تختار مهنة تراعي مهاراتك الفعلية وتلبي احتياجات السوق أكثر من مجرد اتباع شغفك.

الشغف قد يعمي الشخص عن الواقعية

عندما يتبع شخص ما شغفه، قد يصبح مهووسًا بالفكرة أو بالحلم الذي يراوده، مما يجعله يغفل عن الجوانب الواقعية للمهنة التي يختارها. من المهم أن تكون مدركًا للواقع الذي قد تواجهه عند اختيارك مسارًا مهنيًا بناءً على شغفك. على سبيل المثال، قد تتجاهل الجوانب السلبية للعمل في المجال الذي تحبه، مثل ساعات العمل الطويلة، أو ضغوطات العمل، أو متطلبات السوق التي قد لا تتماشى مع تطلعاتك.

قد يعتقد البعض أن الشغف وحده سيجعلهم مستمرين في العمل برغم التحديات، ولكن الواقع قد يكون قاسيًا ويجعلهم يشعرون بالإحباط بعد فترة قصيرة. على عكس ما يُعتقد، قد تحتاج إلى العمل الجاد والالتزام المستمر لتطوير المهارات اللازمة وتعلم كيفية التكيف مع التحديات الواقعية.

الشغف قد يؤدي إلى اختيارات غير مدروسة

في بعض الحالات، قد يؤدي اتباع الشغف إلى اتخاذ قرارات مهنية غير مدروسة أو مبنية على أساس عاطفي. قد يقرر الشخص بشكل متهور أن يتخلى عن مهنة مربحة ومستقرة للانتقال إلى مجال لا يحقق له سوى القليل من الفوائد المالية أو المهنية فقط لأنه يشعر أنه “شغوف” به. قد ينتج عن ذلك اتخاذ خطوات مهنية سريعة وغير مدروسة قد تؤدي إلى الفشل أو الندم لاحقًا.

غالبًا ما يتطلب النجاح المهني مزيجًا من الشغف والقدرة على التكيف مع السوق ومتطلباته. من الحكمة أن تتخذ قراراتك المهنية بناءً على دراسة جيدة للفرص المتاحة والقدرة على التكيف مع هذه الفرص وليس فقط بناءً على شغفك. اتخاذ قرارات مهنية عاطفية دون التفكير في الجوانب العملية قد يعرّضك لمخاطر غير ضرورية.

التوازن بين الشغف والمهارة والتوجهات السوقية

النجاح المهني لا يتطلب فقط شغفًا حقيقيًا بما تقوم به، بل يتطلب أيضًا مهارات عملية، والتزامًا بالجودة، وقدرة على فهم وتحليل التوجهات السوقية. وبالتالي، قد يكون من الأفضل أن يركز الشخص على تطوير المهارات الأساسية التي يحتاجها السوق، ثم يدمج شغفه في هذا المجال بطريقة توازن بين الجوانب المهنية والعاطفية.

على سبيل المثال، إذا كنت شغوفًا بتكنولوجيا المعلومات، قد لا يكون كافيًا فقط أن تكون مهتمًا بالحقل. ستحتاج إلى تطوير مهارات حقيقية في البرمجة، إدارة الشبكات، أو تحليل البيانات لتتمكن من التنافس في سوق العمل. الشغف هنا يمكن أن يكون الحافز الذي يدفعك إلى مواصلة التعلم والعمل على تطوير مهاراتك، ولكن المهارات هي ما ستجعلك تحقق النجاح في النهاية.

الخلاصة

بينما يُنظر إلى الشغف كعنصر حاسم في تحقيق النجاح المهني، فإن اتخاذ قرار مهني استنادًا فقط إلى شغفك قد يكون غير حكيم في بعض الحالات. الشغف ليس بديلاً عن المهارات المطلوبة، ولا يعكس دائمًا واقع السوق أو الفرص المتاحة. كما أن الشغف ليس ثابتًا مع مرور الوقت، وقد يسبب انحرافًا عن المسار الصحيح إذا لم يكن متوازنًا مع التخطيط الواقعي والتحليل الاستراتيجي.

من المهم أن يتعلم الأشخاص كيفية موازنة شغفهم مع المهارات المطلوبة والفرص السوقية المتاحة. فبدلاً من الانغماس التام في فكرة “اتباع الشغف”، ينبغي أن يسعى الأشخاص إلى اكتشاف طرق لدمج شغفهم في العمل بشكل يتماشى مع احتياجات السوق والفرص الحقيقية التي تتناسب مع مهاراتهم وقدراتهم.