6 طرق ذكية للتعامل مع الشخص العصبي

يُعدّ التعامل مع الأشخاص العصبيين تحديًا حقيقيًا في العلاقات الإنسانية، سواء في بيئة العمل، داخل الأسرة، أو حتى في العلاقات الاجتماعية اليومية. فالشخص العصبي غالبًا ما يتسم بسرعة الغضب، وردود الأفعال المتطرفة، والعجز عن التحكم في الانفعالات، مما يؤدي إلى خلق توترات مستمرة تؤثر سلبًا على جو التفاهم والتواصل. ومن أجل الحفاظ على الاستقرار النفسي والاجتماعي والتقليل من الصدامات المحتملة، من الضروري فهم طبيعة هذا النمط السلوكي وتبنّي أساليب تواصل قائمة على الحكمة والمرونة.

إن الشخص العصبي ليس دائمًا شخصية سيئة أو غير قابلة للتغيير، بل قد يكون متأثرًا بظروف نفسية، أو ضغوط متراكمة، أو نمط تنشئة معين، جعل منه إنسانًا سريع الغضب وسهل الانفجار. ولذلك، فإن استيعاب خلفياته النفسية والسلوكية يُعتبر مفتاحًا أوليًا للتعامل معه بذكاء وفعالية. ومن خلال استراتيجيات مدروسة، يمكن الحد من نوبات الغضب واحتوائها، بل وتحويل الشخص العصبي إلى طرف يمكن التفاعل معه بشكل متوازن ومثمر.

فيما يلي، نتناول ست طرق ذكية وعلمية للتعامل مع الشخص العصبي، مع شرح مفصل لكل طريقة، مدعومًا بأمثلة حياتية وتفسيرات نفسية توضح فعالية هذه الأساليب في الواقع العملي.

1. الحفاظ على الهدوء وعدم الدخول في ردود فعل مماثلة

القاعدة الذهبية الأولى في التعامل مع الشخص العصبي هي التمسك بالهدوء التام. فالدخول في نوبة غضب مقابلة أو محاولة الرد عليه بنفس الحدة يؤدي فقط إلى تصعيد الموقف ويزيد من التوتر. عندما يغضب الطرف الآخر، يحتاج إلى من يعكس له صورة الاستقرار، لا من يؤجج ناره.

علم النفس العصبي يوضح أن الغضب ينتج عن نشاط زائد في اللوزة الدماغية (amygdala) المسؤولة عن رصد التهديدات والانفعالات. وعندما يُواجه الشخص العصبي بمزيد من التوتر والانفعال، فإن هذا يُغذي شعوره بالخطر ويؤدي إلى مزيد من الانفجار.

في المقابل، الشخص الهادئ يبعث برسائل غير لفظية إلى الدماغ تُطمئن الطرف الآخر وتُساعده على العودة إلى حالة التوازن. يمكن تحقيق ذلك من خلال التنفس العميق، خفض نبرة الصوت، الحفاظ على لغة جسد غير تهديدية، والابتعاد عن الكلمات الاستفزازية.

2. استخدام الإصغاء الفعّال لتفريغ الانفعال

في كثير من الأحيان، يكون انفجار الشخص العصبي ناتجًا عن تراكم مشاعر سلبية لم يجد من يستمع لها. من هنا تأتي أهمية الإصغاء الفعّال كأداة علاجية في التعامل مع هذه الشخصية. الإصغاء لا يعني فقط سماع الكلمات، بل يشمل أيضًا الاهتمام بلغة الجسد، ونبرة الصوت، والمعاني الضمنية التي يحملها الكلام.

الإصغاء الفعّال يعزز الشعور بالتقدير والانتماء، ويقلل من الإحساس بالتهديد أو الإقصاء، وهو ما يحتاجه الشخص العصبي بشدة. فعندما يشعر أنه مسموع، يُخفف ذلك من توتره، ويُسهل عملية التواصل معه.

أحد الأساليب الناجعة في الإصغاء هو التكرار الإيجابي للمضمون الذي يطرحه الشخص العصبي بطريقة هادئة. على سبيل المثال، يمكن قول: “أفهم أنك مستاء لأنك تشعر أن مجهودك لم يُقدَّر، وهذا فعلاً قد يكون مزعجًا”. هذه الجملة تحمل التعاطف دون تبني الغضب أو الانفعال.

3. وضع حدود واضحة بطريقة غير تصادمية

الشخص العصبي قد يميل إلى تجاوز الحدود إذا شعر أنه في موقف قوة أو سيطرة. لذلك، من الضروري وضع حدود واضحة للتعامل، ولكن دون استخدام العنف اللفظي أو التهديد المباشر. الطريقة الذكية لفعل ذلك تعتمد على استخدام لغة “الأنا” بدلاً من “أنت”.

لغة “الأنا” تركز على التعبير عن مشاعر الفرد دون اتهام الطرف الآخر. فعلى سبيل المثال، بدلاً من قول: “أنت دائمًا تصرخ بلا داعٍ”، يُفضل قول: “أشعر بالتوتر عندما يتم رفع الصوت أثناء النقاش”. هذه الصيغة تُجنب الشخص العصبي الشعور بالهجوم، مما يقلل من احتمالية تفاقم الغضب.

الحدود قد تكون أيضًا تنظيمية مثل تحديد أوقات معينة للنقاش، أو الاتفاق على استخدام إشارات لتهدئة النقاش عندما يبلغ ذروته. هذه الحدود تنظم العلاقة وتُحافظ على صحة التفاعل بين الأطراف.

4. تفهّم الأسباب النفسية والسياقية وراء العصبية

غالبًا ما تكون العصبية ناتجة عن تراكمات داخلية أو اضطرابات نفسية غير معالجة، مثل اضطرابات القلق، الاكتئاب، أو حتى اضطراب الشخصية الحدية. كما أن ضغوط الحياة اليومية، مثل الأعباء المالية أو التوترات المهنية أو الاجتماعية، قد تلعب دورًا كبيرًا في زيادة التوتر والانفعال.

من خلال فهم الأسباب العميقة التي تُشكل خلفية العصبية، يصبح التعامل مع الشخص العصبي أكثر مرونة وتعاطفًا. بدلاً من النظر إليه كشخص مزعج أو غير منطقي، يتم رؤيته كشخص يعاني ويحتاج إلى بيئة أكثر استقرارًا واحتواءً.

هذا الفهم لا يعني تبرير السلوك السيئ أو التغاضي عنه، وإنما يساعد على وضعه في سياقه الصحيح لتجنب ردود فعل غير محسوبة. كما أن هذا التعاطف الواعي قد يكون حافزًا للطرف الآخر للبحث عن حلول أو علاج سلوكي مناسب.

5. انتقاء اللحظة المناسبة لطرح النقاط الخلافية

الزمن له دور محوري في إنجاح أو فشل أي نقاش مع شخص عصبي. فلا يُنصح أبدًا بفتح مواضيع حساسة أو طرح انتقادات في لحظة يكون فيها الطرف الآخر غاضبًا أو منهكًا أو تحت ضغط شديد. ذلك لأن الجهاز العصبي يكون في حالة تأهب، ولا يكون الدماغ مهيأ للاستقبال الهادئ للمعلومات.

الطريقة الذكية هي الانتظار حتى يعود الطرف الآخر إلى حالة من الاستقرار والهدوء. حينها، يمكن طرح النقاط الخلافية بأسلوب عقلاني. يُفضل كذلك استخدام أسلوب التحضير غير المباشر للنقاش، مثل قول: “أحتاج أن أتكلم معك عن شيء مهم، متى يكون وقتك مناسبًا؟”

التحكم في توقيت الحديث يخلق نوعًا من التوازن والاحترام، ويقلل من احتمالية التصادم. كما أنه يُعطي الفرصة للطرف الآخر للاستعداد الذهني والعاطفي للنقاش، مما يسهل الوصول إلى تفاهم مشترك.

6. اللجوء إلى الوسائل غير المباشرة في تهدئة الغضب

في بعض الأحيان، قد لا يكون الحوار المباشر هو الخيار الأمثل لتهدئة شخص عصبي. هنا تبرز أهمية استخدام الوسائل غير المباشرة، مثل الإشارات غير اللفظية، أو صرف الانتباه نحو موضوع إيجابي، أو حتى الخروج من المكان بشكل مؤقت لخفض حدة الموقف.

على سبيل المثال، يمكن استخدام الإيماءات الهادئة، مثل فتح راحة اليد أو الابتعاد قليلاً إلى الوراء، كإشارة إلى الرغبة في التهدئة. كما أن تغيير الموضوع بشكل ذكي نحو فكرة مبهجة أو واقعة سابقة ممتعة قد يخفف من حدة الانفعال.

اللجوء إلى وسائل غير مباشرة لا يعني الهروب من المواجهة، بل يُعدّ شكلاً متطورًا من الذكاء الاجتماعي الذي يُعلي من شأن الحفاظ على العلاقة واستقرارها، دون خسارة الكرامة أو الوقوع في فخ الاستفزاز.

جدول يوضح العلاقة بين نمط العصبية والاستجابة الذكية

خاتمة

إن التعامل مع الأشخاص العصبيين يحتاج إلى مزيج من الحكمة، الصبر، والوعي الذاتي. فالعصبية ليست مجرد سلوك سيئ، بل قد تكون علامة على ألم داخلي أو نقص في المهارات التكيفية. ومن خلال تبنّي استراتيجيات ذكية مثل الهدوء، الإصغاء، فهم الخلفيات النفسية، واختيار اللحظة المناسبة، يمكن تحويل التفاعل من صراع إلى فرصة لبناء علاقة أكثر عمقًا وتوازنًا. يتطلب ذلك تدريبًا مستمرًا على التحكم في الذات، وتقديرًا عميقًا لطبيعة النفس البشرية التي تتقلب تحت ضغط الحياة ومتغيراتها.

المراجع:

1. Goleman, Daniel. Emotional Intelligence: Why It Can Matter More Than IQ. Bantam, 1995.

2. Linehan, Marsha. Skills Training Manual for Treating Borderline Personality Disorder. Guilford Press, 1993.