لحمية الأنف: الأسباب والعلاج

لحمية الأنف: الأسباب، الأعراض، التشخيص والعلاج

تُعد لحمية الأنف (Nasal Polyps) من المشكلات الشائعة التي تصيب الجهاز التنفسي العلوي، وتؤثر على نوعية حياة الملايين من البشر حول العالم. تتصف بكونها نموًا لحميًا حميدًا يظهر داخل التجاويف الأنفية أو الجيوب الأنفية، وقد تتفاوت في حجمها وموقعها، وتكون غالبًا ناتجة عن التهابات مزمنة أو أمراض تحسسية مزمنة. هذه الزوائد تؤثر على التنفس، وتسبب انسدادًا في مجرى الهواء الأنفي، وتؤدي إلى مشاكل متكررة في التنفس، وفقدان حاسة الشم، وغيرها من الأعراض المزعجة.

يتطلب التعامل مع لحمية الأنف فهماً دقيقاً لطبيعتها، وأسبابها، وطرق تشخيصها، والعلاجات المتاحة سواء الدوائية أو الجراحية، إضافة إلى الطرق الوقائية لتقليل خطر تكرار ظهورها.

التعريف الطبي والأنواع

لحمية الأنف هي أورام ليفية حميدة تتكون من أنسجة مخاطية متضخمة داخل الأنف أو الجيوب الأنفية. تُغطى هذه الزوائد بطبقة من المخاط وتشبه في مظهرها العنب الصغير، وقد تظهر منفردة أو متعددة، وغالبًا ما تكون ثنائية الجانب (أي تظهر في كلا المنخرين). تصنف لحمية الأنف إلى نوعين رئيسيين:

• اللحمية التحسسية: تنجم عن استجابة مناعية مفرطة للمحفزات البيئية، مثل الغبار، أو حبوب اللقاح، أو العطور.

• اللحمية الناتجة عن الالتهاب المزمن: تحدث نتيجة التهابات مزمنة أو مزمنة متكررة في الأنف أو الجيوب الأنفية.

الأسباب والعوامل المساهمة

تشير الدراسات إلى أن لحمية الأنف ليست نتيجة لسبب واحد محدد، بل هي نتيجة تفاعل معقد بين عدة عوامل، من أبرزها:

1. الالتهابات المزمنة: مثل التهاب الجيوب الأنفية المزمن، حيث يؤدي الالتهاب طويل الأمد إلى تلف الطبقة المخاطية للأنف، وتحفيز نمو الأنسجة اللحمية.

2. التحسس الأنفي: كالتهاب الأنف التحسسي الناتج عن الغبار، أو وبر الحيوانات، أو حبوب اللقاح، والذي يسبب تهيجًا مستمرًا في الأغشية المخاطية.

3. الربو القصبي: ترتبط لحمية الأنف بشكل شائع مع مرضى الربو، خاصة أولئك الذين يعانون من الربو غير المتحكم به.

4. عدم تحمل الأسبرين (متلازمة آسبرين): يعاني بعض الأشخاص من ثلاثية مرضية تشمل الربو، لحمية الأنف، وحساسية للأسبرين.

5. التليف الكيسي (Cystic Fibrosis): وهو مرض وراثي يصيب الغدد الإفرازية ويؤدي إلى تراكم المخاط اللزج، مما يعزز تكون لحمية الأنف.

6. العوامل الوراثية: هناك دلائل على أن الاستعداد الوراثي يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في نشوء اللحمية، حيث قد تظهر بشكل متكرر ضمن عائلات معينة.

الأعراض والعلامات

تتفاوت أعراض لحمية الأنف باختلاف حجمها وعددها وموقعها داخل الأنف. وقد تمر بعض الحالات الصغيرة دون أعراض تُذكر، بينما تسبب اللحمية الأكبر أعراضًا مزعجة تؤثر على نوعية الحياة. ومن أبرز الأعراض:

• انسداد الأنف المستمر أو المتكرر

• صعوبة في التنفس عبر الأنف

• نقص أو فقدان حاسة الشم (Anosmia)

• فقدان جزئي أو تغير في حاسة التذوق

• نزول إفرازات أنفية شفافة أو ملونة

• صداع مزمن

• ألم أو ضغط في الوجه، خاصة في منطقة الجيوب

• الشخير أثناء النوم

• التنفس من الفم، خاصة أثناء الليل

التشخيص

يعتمد تشخيص لحمية الأنف على الجمع بين الفحص السريري والتقنيات التصويرية والتنظيرية الحديثة. ويشمل التشخيص الخطوات التالية:

1. الفحص الإكلينيكي

يقوم الطبيب المختص بفحص التجاويف الأنفية باستخدام منظار أنفي لفحص وجود الزوائد اللحمية، وتحديد موقعها وحجمها.

2. التصوير بالأشعة المقطعية (CT Scan)

تُعد الأشعة المقطعية الوسيلة الأدق لتقييم مدى انتشار اللحمية داخل الجيوب الأنفية، والتأكد من عدم وجود مضاعفات أو انسداد كامل.

3. اختبارات التحسس

يمكن أن تجرى اختبارات جلدية أو دموية لتحديد ما إذا كانت اللحمية مرتبطة بحالة تحسسية مزمنة.

4. اختبارات إضافية

في حال الشك بوجود أمراض مصاحبة مثل التليف الكيسي، قد تُجرى اختبارات خاصة للجينات أو تحليل العرق للكشف عن هذا المرض الوراثي.

العلاج

يهدف علاج لحمية الأنف إلى تقليل حجم الزوائد أو إزالتها، والحد من الالتهاب المصاحب، ومنع تكرارها. وتنقسم خيارات العلاج إلى قسمين رئيسيين: العلاج الدوائي، والعلاج الجراحي.

أولاً: العلاج الدوائي

1. الكورتيكوستيرويدات الموضعية (بخاخات الأنف)
   تُعد الخيار الأول في علاج لحمية الأنف، حيث تعمل على تقليص حجم اللحمية وتقليل الالتهاب. من الأمثلة الشائعة:

   • فلوتيكازون (Fluticasone)

   • موميتازون (Mometasone)

   • بوديزونيد (Budesonide)

2. الكورتيكوستيرويدات الفموية أو القابلة للحقن
   في الحالات المتقدمة أو حين لا تكون البخاخات كافية، يُوصف بريدنيزولون (Prednisone) لفترة قصيرة.

3. مضادات الهيستامين ومضادات الاحتقان
   تُستخدم عند وجود تحسس أنفي مرافق، لكنها لا تؤثر بشكل مباشر على اللحمية.

4. العلاج البيولوجي
   يُستخدم في الحالات المزمنة المقاومة، ويشمل أدوية موجهة مثل “دوبيليوماب” (Dupilumab)، والذي يثبط بعض المسارات المناعية المسؤولة عن الالتهاب.

ثانيًا: العلاج الجراحي

في حال فشل العلاج الدوائي، أو في حال وجود لحميات كبيرة تسد مجرى التنفس بشكل واضح، يتم اللجوء إلى التدخل الجراحي:

• استئصال اللحمية بالمنظار (Endoscopic Polypectomy)
  وهي الجراحة الأكثر شيوعًا، حيث يُدخل منظار رفيع عبر الأنف، ويُستأصل النسيج اللحمي دون الحاجة لشق خارجي.

• جراحة الجيوب الأنفية الوظيفية (FESS)
  تُستخدم في الحالات المعقدة أو عند وجود التهابات مزمنة متكررة، وتُجرى بتنظير دقيق لتوسيع فتحات الجيوب الأنفية وتحسين تصريفها.

مضاعفات لحمية الأنف

في حال لم تُعالج اللحمية بشكل فعال، قد تؤدي إلى عدة مضاعفات، مثل:

• انسداد مزمن لمجرى التنفس الأنفي

• التهابات جيوب متكررة أو مزمنة

• تفاقم أعراض الربو

• اضطرابات في النوم، مثل انقطاع التنفس أثناء النوم (Sleep Apnea)

• تغيّرات هيكلية في الأنف أو الوجه في الحالات المزمنة

الفرق بين لحمية الأنف ولحمية خلف الأنف (Adenoids)

من المهم التمييز بين هذين النوعين من اللحمية:

الوقاية وتقليل احتمالية التكرار

بما أن لحمية الأنف تُعد من الحالات المزمنة، فإن احتمالية تكرارها واردة حتى بعد العلاج الجراحي. لذا يُنصح بالتالي:

• السيطرة على التحسس الأنفي من خلال تجنب المحفزات

• استخدام بخاخات الأنف الوقائية بانتظام

• علاج التهابات الجيوب الأنفية فور حدوثها

• المتابعة الدورية مع طبيب الأنف والأذن والحنجرة

• السيطرة الجيدة على الربو والأمراض المصاحبة

الخلاصة

لحمية الأنف من المشكلات الشائعة التي تؤثر سلبًا على جودة الحياة والتنفس، وقد تترافق مع حالات مزمنة مثل الربو والحساسية. يتطلب التعامل معها منهجًا دقيقًا يشمل التشخيص السريري والتصويري، مع علاجات دوائية فعالة وقد يتطلب التدخل الجراحي عند الحاجة. الوقاية تلعب دورًا حيويًا في منع تكرارها، ما يجعل المتابعة الطبية المنتظمة أمرًا ضروريًا في حالات اللحمية الأنفية.

المراجع:

1. Fokkens, W. J., Lund, V. J., Hopkins, C., et al. (2020). EPOS2020: European Position Paper on Rhinosinusitis and Nasal Polyps. Rhinology Supplement.

2. Meltzer, E. O., Hamilos, D. L., Hadley, J. A., et al. (2004). Rhinosinusitis: establishing definitions for clinical research and patient care. Journal of Allergy and Clinical Immunology.