كيف تعرف العسل الأصلي

كيفية التحقق من جودة العسل الأصلي: دليل شامل

يُعدّ العسل من أقدم وأهم الأغذية الطبيعية التي عرفها الإنسان، وقد استُخدم منذ آلاف السنين في التغذية والطب والتجميل. غير أن ارتفاع الطلب عليه وتزايد قيمته الغذائية والاقتصادية جعله عرضة لعمليات الغش والتزوير، حيث يُخلط أحيانًا بمواد صناعية أو يُضاف إليه شراب الذرة أو السكر أو حتى الماء لزيادة الكمية وخفض التكلفة. لذا، فإن التعرّف على العسل الأصلي وتمييزه عن المغشوش أصبح ضرورة لا بد منها للمستهلكين، خصوصًا مع توفر أنواع متعددة وأسعار متفاوتة في الأسواق.

يتناول هذا المقال بشكل علمي وعملي موسّع الطرق المعتمدة للكشف عن جودة العسل، سواء باستخدام الحواس، أو من خلال اختبارات منزلية بسيطة، أو بناء على التحاليل المعملية. كما يتطرق إلى أنواع الغش الشائعة، وخصائص العسل الطبيعي، وأهمية كل من اللون، القوام، الرائحة، والتركيب الكيميائي في التمييز بين الأصلي والمغشوش.

أولاً: خصائص العسل الأصلي

العسل الأصلي يتميّز بتركيبة فريدة من السكريات الطبيعية، الأنزيمات، الأحماض الأمينية، الفيتامينات، والمعادن. وتنعكس هذه التركيبة على خصائصه الفيزيائية والكيميائية، ومنها:

• اللزوجة العالية: العسل الأصلي كثيف ولزج ولا يتدفق بسهولة عند سكبه.

• الرائحة الطبيعية: يمتلك العسل الأصلي رائحة مميزة تشبه الزهور أو النباتات التي تغذّت عليها النحلات.

• المذاق المعقد: يتسم بطعم غني لا يشبه مذاق السكر الصناعي، ولا يترك أثرًا لاذعًا أو حادًا في الحلق.

• عدم التبلور السريع: بعض أنواع العسل تتبلور بمرور الوقت، لكن الأصلي منها لا يتبلور بسرعة، خاصة إن لم يتم تعريضه لدرجات حرارة منخفضة جدًا.

• التفاعل مع الحرارة: عند تسخينه، لا يُنتج رغوة زائدة ولا تتغير رائحته كثيرًا، على عكس المغشوش الذي قد يُنتج فقاعات نتيجة السكر المضاف.

ثانيًا: أنواع الغش الشائعة في العسل

تُمارَس العديد من الأساليب لتزييف العسل وزيادة كميته أو تقليد خواصه الطبيعية، وأبرزها:

1. إضافة شراب الجلوكوز التجاري أو شراب الذرة عالي الفركتوز (HFCS).

2. خلطه بالماء أو السكر المذاب أو العسل الصناعي المصنع كيميائيًا.

3. تغذية النحل على محلول سكري بدلًا من تركه يجمع الرحيق من الأزهار.

4. تسخين العسل لدرجة تؤثر في إنزيماته الطبيعية وتجعله يبدو لامعًا وكثيفًا.

كل هذه الطرق تؤدي إلى فقدان العسل لفوائده الحيوية، وقد تُلحق ضررًا بصحة المستهلك.

ثالثًا: طرق منزلية للكشف عن العسل الأصلي

يوجد عدد من الطرق التقليدية التي يمكن اعتمادها لتحديد ما إذا كان العسل طبيعيًا، مع التنبيه إلى أنها ليست دائمًا دقيقة بنسبة 100%، لكنها مفيدة كمؤشرات أولية.

1. اختبار الماء

• ضع ملعقة صغيرة من العسل في كوب ماء بدرجة حرارة الغرفة.

• العسل الأصلي: يستقر في القاع ولا يذوب مباشرة.

• العسل المغشوش: يذوب أو يبدأ في الاختلاط بالماء بسرعة.

2. اختبار اللهب (الفتيل أو عود الثقاب)

• اغمس عود ثقاب في العسل وجرب إشعاله.

• العسل الأصلي: يسمح بإشعال العود، لأن العسل لا يحتوي على ماء.

• العسل المغشوش: يفشل في الاشتعال لاحتوائه على الماء أو مكونات رطبة.

3. اختبار الورق النشاف أو القماش

• ضع بضع قطرات من العسل على ورقة نشاف أو منديل.

• العسل الأصلي: لا يمتصه الورق بسهولة.

• العسل المغشوش: ينتشر في الورق أو يُحدث بقعة رطبة بسبب المحتوى المائي.

4. اختبار الإصبع

• ضع قطرة من العسل على إصبعك وراقب السلوك.

• العسل الأصلي: يظل متماسكًا ولا ينتشر بسرعة.

• العسل المغشوش: يسيل وينتشر على الجلد بسهولة.

رابعًا: التحاليل المعملية لفحص العسل

للحصول على نتائج دقيقة وموثوقة، تلجأ المختبرات المتخصصة إلى تحليل العسل باستخدام أدوات علمية دقيقة، للكشف عن المكونات التالية:

المختبرات المتخصصة مثل تلك المعتمدة من المنظمات الصحية أو الغذائية تقوم بفحص شامل يضمن معرفة درجة نقاوة العسل، وهذا الاختبار يُعتبر الفيصل الأخير في تحديد الجودة، لا سيما في حالات الشك أو التجارة الكبيرة.

خامسًا: نصائح لشراء عسل أصلي

حتى لا تكون فريسة للغش التجاري، ينبغي الالتزام بالنصائح التالية عند شراء العسل:

1. اختر العلامات التجارية الموثوقة المعروفة بسجلها في إنتاج العسل النقي.

2. اشترِ العسل من مصادر موثوقة مثل المناحل المرخصة أو الجمعيات الزراعية.

3. تحقق من الملصق الغذائي وابحث عن معلومات مثل “خالص 100%” أو “بدون إضافات”.

4. تفادى الأسعار المنخفضة جدًا التي قد تكون مؤشرًا على الغش أو التلاعب.

5. اسأل عن تاريخ الجني والمصدر النباتي للعسل (مثل عسل السدر، عسل الزهور البرية، إلخ).

6. راقب الملمس والرائحة وابتعد عن العسل الذي يبدو شفافًا جدًا أو بلا رائحة.

سادسًا: هل كل تبلور يعني أن العسل مغشوش؟

هذا الاعتقاد شائع لكنه غير صحيح، فالتبلور ظاهرة طبيعية تحدث لبعض أنواع العسل النقي. وهي نتيجة تفاعل مكونات العسل، خاصة عند انخفاض درجات الحرارة. العسل الأصلي، خصوصًا الغني بالجلوكوز، مثل عسل زهرة اللفت، يتبلور بسرعة. أما العسل المغشوش، فعادة ما يتجنب التبلور لأنه مُعالج حراريًا أو مخلوط بمواد تمنع البلورة.

سابعًا: دور اللون والرائحة في تحديد جودة العسل

• اللون: العسل الطبيعي يختلف لونه من الفاتح إلى الداكن تبعًا لمصدر الرحيق. لا يدل اللون وحده على الغش، ولكن العسل الأصلي لا يكون دائمًا شفافًا بالكامل أو موحدًا جدًا.

• الرائحة: العسل الطبيعي له عبير نباتي واضح، وقد يكون حادًا أو ناعمًا حسب نوع الزهرة. العسل المغشوش غالبًا بلا رائحة أو تفوح منه رائحة سكر محروق.

ثامنًا: هل يمكن للعسل المغشوش أن يكون ضارًا بالصحة؟

نعم، في كثير من الحالات. فإضافة السكر الصناعي أو شراب الذرة عالي الفركتوز لا يقلل فقط من القيمة الغذائية للعسل، بل قد يُسبب مشكلات صحية للأشخاص المصابين بالسكري أو الأطفال أو من يعانون من اضطرابات هضمية. كما أن تسخين العسل المغشوش قد ينتج عنه مركبات ضارة مثل HMF التي رُبطت ببعض الأضرار الخلوية في الدراسات المعملية.

المصادر والمراجع

• Codex Alimentarius Commission (FAO/WHO): Standard for Honey, CODEX STAN 12-1981.

• White, J. W. (1978). Honey, Advances in Food Research, Volume 24, Pages 287–374.