7 خطوات لتصبح من “مؤثّري” وسائل التواصل الاجتماعي

في عصر أصبحت فيه الهواتف الذكية امتداداً طبيعياً لأيدي البشر، وشاشات التواصل الرقمي نوافذ تطلّ على حياة الآخرين، لم تعد الشهرة محصورة في السينما والتلفاز، بل امتدت لتشمل منصات مثل إنستغرام، تيك توك، تويتر (X)، ويوتيوب. وسط هذا التغيّر الجذري في أنماط الاستهلاك البشري للمحتوى، برز مصطلح “المؤثّر” (Influencer) كواحد من أبرز الظواهر الإعلامية والاجتماعية في القرن الحادي والعشرين. فهؤلاء الأشخاص الذين ينشرون محتواهم الخاص على الإنترنت، بات لهم تأثير مباشر على آراء الناس وسلوكياتهم، سواء في الموضة، التغذية، الرياضة، التجميل، التعليم، أو حتى السياسة.

لكن التحوّل إلى “مؤثر” حقيقي على وسائل التواصل الاجتماعي لا يتم بمحض الصدفة أو عن طريق الحظ، بل هو نتاج استراتيجيات مدروسة، وتخطيط متقن، وتفانٍ في صناعة المحتوى، واستمرارية في التفاعل مع الجمهور. وفي هذا المقال، سنستعرض سبع خطوات جوهرية تساعد أي شخص طموح على الانتقال من مجرد مستخدم عادي إلى شخصية رقمية بارزة ذات تأثير حقيقي.

الخطوة الأولى: حدد مجالك بدقة (Niche)

الخطوة الأولى نحو النجاح كـ “مؤثر” تبدأ باختيار المجال المناسب الذي تمتلك فيه شغفاً وخبرة. فالتخصص هو العامل الحاسم في بناء هوية واضحة ومتماسكة. ينقسم المؤثرون إلى مجالات متعددة: الموضة، الجمال، الرياضة، الصحة النفسية، التغذية، التعليم، التكنولوجيا، الأمومة، السفر، التنمية الذاتية وغيرها.

اختيار المجال لا يجب أن يكون عشوائياً أو بدافع التقليد، بل ينبغي أن ينبع من داخل الشخص نفسه. كلما كان الشخص شغوفاً بالمجال الذي يقدمه، كلما كان أكثر إقناعاً وأقرب إلى الجمهور. الشغف يولد الصدق، والصدق يولد الثقة، والثقة هي حجر الزاوية في عالم التأثير الرقمي.

الخطوة الثانية: بناء هوية رقمية متكاملة (Personal Branding)

الهوية الرقمية ليست مجرد صورة للملف الشخصي أو اسم مستخدم جذاب، بل هي انعكاس شامل لصورة المؤثّر أمام متابعيه. وتشمل الهوية الرقمية: الاسم، الشعار (إن وُجد)، الألوان المستخدمة في التصميم، أسلوب الخطاب، نوع المحتوى، طريقة التفاعل، وحتى المواضيع المطروحة.

يجب أن تعبر الهوية الرقمية عن القيم الأساسية التي يتبناها الشخص، وأن تكون متسقة على كافة المنصات. هذه الاتساقية تساعد الجمهور في تمييز المؤثّر بسهولة، وتعزز من قوة العلامة الشخصية التي يطورها.

النجاح هنا يتطلب التنسيق بين المصمم الغرافيكي (إن وُجد) وصاحب الحساب لضمان وجود لغة بصرية موحدة عبر المنشورات، القصص، مقاطع الفيديو، والصور المصغرة، بالإضافة إلى اختيار لغة متسقة (رسمية أو غير رسمية، مباشرة أو عاطفية) في التواصل مع المتابعين.

الخطوة الثالثة: إنتاج محتوى عالي الجودة بانتظام

المحتوى هو القلب النابض لأي نشاط مؤثّر على وسائل التواصل الاجتماعي. فالمحتوى هو ما يجذب الجمهور، ويُبقيه متفاعلاً، ويزيد من قابلية الانتشار. الجودة هنا لا تتعلق فقط بجودة التصوير أو الإخراج، بل تشمل أيضاً المضمون، الفائدة، التفرد، والقدرة على الإلهام أو الإقناع.

يتعين على المؤثر أن يطور استراتيجية محتوى تتضمن:

• خطة نشر أسبوعية أو شهرية.

• تنوع في أشكال المحتوى: صور، فيديوهات، بث مباشر، قصص قصيرة.

• استخدام الأدوات المناسبة للتصوير والمونتاج مثل Canva، Adobe Premiere، CapCut، وغيرها.

• التركيز على الجوانب القصصية (Storytelling) لنقل الرسائل بطريقة مؤثرة وإنسانية.

كما يجب أن يكون المحتوى متسقاً مع القيم التي يروّج لها المؤثّر، وألا يجنح وراء الإثارة أو السطحية فقط من أجل “اللايكات” أو المشاهدات.

الخطوة الرابعة: بناء قاعدة جماهيرية حقيقية ومتفاعلة

من الخطأ التركيز على عدد المتابعين فقط كمؤشر للنجاح. الأهم هو مدى تفاعل هؤلاء المتابعين، ومدى ارتباطهم العاطفي بالمحتوى. فقاعدة المتابعين النشطة أفضل بكثير من قاعدة كبيرة لكنها صامتة.

بناء جمهور حقيقي يتطلب:

• الرد على التعليقات والرسائل الخاصة.

• مشاركة اللحظات اليومية بطريقة طبيعية.

• طرح محتوى تفاعلي (استطلاعات، أسئلة، تحديات).

• احترام المتابعين وتقدير مساهماتهم.

كلما شعر الجمهور بأن المؤثر قريب منه، كلما زادت الثقة والولاء. المؤثّر الناجح يبني “مجتمعاً رقمياً” لا مجرد “عدد مشتركين”.

الخطوة الخامسة: تحليل الأداء وتطوير الاستراتيجية

النجاح في عالم التأثير الرقمي ليس مجرد استعراض مستمر، بل هو عملية تحسين دائمة تستند إلى بيانات ومؤشرات أداء واضحة. يجب على المؤثر استخدام أدوات تحليل المحتوى لتقييم مدى نجاح منشوراته وفيديوهاته.

من أبرز المؤشرات التي ينبغي تتبعها:

• عدد مرات الظهور (Impressions).

• معدل التفاعل (Engagement Rate).

• عدد مرات الحفظ والمشاركة.

• نسب النقر (CTR).

• متوسط مدة المشاهدة للفيديوهات.

هذه البيانات توضح للمؤثر أي أنواع المحتوى تحقق أكبر تأثير، وما هي الأوقات المثلى للنشر، وما المواضيع التي تهم جمهوره أكثر. بناءً عليها، يمكن تعديل الاستراتيجية وزيادة الفعالية.

الخطوة السادسة: التعاون مع علامات تجارية أو مؤثرين آخرين

التعاون هو أحد الأساليب الفعالة لتوسيع قاعدة الجمهور وزيادة المصداقية. التعاون يمكن أن يتم مع:

• مؤثرين آخرين في نفس المجال أو مجال مكمل.

• علامات تجارية تبحث عن تمثيل حقيقي لمنتجاتها.

• جهات إعلامية أو منصات إعلامية رقمية.

لكن قبل التعاون، يجب أن يتأكد المؤثر من أن الطرف الآخر يشاركه نفس القيم والمبادئ. لأن أي شراكة غير مدروسة قد تضر بالهوية الشخصية وتفقد الجمهور ثقته بالمؤثر.

يُنصح بتوثيق الشراكات من خلال عقود واضحة، لتحديد الالتزامات والحقوق وضمان الشفافية.

الخطوة السابعة: الاستمرارية والمرونة في التعامل مع التحديات

عالم التواصل الاجتماعي سريع التحول. المنصات تتغير، الخوارزميات تتجدد، وأذواق الجمهور تتطور. لذلك فإن الاستمرارية والمرونة هما مفتاحا النجاح الطويل الأمد.

الاستمرارية تعني الحفاظ على إيقاع النشر وعدم الانقطاع، حتى في فترات انخفاض التفاعل. أما المرونة فتعني قدرة المؤثر على تعديل أساليبه ومحتواه لمواكبة المستجدات. فقد يتطلب الأمر:

• تجربة منصات جديدة (مثل تيك توك أو ثريدز).

• التحول من الفيديو القصير إلى البودكاست.

• إعادة ابتكار أسلوب الخطاب ليتماشى مع جمهور جديد.

المؤثر الذكي هو من يدير نفسه كعلامة تجارية كاملة، قابلة للتكيف، وتعمل على التجديد الذاتي بشكل دوري.

جدول: مقارنة بين المؤثر التقليدي والمؤثر الاحترافي

إن التحوّل إلى “مؤثر” حقيقي على وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد حلماً بعيد المنال، بل أصبح مساراً مهنياً يتطلب علماً وخبرة ومهارة والتزاماً. من خلال هذه الخطوات السبع، يمكن لأي شخص بناء حضور رقمي فاعل، والمساهمة بشكل ملموس في تشكيل وعي الجمهور وإلهامه.

المراجع:

1. Influencer: Building Your Personal Brand in the Age of Social Media by Brittany Hennessy

2. Sprout Social – Social Media Analytics & Trends Reports 2024