التغلب على الشخصية الانهزامية

الشخصية الانهزامية: تعريفها، وسماتها، وأسبابها، وطرق علاجها

تُعد الشخصية الانهزامية إحدى الشخصيات النفسية التي يمكن أن تؤثر سلبًا على الفرد، حيث تخلق حالة من الاستسلام والتراجع أمام التحديات والضغوطات. يتسم أصحاب هذه الشخصية بالخوف من الفشل، والركون إلى المعتقدات السلبية عن أنفسهم وعن قدراتهم، وهو ما يجعلهم يتجنبون المحاولة أو اتخاذ خطوات جادة نحو النجاح. وبالرغم من أن هذه الشخصية لا تُعد مرضًا نفسيًا بالمعنى الحرفي، إلا أنها قد تساهم في تدهور جودة الحياة لدى الأفراد الذين يعانون منها.

تعريف الشخصية الانهزامية

الشخصية الانهزامية هي شخصية تتسم بالانخفاض الواضح في تقدير الذات، بالإضافة إلى النظرة السلبية تجاه المستقبل والقدرة على التأثير فيه. يصاحب هذه الشخصية شعور دائم بالعجز، الخوف من الفشل، والعزوف عن مواجهة الصعاب، ما يؤدي إلى الاستسلام بسهولة في مواقف الحياة المختلفة. يشير مصطلح “الانهزامية” إلى ذلك الموقف الذي يميل فيه الشخص إلى التراجع أو الاستسلام أمام التحديات بدلاً من أن يسعى إلى مواجهتها.

الشخص الانهزامي لا ينظر إلى المواقف التحديّة كفرص لتطوير نفسه، بل يراها تهديدات أو عوائق يصعب تخطيها. وغالبًا ما يعاني أصحاب هذه الشخصية من مشاكل في اتخاذ القرارات وتنفيذ الأهداف، كما قد يعانون من تدني تقدير الذات والاكتئاب.

سمات الشخصية الانهزامية

هناك العديد من السمات التي تميز الشخصية الانهزامية، والتي قد تكون غير واضحة في البداية لكنها تصبح أكثر وضوحًا مع مرور الوقت. يمكن تلخيص أبرز هذه السمات في النقاط التالية:

1. الخوف المستمر من الفشل
   
   الشخص الانهزامي يملك خوفًا مفرطًا من الفشل. هذا الخوف يمنعه من المحاولة أو اتخاذ خطوات نحو تحقيق أهدافه، مما يعزز شعور العجز والاستسلام.

2. الاستسلام المبكر
   
   غالبًا ما يميل الشخص الانهزامي إلى الاستسلام أمام التحديات منذ اللحظة الأولى التي يشعر فيها بصعوبة المهمة أو عدم القدرة على النجاح فيها.

3. نقص الثقة بالنفس
   
   يفتقر الشخص الانهزامي إلى الثقة بنفسه وبقدراته. يعزو كل فشل إلى عيوبه الشخصية أو إلى نقص في المهارات، ويعتقد أنه غير قادر على النجاح.

4. التشاؤم المستمر
   
   يتسم الشخص الانهزامي بالتشاؤم في نظرته إلى الحياة. يرى كل مشكلة أو صعوبة على أنها عقبة مستحيلة، ولا يتوقع حدوث أي تحسن في المستقبل.

5. الانعزال الاجتماعي
   
   بسبب شعورهم بالعجز، قد يبتعد الأشخاص الانهزاميون عن المجتمع أو ينعزلون عن التواصل مع الآخرين، تجنبًا للإحراج أو لتجنب المواجهة.

6. التردد في اتخاذ القرارات
   
   الشخص الانهزامي يتردد بشكل دائم في اتخاذ أي قرارات، خوفًا من الخطأ أو الفشل. وغالبًا ما يبقى في وضع الانتظار ولا يتخذ خطوات واضحة نحو التغيير.

7. التركيز على السلبيات
   
   دائمًا ما يركز الشخص الانهزامي على السلبيات، ويتجاهل الإنجازات أو النقاط الإيجابية. حتى في المواقف التي قد تكون ناجحة، يرى دائمًا جوانب سلبية تضعف من إحساسه بالإنجاز.

أسباب الشخصية الانهزامية

تتعدد الأسباب التي قد تقود الشخص إلى أن يكون ذا شخصية انهزامية، ومن أبرز هذه الأسباب:

1. التربية والمحيط العائلي
   
   يعد دور الأسرة أحد العوامل الرئيسة التي تساهم في تشكيل شخصية الفرد. يمكن أن يؤدي تعرض الشخص منذ الصغر لأساليب قاسية في التربية أو انتقادات مستمرة إلى تطور شخصية انهزامية. في حالة التنشئة في بيئة يسيطر عليها الخوف أو الانعدام التام للتقدير، يتعلم الطفل أن لا يثق في قدراته أو في إمكانية نجاحه في المستقبل.

2. التجارب الفاشلة السابقة
   
   التجارب الفاشلة المتكررة يمكن أن تساهم في تكوين شخصية انهزامية. عندما يواجه الشخص العديد من الإخفاقات في مختلف مجالات الحياة، قد يتولد لديه شعور بالعجز وأنه غير قادر على النجاح مهما حاول.

3. الضغوط الاجتماعية
   
   في بعض الأحيان، قد يشعر الشخص بالضغط من المجتمع أو البيئة المحيطة به لتحقيق توقعات أو معايير اجتماعية معينة. إذا لم يكن لديه الوسائل الكافية لتلبية هذه المعايير، قد يشعر بالعجز ويبدأ في تطوير شخصية انهزامية.

4. الاضطرابات النفسية
   
   بعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب، القلق، أو اضطراب الشخصية السلبية قد تساهم في ظهور سمات الشخصية الانهزامية. فالشخص المصاب بالاكتئاب على سبيل المثال قد يعاني من فقدان الأمل وضعف الإرادة مما يعزز من شعوره بالعجز.

5. عدم الدعم العاطفي
   
   عندما يفتقر الشخص إلى الدعم العاطفي من الأصدقاء أو الأسرة أو أي شبكة اجتماعية داعمة، يصبح أكثر عرضة لتطوير شخصية انهزامية. الدعم العاطفي يعمل على تعزيز الشعور بالثقة بالنفس ويمنح الشخص القوة لمواجهة التحديات.

طرق علاج الشخصية الانهزامية

على الرغم من أن الشخصية الانهزامية قد تكون مدمرة في العديد من جوانب الحياة، إلا أنه يمكن علاجها وتحسينها من خلال مجموعة من الإجراءات النفسية والسلوكية. هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن أن تساهم في مساعدة الأفراد على تحسين نظرتهم لأنفسهم ومواجهة التحديات بشجاعة وفعالية:

1. العمل على بناء الثقة بالنفس
   
   يُعد بناء الثقة بالنفس خطوة أساسية نحو التغلب على الانهزامية. يمكن تحسين الثقة بالنفس من خلال تجنب الانتقادات الذاتية المستمرة والتركيز على النجاحات الصغيرة التي تحققت. كما يمكن ممارسة تقنيات تعزيز الذات مثل التأكيدات الإيجابية.

2. تعلم تقنيات التفكير الإيجابي
   
   من الضروري أن يتعلم الشخص الانهزامي كيفية ممارسة التفكير الإيجابي وتجنب التركيز على السلبيات. تقنيات مثل التأمل والتركيز على الجوانب الإيجابية للحياة يمكن أن تساعد في تغيير المعتقدات السلبية التي يعتقدها الشخص عن نفسه.

3. وضع أهداف صغيرة وقابلة للتحقيق
   
   يساعد وضع أهداف صغيرة وقابلة للتحقيق على تعزيز الشعور بالإنجاز ويكسر حلقة الفشل المستمر. من خلال تحقيق هذه الأهداف، يبدأ الشخص في اكتساب الثقة في قدرته على تحقيق النجاح.

4. مواجهة المخاوف والتحديات
   
   من الضروري أن يتعلم الشخص الانهزامي كيفية مواجهة المخاوف التي تسيطر عليه، بدلاً من الانسحاب منها. يمكن أن يتم ذلك من خلال تعريض النفس تدريجيًا للمواقف التي يشعر الشخص بالخوف منها، مما يساهم في تقوية مقاومته النفسية.

5. الاستعانة بالدعم النفسي
   
   في حالات معينة، قد يحتاج الشخص الانهزامي إلى مساعدة من متخصصين في الصحة النفسية مثل المعالجين النفسيين أو مستشاري الحياة. قد تساعد الجلسات العلاجية مثل العلاج السلوكي المعرفي في تغيير الأفكار والمعتقدات السلبية وتعزيز التصرفات الإيجابية.

6. تحفيز الإبداع والتجديد
   
   يمكن أن يساعد الشخص الانهزامي في التغلب على مشاعر العجز من خلال تعلم مهارات جديدة أو الانخراط في أنشطة إبداعية. هذه الأنشطة تعزز من شعور الفرد بالكفاءة والقدرة على التأثير في محيطه.

7. ممارسة الرياضة والأنشطة البدنية
   
   تعد ممارسة الرياضة أحد أفضل الوسائل لتحسين المزاج وتعزيز الثقة بالنفس. الرياضة تساعد على إفراز المواد الكيميائية الطبيعية في الدماغ مثل الإندورفين، التي تعزز الشعور بالسعادة وتقلل من مشاعر التوتر والقلق.

8. الاستفادة من تجارب الآخرين
   
   يمكن أن يكون الاستماع إلى تجارب الآخرين الذين مروا بتحديات مشابهة مصدرًا للإلهام. معرفة أن هناك آخرين قد واجهوا نفس التحديات ونجحوا في التغلب عليها يساعد الشخص الانهزامي على أن يعتقد بقدرته هو الآخر على النجاح.

الخاتمة

الشخصية الانهزامية قد تكون عائقًا كبيرًا أمام تحقيق النجاح والعيش حياة مليئة بالإنجازات. ومع ذلك، يمكن تجاوز هذه الشخصية وتغيير أسلوب الحياة من خلال العمل على تحسين الثقة بالنفس، تغيير التفكير السلبي، ومواجهة المخاوف والتحديات. العلاج ليس بالعملية السريعة، لكنه يتطلب وقتًا وجهدًا مستمرًا، وفقط من خلال مواجهة الذات وتطوير المهارات النفسية يمكن للفرد أن يتغلب على هذه الشخصية الانهزامية ويعيش حياة مليئة بالأمل والطموح.