كيفية قضاء الصلاة الفائتة

يُعد أداء الصلاة في وقتها المحدد من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد أمر الله تعالى بالمحافظة عليها في مواقيتها. ومع ذلك، قد يتعرض المسلم أحيانًا لترك الصلاة عمدًا أو سهوًا أو بسبب عذر قاهر. وفي مثل هذه الحالات، يتوجب على المسلم قضاء ما فاته من الصلوات وفق أحكام وضوابط محددة في الشريعة الإسلامية.

معنى قضاء الصلاة

القضاء في اللغة يعني الإتمام والإكمال، أما في الاصطلاح الشرعي فهو: “إتيان الصلاة بعد خروج وقتها أداءً لما فُرض على المسلم.” ويُقصد بقضاء الصلاة أداء الصلاة الفائتة بنفس هيئتها وعدد ركعاتها كما شُرعت في وقتها الأصلي، لكن بعد انقضاء وقتها المحدد شرعًا.

حكم قضاء الصلاة الفائتة

اتفقت المذاهب الفقهية الأربعة على وجوب قضاء الصلاة الفائتة سواء كان تركها بعذر أو بغير عذر. فالصلوات الخمس لا تسقط عن المسلم ما دام عقله ثابتًا، ولا يجوز التهاون في أدائها حتى وإن فات وقتها.

قضاء الصلاة الفائتة بعذر

عند فوات الصلاة بعذر كالنوم أو النسيان أو الإغماء، فإن المسلم يجب عليه أن يقضي الصلاة حالما يتذكرها أو يستيقظ من نومه. وقد استُدل على ذلك بحديث النبي ﷺ: “من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك.”

قضاء الصلاة الفائتة بلا عذر

من ترك الصلاة عمدًا دون عذر شرعي فقد ارتكب إثمًا عظيمًا، وعليه المبادرة إلى التوبة وقضاء ما فاته من الصلوات. وقد شدد العلماء على أن التهاون في الصلاة من كبائر الذنوب التي تهدد مصير المسلم في الآخرة.

كيفية ترتيب قضاء الصلاة الفائتة

اختلف العلماء في ترتيب قضاء الصلوات الفائتة على النحو التالي:

الترتيب عند الجمهور

يرى جمهور العلماء، ومنهم المالكية والشافعية والحنابلة، أن الترتيب بين الصلوات الفائتة والمُؤدّاة واجب إذا كانت الفوائت قليلة ويمكن قضاءها قبل خروج وقت الصلاة الحاضرة. فإن كثرت الفوائت وخُشي خروج وقت الصلاة الحاضرة، جاز تقديم الصلاة الحاضرة ثم يُقضى ما فات.

رأي الحنفية

يرى الحنفية أن الترتيب سنة مؤكدة وليس فرضًا، ويُستحب أداء الفوائت قبل الصلاة الحاضرة، إلا إذا خُشي خروج وقت الحاضرة.

الترتيب في قضاء الصلوات المتعددة

عند فوات أكثر من صلاة يجب على المسلم قضاءها حسب ترتيبها الشرعي، فيبدأ بالظهر قبل العصر، والمغرب قبل العشاء، وهكذا. أما إذا كان العدد كبيرًا بحيث يُخشى معه تضييع الصلوات الحاضرة، فيجوز له أن يبدأ بالحاضرة ثم يقضي الفوائت تدريجيًا.

كيفية قضاء الصلاة الفائتة

عند قضاء الصلاة الفائتة يجب أن يؤديها المسلم بنفس عدد الركعات والكيفية التي تُؤدى بها في وقتها الأصلي. وتكون النية بالقلب دون التلفظ بها، فينوي قضاء الصلاة المعينة كأن يقول في نفسه: “أصلي قضاء صلاة الظهر التي فاتتني.”

الخطوات العملية لقضاء الصلاة الفائتة

1. النية: يجب استحضار النية بقضاء الصلاة الفائتة قبل الشروع فيها.

2. الطهارة: يشترط الوضوء كما هو الحال في الصلاة الحاضرة.

3. الترتيب: يراعى ترتيب الصلوات عند القلة، وإذا كانت الفوائت كثيرة فله أن يقضيها حسب استطاعته.

4. التتابع: يُستحب قضاء الصلوات بتتابع إذا كان ذلك ممكنًا.

5. التلفظ بالتكبير والقراءة: يؤدي الصلاة كما يؤديها في وقتها الأصلي بكل أركانها وواجباتها وسننها.

قضاء الصلاة الفائتة للمريض

إذا كان المسلم مريضًا وترك صلوات بسبب فقدان الوعي أو الغيبوبة، فيجب عليه قضاء الصلوات التي فاتته بعد أن يستعيد وعيه وقدرته على أداء الصلاة. أما إذا كان المرض قد أفقده الوعي لفترة طويلة تجاوزت عدة أيام، فاختلف العلماء في وجوب قضاء تلك الصلوات، حيث يرى البعض أن القضاء يسقط عنه في حالة الغيبوبة الطويلة.

قضاء الصلاة الفائتة للنائم

النوم عذر شرعي لفوات الصلاة، لكن يجب قضاء الصلاة فور الاستيقاظ كما جاء في حديث الرسول ﷺ. ومن المستحب أن يُبادر المسلم بأداء الصلاة الفائتة دون تأخير، لأن التأخير بلا عذر يعد مخالفة للواجب.

قضاء الصلاة الفائتة للناسي

النسيان من الأعذار التي يعذر بها المسلم شرعًا، فإذا تذكر الصلاة بعد فوات وقتها، وجب عليه قضاءها على الفور.

قضاء الصلاة لمن تركها عمدا سنوات طويلة

إذا ترك المسلم الصلاة عمدًا لفترات طويلة تصل إلى سنوات، فإنه يجب عليه التوبة النصوح إلى الله وقضاء جميع الصلوات الفائتة مهما طالت المدة. ويمكنه وضع خطة يومية لقضاء عدة صلوات فائتة مع المحافظة على الصلوات الحاضرة.

طريقة تنظيم قضاء الصلوات القديمة

يُنصح المسلم الذي يريد قضاء صلوات سنوات عديدة أن يكون منتظمًا في القضاء وفق طاقته اليومية حتى يتمكن من إنهاء ما عليه تدريجيًا دون مشقة مفرطة.

كيفية قضاء الصلاة الفائتة للمرأة أثناء الحيض والنفاس

المرأة الحائض أو النفساء لا يُطلب منها قضاء الصلوات التي فاتتها خلال فترة الحيض أو النفاس، لأن الشريعة الإسلامية قد رفعت عنها هذا الحكم رحمة بها. فلا قضاء عليها لما فاتها في تلك الفترة.

قضاء الصلاة لمن أسلم حديثًا

من أسلم حديثًا لا يُطلب منه قضاء الصلوات التي فاتته قبل الإسلام، لأن الإسلام يجبُّ ما قبله. يبدأ المسلم الجديد أداء الصلاة من لحظة إسلامه، ولا يُحاسب على ما فات.

قضاء الصلاة للمجنون والمغمى عليه

الشخص الذي يفقد عقله مؤقتًا أو يُصاب بغيبوبة طويلة يسقط عنه وجوب قضاء الصلوات التي فاتته خلال تلك الفترة. أما إذا كان فقدان الوعي لفترة قصيرة، فإنه يجب عليه قضاء ما فاته بعد الإفاقة.

قضاء الصلاة للمريض العاجز

إذا كان المريض لا يستطيع أداء الصلاة في وقتها بسبب عجز أو مرض شديد، يجب عليه قضاء ما فاته بعد الشفاء أو تحسن حالته الصحية. وإذا تعذر عليه الصلاة قائمًا، فليصلِّ قاعدًا أو مستلقيًا حسب استطاعته.

ترتيب النوايا عند قضاء الصلوات

عند قضاء عدة صلوات فائتة، يُستحب أن ينوي المسلم قضاء أول صلاة فاتته، فإن لم يكن يعلم الترتيب بدقة، يكفي أن ينوي قضاء الصلاة التي عليه دون تحديد وقتها.

مثال: “أنوي قضاء أول صلاة ظهر فاتتني.”، ثم التي بعدها وهكذا.

الجمع بين الحاضرة والفائتة

يجوز للمسلم أن يؤدي الصلاة الحاضرة ويُتبعها بصلاة فائتة في نفس الوقت، ولا يُشترط الفصل بينهما بفاصل طويل. ويُستحب أن يُرتب بينهما عند الإمكان، كأن يصلي الظهر الحاضرة ثم يُصلي الظهر الفائتة.

قضاء السنن الرواتب

السنن الرواتب المرتبطة بالصلوات لا يُشترط قضاؤها إلا سنة الفجر التي يستحب قضاؤها بعد شروق الشمس إذا فاتت.

أما الصلوات الفريضة فهي التي يجب قضاؤها بلا خلاف بين العلماء.

الفرق بين الفائتة والقضاء عند المالكية

في المذهب المالكي يُفرق بين “الفائتة” وهي الصلاة التي فاتت بسبب النسيان أو النوم، وبين “القضاء” الذي يشمل عموم أداء الصلاة خارج وقتها سواء بعذر أو بدون عذر. ولكن في المعنى العملي، يلزم المسلم أداء الصلاة التي فاتته بغض النظر عن التسمية.

أثر قضاء الصلاة على العبد

الحرص على قضاء الصلاة الفائتة يعكس صدق التوبة والإقبال على طاعة الله، كما أن الاستمرار في القضاء مع المحافظة على الحاضرة يُعد من أعظم أسباب قبول التوبة. وقد أجمعت الأمة على أن قضاء الصلاة الفائتة أولى من أداء النوافل والتطوعات حتى تُبرأ ذمة العبد.

نصائح هامة لمن عليه صلوات فائتة

1. التوبة الصادقة: يجب الإكثار من الاستغفار والعزم على عدم العودة للتفريط.

2. الجدولة اليومية: يُفضل وضع جدول واضح لقضاء الصلوات بما يتناسب مع قدرة الشخص.

3. الاستعانة بالله: طلب العون من الله على الالتزام والصبر.

4. البداية بالترتيب: عند الجهل بعدد الصلوات، يمكن قضاء الصلوات حسب ترتيبها المعتاد.

5. الحرص على الحاضرة: لا يجوز الانشغال بقضاء الفائتة على حساب الصلوات الحاضرة.

المصادر

• الإمام النووي، المجموع شرح المهذب

• ابن قدامة، المغني