فضل صيام يوم عاشوراء

فضل صيام يوم عاشوراء

يوم عاشوراء هو يوم ذو مكانة عظيمة في تاريخ الأمة الإسلامية، ويكتسب أهمية خاصة في قلوب المسلمين لما له من فضل وثواب، ولما تضمنه من أحداث تاريخية ومعنوية هامة. وقد ورد في الأحاديث النبوية الشريفة العديد من الفضائل التي تخص هذا اليوم، مما يجعل من صيامه عملاً مستحبًا ومحببًا إلى الله تعالى. وفي هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل فضل صيام يوم عاشوراء، وأسباب مشروعية صيامه، والأحاديث التي وردت في ذلك، بالإضافة إلى بعض الجوانب التاريخية والشرعية المتعلقة بهذا اليوم.

تعريف يوم عاشوراء

يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر مُحرّم، وهو من الأشهر الحرم التي تكتسب قداسة في الإسلام. يعتبر عاشوراء من الأيام التي شهدت العديد من الأحداث الهامة في تاريخ الأمة الإسلامية، فقد ارتبط بعدد من المواقف التي كانت لها آثار كبيرة في حياة المسلمين، من أهمها نجاة النبي موسى عليه السلام وقومه من فرعون، وكذلك استشهاد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه في معركة كربلاء.

تاريخيًا، كان صيام يوم عاشوراء معروفًا قبل الإسلام، فقد كان العرب في الجاهلية يصومون هذا اليوم، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قدم إلى المدينة المنورة، وجد اليهود يصومونه، فسألهم عن السبب، فأجابوا بأنهم يصومون هذا اليوم شكراً لله على نجاة بني إسرائيل من فرعون. وأقرّ النبي صلى الله عليه وسلم صيامه ولكنه شدد على المسلمين بوجوب تمييز صيامهم عن صيام اليهود من خلال صيام يوم قبله أو يوم بعده.

فضل صيام يوم عاشوراء في الأحاديث النبوية

لقد وردت العديد من الأحاديث النبوية التي تؤكد فضل صيام يوم عاشوراء، وهو ما يعكس مكانة هذا اليوم في الإسلام. وفيما يلي نعرض بعض الأحاديث التي تتحدث عن فضل صيامه:

1. حديث ابن عباس رضي الله عنه:
   روى الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: “أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فيه فرعون، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه”.

   يبين هذا الحديث أهمية صيام يوم عاشوراء باعتباره يومًا للهداية والنجاة، حيث نجى الله تعالى فيه نبيه موسى وقومه من بطش فرعون، وهذا يعد دافعًا للمسلمين لصيامه شكرًا لله على هذه النعمة.

2. حديث عن فضل تكفير الذنوب:
   في حديث آخر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “صيام يوم عاشوراء يكفر السنة التي قبله”. (رواه مسلم)

   هذا الحديث يوضح الفضل العظيم لصيام يوم عاشوراء، حيث إن صيامه يكفر الذنوب التي ارتكبها المسلم في السنة السابقة. ولذلك، يعتبر صيام هذا اليوم فرصة عظيمة لتطهير النفس من الذنوب والآثام.

3. حديث عبد الله بن عمر:
   قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه”. (رواه البخاري)

   من خلال هذا الحديث، نجد أن صيام يوم عاشوراء كان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي حرص على إقامتها، وأوصى الصحابة بها. وهذا يظهر أهمية هذا اليوم في السنة النبوية الشريفة.

سبب مشروعية صيام يوم عاشوراء

تعود مشروعية صيام يوم عاشوراء إلى عدة أسباب دينية وتاريخية، لعل أبرزها:

1. شكر لله على النجاة:
   صيام يوم عاشوراء كان في الأصل شكراً لله تعالى على نجاة نبيه موسى عليه السلام من بطش فرعون. كما كان في ذلك تذكير للمسلمين بنعمة الله عليهم، وأنه سبحانه هو الذي ينجي عباده المؤمنين من المِحن والبلاء.

2. تحقيق مبدأ التميز:
   كان صيام يوم عاشوراء شائعًا بين اليهود في المدينة المنورة قبل الإسلام، ولذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يميز المسلمين عن اليهود، فأوصى بأن يصوم المسلمون يومًا قبله أو بعده، أي يوم التاسع أو الحادي عشر، وذلك من أجل التفريق بين صيام المسلمين وصيام اليهود.

3. تحقيق التكفير للذنوب:
   من خلال الأحاديث النبوية الشريفة، نعلم أن صيام يوم عاشوراء يكفر ذنوب السنة الماضية، وهو ما يجعل هذا اليوم فرصة عظيمة للمسلمين للتوبة والرجوع إلى الله تعالى.

فضل صيام يوم عاشوراء في فقه علماء الأمة

على الرغم من أن صيام يوم عاشوراء لم يكن فرضًا على المسلمين، إلا أن العلماء أجمعوا على أنه سنة مؤكدة في الإسلام، وأنه يعد من الأيام التي يستحب فيها صيام. لقد أكد معظم العلماء في المذاهب الأربعة على فضل صيام هذا اليوم واعتبروه من السنن المستحبة.

• في المذهب المالكي: يعتبر صيام يوم عاشوراء مستحبًا، وهو سنة مؤكدة، خاصة بعد أن ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

• في المذهب الحنبلي: أكد العلماء في هذا المذهب على أن صيام يوم عاشوراء يعد من الأعمال المستحبة، حيث ورد عن الإمام أحمد بن حنبل أنه كان يحرص على صيامه.

• في المذهب الشافعي: يرى الشافعية أن صيام يوم عاشوراء مستحب، ويكون أفضل إذا صام المسلم يومًا قبله أو بعده، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل.

• في المذهب الحنفي: يرى الحنفية أن صيام عاشوراء من السنن المؤكدة التي يحرص المسلم على فعلها، وفضله كبير في تكفير الذنوب.

استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه

يعد يوم عاشوراء يومًا ذا وقع خاص في تاريخ الأمة الإسلامية، لأنه يوافق أيضًا ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه في معركة كربلاء عام 61هـ. ويمثل استشهاد الحسين في هذا اليوم حدثًا محوريًا في التاريخ الإسلامي، حيث كان له تأثير كبير على حركة التغيير والإصلاح في الأمة الإسلامية.

مع ذلك، يظل صيام يوم عاشوراء من السنة المستحبة التي يمكن للمسلمين جميعًا الالتزام بها بغض النظر عن الحدث التاريخي الكبير الذي وقع فيه، وفي نفس الوقت يمكنهم إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين بطريقة لا تخالف التعاليم الإسلامية. إن إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين لا يتعارض مع صيام عاشوراء بل يظل جزءًا من التاريخ الذي يجب أن يتم التعامل معه بحكمة وتعقل.

كيف نصوم يوم عاشوراء؟

من المستحب في صيام يوم عاشوراء أن يتم صيام يوم قبله أو بعده (أي يوم التاسع أو الحادي عشر من شهر محرم)، وذلك امتثالًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في تمييز صيام المسلمين عن صيام اليهود. إن صيام يوم عاشوراء وحده يعد عملاً عظيمًا، ولكن صيامه مع يوم آخر يعد أكثر فضلًا، حيث يضاعف الأجر والتكفير.

الخلاصة

صيام يوم عاشوراء يعتبر من الأعمال الصالحة التي يجب على المسلم أن يحرص عليها، لما لها من فضائل عظيمة في تطهير الذنوب وتقديم الشكر لله على نعمة النجاة. إن صيام هذا اليوم يعد من السنن المستحبة التي تبرز من خلال النصوص الشرعية أهمية هذا اليوم في تاريخ الأمة الإسلامية.