كيفية أداء حج المفرد

كيفية حج المفرد

حج المفرد هو أحد أنواع النسك الثلاثة التي يمكن أن يؤدي بها المسلم فريضة الحج، إلى جانب التمتع والقران. ويمتاز حج المفرد بكونه نسكًا قائمًا بذاته، يؤدي فيه الحاج الحج وحده دون أن يضم إليه العمرة، وهو النسك الذي اعتمده النبي محمد ﷺ في حجة الوداع على قول طائفة من العلماء. في هذا المقال المفصل، سنتناول تعريف حج المفرد، مراحله، أحكامه، الشروط المتعلقة به، والأدلة الشرعية على مشروعيته، مع شرح دقيق لكل خطوة من خطواته، بما يراعي الجوانب الفقهية والعملية على حد سواء.

تعريف حج المفرد

حج المفرد هو النسك الذي يُحرم فيه الحاج بالحج فقط من الميقات، ويظل على إحرامه حتى يؤدي مناسك الحج كاملة، ولا يُدخل فيه العمرة. ويُطلق على من يحج هذا النسك “مفردًا”، ولا يلزمه هدي إلا إذا تطوّع به. ويكون مناسك الحج فيه كما ورد عن النبي ﷺ من طواف، وسعي، ووقوف بعرفة، ومبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، وغيرها من الشعائر دون إدخال العمرة في ذلك.

خصائص حج المفرد

• الإحرام بالحج فقط.

• لا يؤدي العمرة قبله أو بعده في موسم الحج.

• لا يجب عليه هدي (بعكس المتمتع والقارن).

• يمكن أداؤه لمن قدم إلى مكة قبل وقت الحج بمدة.

• هو النسك المفضل عند من لا يستطيع الجمع بين العمرة والحج.

متى يُؤدى حج المفرد؟

يؤدى حج المفرد في أشهر الحج، وهي: شوال، وذو القعدة، وأيام من ذو الحجة. ويبدأ الحاج بالإحرام بالحج في أي يوم من هذه الأشهر، ولكن الأفضل الإحرام في اليوم الثامن من ذو الحجة، المعروف بيوم التروية.

خطوات حج المفرد بالتفصيل

1. الإحرام من الميقات

يحرم الحاج بالحج المفرد من الميقات المكاني المحدد له، وذلك حسب موقعه الجغرافي:

يغتسل الحاج كما يغتسل للجنابة، ويتطيب، ويلبس ملابس الإحرام (إزار ورداء أبيضين غير مخيطين للرجل، وملابس محتشمة للمرأة)، ثم يُصلي ركعتين سنة الإحرام، ويُهلّ بالحج قائلاً:

“لبيك حجًا، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”.

2. التوجه إلى منى يوم التروية (8 ذو الحجة)

• يتحرك الحاج إلى منى في صباح يوم الثامن من ذي الحجة.

• يصلي فيها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر قصرًا بدون جمع.

• يبيت بمنى ليلة التاسع اقتداءً بالنبي ﷺ.

3. الوقوف بعرفة (9 ذو الحجة)

• بعد طلوع الشمس من يوم عرفة، يتحرك الحاج من منى إلى صعيد عرفات.

• يستحب النزول في نمرة ثم التوجه إلى عرفة بعد الزوال.

• يصلي الحاج الظهر والعصر جمع تقديم بركعتين لكل صلاة.

• يُكثر من الذكر والدعاء وقراءة القرآن، وأفضل الدعاء: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”.

• ينتهي الوقوف عند غروب الشمس.

4. المبيت بمزدلفة (ليلة 10 ذو الحجة)

• بعد غروب شمس يوم عرفة، ينفر الحاج إلى مزدلفة بهدوء وسكينة.

• يصلي فيها المغرب والعشاء جمع تأخير.

• يبيت الحاج بها حتى فجر اليوم التالي.

• يلتقط سبع حصيات لرمي جمرة العقبة الكبرى.

5. أعمال يوم النحر (10 ذو الحجة)

• يُعرف هذا اليوم بيوم العيد.

• يبدأ الحاج برمي جمرة العقبة الكبرى (الجمرة الكبرى فقط) بسبع حصيات.

• بعد الرمي، يذبح هديه إن كان قد نذره، أو يتطوع بالذبح.

• ثم يحلق رأسه أو يقصره (والحلق أفضل للرجال، أما النساء فيقصصن قدر أنملة من شعرهن).

• بعد ذلك، يتحلل التحلل الأول (يُباح له كل شيء إلا النساء).

• ثم يتوجه إلى مكة لطواف الإفاضة (7 أشواط).

• يلي الطواف السعي بين الصفا والمروة (لمن لم يسع قبل ذلك، أو إذا كانت المرة الأولى هي طواف قدوم فقط دون سعي).

6. المبيت بمنى (ليالي 11 و12 وأحيانًا 13)

• يعود الحاج إلى منى للمبيت ليالي التشريق.

• يرمي الجمرات الثلاث (الصغرى، الوسطى، الكبرى) في كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال.

7. طواف الوداع (عند مغادرة مكة)

• يؤدي الحاج طواف الوداع عند انتهائه من جميع مناسك الحج ومغادرته مكة.

• يكون الطواف سبعة أشواط دون سعي.

الفرق بين حج المفرد وأنواع النسك الأخرى

أحكام فقهية تتعلق بحج المفرد

• وقت الإحرام: يجوز الإحرام بالحج المفرد منذ بداية أشهر الحج، لكن الأفضل في اليوم الثامن من ذي الحجة.

• التحلل: يكون التحلل الأول بعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير، والتحلل الثاني بعد طواف الإفاضة.

• السعي: من العلماء من يرى أن السعي لا يجب على المفرد إلا مرة واحدة بعد طواف الإفاضة، بشرط ألا يكون قد سعى قبلًا بعد طواف القدوم.

• طواف الوداع: واجب على كل حاج إلا المرأة الحائض.

حكم حج المفرد

حج المفرد مشروع بإجماع العلماء، وقد فعله جماعة من الصحابة، وهو أنسب لمن دخل مكة في أشهر الحج وأراد الاقتصار على الحج فقط دون العمرة، أو لمن دخل متأخرًا إلى مكة ولم يعد لديه وقت لأداء العمرة قبل الحج.

وقد جاء في حديث عائشة رضي الله عنها:

“خرجنا مع النبي ﷺ في حجة الوداع، فأحرمنا بعمرة، ثم أمرنا أن نحل، فقلنا: أي الحل؟ قال: الحل كله”.

وهذا يدل على أن التمتع كان الأفضل، لكن النبي ﷺ أقر الذين أحرموا بالحج فقط ولم يأمرهم بفسخ نيتهم.

الحالات التي يُفضل فيها حج المفرد

1. من لا يستطيع الجمع بين العمرة والحج لضيق الوقت.

2. من اعتمر في غير أشهر الحج ولا يريد التمتع.

3. من قدم مكة متأخرًا قبل الحج مباشرة.

4. من لا يريد الهدي أو لا يستطيع توفيره.

5. من يريد أداء الحج مفردًا اتباعًا لما ثبت عن بعض السلف.

فوائد اختيار نسك المفرد

• بساطة الأداء، وقلة المناسك مقارنة بالقارن والمتمتع.

• عدم الحاجة إلى الهدي.

• إمكانية التركيز على مناسك الحج دون انشغال بأداء العمرة.

• مناسب لكبار السن أو أصحاب الأعذار الصحية.

خاتمة

حج المفرد هو نسك عظيم ومشروع ضمن نسك الحج الثلاثة، وله أصل في سنة النبي ﷺ وسيرة السلف الصالح. يعد هذا النوع من الحج الأنسب لمن أراد التفرغ للحج وحده دون أن يشمله بعمرة قبله، خصوصًا إن تعذر عليه الجمع بينهما أو لم يستطع الهدي. ومع اتساع الفقه الإسلامي في تيسير النسك على الناس بحسب قدراتهم وظروفهم، يبقى حج المفرد خيارًا مشروعًا ومحببًا عند كثير من العلماء والفقهاء، يحقق المقصد الأعظم من الحج وهو التعبد لله في أعظم شعائر الإسلام.

المراجع:

1. ابن قدامة، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل.

2. النووي، شرح صحيح مسلم.