كعب بن زهير: الشاعر الذي أسلم وخلّد قصيدته في مدح النبي صلى الله عليه وسلم
كعب بن زهير بن أبي سلمى هو واحد من أشهر شعراء العرب في العصر الجاهلي والإسلامي، ويمثل رمزاً للتحول من الشرك إلى الإسلام، الذي سطع نجمه في أحد أبرز مواقف التاريخ الإسلامي، حيث قام بمدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم في قصيدته الشهيرة “بانت سعاد”. قوبلت هذه القصيدة بالكثير من التقدير والإعجاب من قبل الصحابة والنبي الكريم نفسه، وكانت لحظة فارقة في حياة كعب بن زهير، الذي انتقل من العداء للإسلام إلى نصرة الدين الجديد.
نسبه وحياته قبل الإسلام
ينتمي كعب بن زهير إلى قبيلة مُزَيْنَة، وهي إحدى قبائل قريش الثرية التي كانت لها مكانة مرموقة في الجاهلية. كان جده زهير بن أبي سلمى من أشهر شعراء العرب في عصره، وله قصائد متميزة في الحكمة والشجاعة والحب، ويعتبر من أبرز شعراء المعلقات. تربي كعب بن زهير في بيئة أدبية وفكرية، حيث تذوق الشعر وأصبح واحداً من أبرز شعراء قريش.
نشأ كعب في مكة وكان من أسرة ذات نسب شريف وسمعة طيبة، لكن مع ظهور الإسلام وانتشار الدعوة النبوية، وجد نفسه في مواجهة مع الدعوة الجديدة التي قادها محمد صلى الله عليه وسلم. كان كعب من المناهضين للإسلام في بداية الأمر، مثل العديد من شعراء قريش الذين حاولوا التشهير بالنبي الكريم في قصائد هجائية. وقد خاض كعب بن زهير في هجاء النبي صلى الله عليه وسلم عندما كانت قريش تقاوم الدعوة الإسلامية في بداية ظهورها.
موقفه من الإسلام وموقف قريش
كان كعب بن زهير في قريش أحد الأشخاص الذين قد عارضوا دعوة الإسلام في بداية الأمر، وقد عُرف بميله إلى معارضة الرسالة النبوية. كان الشعراء في الجاهلية بمثابة لسان قريش، وكانوا يرفعون شأن قومهم ويمجدونهم في قصائدهم، وفي المقابل كانوا يعارضون ما يهدد عروشهم من أفكار وأيديولوجيات جديدة.
وقد كان من المثير أن كعب بن زهير كان من بين أولئك الذين هاجموا النبي صلى الله عليه وسلم في بعض قصائده. كان يطعن في دعوته ويقلل من شأن الرسالة التي جاء بها، وهذا كان سلوكًا شائعًا بين الكثير من شعراء قريش الذين حاولوا أن يصدوا الناس عن الإسلام بأي وسيلة كانت.
رحلته إلى المدينة وإسلامه
ومع مرور الوقت، بدأ العديد من أفراد قريش يتغيرون في مواقفهم تجاه الإسلام بعد أن بدأ يظهر تأثير الدعوة النبوية في مختلف مناطق الجزيرة العربية. وفي ظل هذه الظروف، شعر كعب بن زهير أن الوقت قد حان ليتخذ موقفًا جديدًا من الإسلام، فقرر أن يذهب إلى المدينة المنورة للقاء النبي صلى الله عليه وسلم.
كان كعب قد سمع عن العديد من المناصب الرفيعة التي نالها المسلمون بعد معركة بدر وأحد، كما شعر أن الإسلام أصبح قويًا في المنطقة. فتوجه إلى المدينة ليلتقي بالرسول، وكان في نيته أن يعتذر عن هجائه للنبي صلى الله عليه وسلم. كان يعلم أن هذا اللقاء سيغير حياته للأبد.
لكن قبل أن يصل كعب إلى المدينة، سمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل كل من هاجم الإسلام ولم يتب. كان الخوف يساوره، إذ شعر أن حكم النبي قد يطال حياته. ومع ذلك، قرر كعب أن يلتقي بالنبي على أمل أن يتراجع عن موقفه ويعلن إيمانه.
قصيدته في مدح النبي صلى الله عليه وسلم
حين وصل كعب بن زهير إلى المدينة، كان في استقباله الصحابة الذين رحبوا به، وكان أول من يستقبله هو النبي صلى الله عليه وسلم. في تلك اللحظة، قرر كعب أن يعلن توبته، ووقف أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: “يا رسول الله، قد جئت معتذرًا عن هجائي لك، وأطلب منك أن تقبل اعتذاري وتغفر لي”.
وفي تلك اللحظة، قام كعب بن زهير بإلقاء قصيدته الشهيرة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وهي القصيدة التي أصبح لها تأثير بالغ في التاريخ العربي والإسلامي. كانت هذه القصيدة بمثابة تحول عميق في موقف كعب بن زهير، حيث تحولت مشاعره من العداء إلى الحب والإيمان برسالة النبي.
قصيدة “بانت سعاد”
تعتبر قصيدته الشهيرة “بانت سعاد” من أهم وأجمل القصائد في الشعر العربي، ولا سيما في تاريخ الشعر في العصر الإسلامي. في هذه القصيدة، مدح كعب النبي صلى الله عليه وسلم وعبّر عن إعجابه برسالته، كما تناول فيها العديد من المعاني التي تعكس إعجاب الشاعر بشخصية النبي وتقديره له. كانت القصيدة تحمل بين أبياتها مديحًا صادقًا وتقديرًا عميقًا لرسالة الإسلام.
تبدأ القصيدة بمطلع معروف يقول فيه كعب بن زهير:
“بَانَتْ سَعَادُ فَقَلْبِي يَوْمَ بَينَ يَدَيْهَا…
إِنَّ فِي النَّاعِمَاتِ لِسَعْدِ لِي أَمَلاً”
ويقول في أبيات أخرى:
“فَشَاءَ الرَّحْمَنُ تَجْدَفُهُ سَمَاءُ…
أَنْشُدُ أَخَافُ وَاللَّهِ لَمْ يَفُوتُ!”
أصبحت قصيدته محط إعجاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قام بقبول اعتذاره بكل رحابة صدر، بل وخلد ذكرى هذا التحول الكبير في حياة الشاعر. وردت الروايات التي تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى لكعب بن زهير بردته، وهي علامة مميزة تُمنح عادة للشخصيات التي يتم تكريمها، وذلك إشارة إلى قبوله لتوبته.
بعد إسلامه وتأثيره في الشعر العربي
بعد إسلامه وتوبته، أصبح كعب بن زهير أحد أبرز شعراء المسلمين، ولم يكن فقط شاعرًا بل أيضًا شاهدًا على التغيير الذي طرأ في حياته. أصبح شعره مصدر إلهام للعديد من المسلمين في التعبير عن حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم واعتزازهم بالإسلام. ولقد كانت قصيدته “بانت سعاد” واحدة من أبرز الأعمال الأدبية التي يتمثل فيها التحول من العداء إلى الإيمان، ومن الظلام إلى النور.
على الرغم من أن كعب بن زهير كان في البداية من أعداء الإسلام، إلا أنه أصبح بعد إسلامه من أكبر المدافعين عنه، وساهم بقوة في تأكيد روح الدعوة الإسلامية من خلال الشعر. وقد كسب احترام الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم، وأصبح له دور مهم في بناء المجتمع الإسلامي.
خاتمة
يظل كعب بن زهير أحد الأمثلة الرائعة على التحول الروحي والإيماني، وكيف أن الشخص يمكن أن يتغير تمامًا إذا ما آمن بالحق واعتنقه. قصيدته الشهيرة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم تعد من أروع القصائد التي يمكن أن تخلد في تاريخ الأدب العربي والإسلامي. وتعكس مشاعر من الإخلاص والحب للنبي الكريم، وتعد أيضًا شاهدة على أن الإسلام قادر على تحويل الأعداء إلى حلفاء وأصدقاء، من خلال الإيمان بالحق والعمل الصادق.
لقد ظل اسم كعب بن زهير في ذاكرة التاريخ العربي، وأصبح اسمه جزءًا من تراث الشعر الإسلامي، كما أن قصيدته تعد مصدر إلهام للكثيرين في التعبير عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم.
