أسباب صعوبة البلع وعلاجها

مقدمة

تعد مشكلة صعوبة البلع، والمعروفة أيضاً باسم “عسر البلع” (Dysphagia)، من الاضطرابات الصحية الشائعة التي تؤثر على القدرة على ابتلاع الطعام أو السوائل بشكل طبيعي. يمكن أن تكون هذه الحالة محورية في تأثيرها على نوعية الحياة، حيث تؤدي إلى صعوبة في تناول الطعام والشراب، مما يزيد من خطر سوء التغذية والجفاف، بالإضافة إلى خطر التعرّض للاختناق أو التهابات الرئة. لذلك، يعتبر فهم الأسباب الكامنة وراء صعوبة البلع أمراً بالغ الأهمية لتحديد العلاج المناسب والوقاية من المضاعفات.

تتراوح أسباب صعوبة البلع بين مشاكل بسيطة تتعلق بالإرهاق المؤقت، وأخرى أكثر تعقيداً قد تشير إلى وجود أمراض أو حالات طبية خطيرة. سنستعرض في هذا المقال الأسباب المختلفة لهذه الحالة، سواء كانت مرتبطة بالمشاكل الهيكلية في الجهاز الهضمي أو بالأمراض العصبية والعضلية التي تؤثر على عملية البلع. كما سنتناول الأعراض المرافقة والتشخيص والعلاج المتاح.

ما هو البلع الطبيعي؟

لفهم سبب صعوبة البلع، من المفيد أولاً التعرف على كيفية حدوث البلع بشكل طبيعي. يتضمن البلع عدة مراحل معقدة تبدأ من الفم وتنتهي بالمعدة. عند تناول الطعام أو الشراب، يتم مضغه في الفم ليصبح في شكل سائل أو مزيج يمكن ابتلاعه بسهولة. بعدها، ينتقل الطعام عبر المريء إلى المعدة في عملية تتم على مرحلتين رئيسيتين:

1. المرحلة الفموية: في هذه المرحلة، يتم مضغ الطعام، وخلطه مع اللعاب، ثم دفعه إلى الحلق بواسطة اللسان.

2. المرحلة البلعومية (الحلقية): بعد ابتلاع الطعام، ينزل عبر الحلق إلى المريء. يتضمن هذا إغلاق ممرات التنفس (القصبة الهوائية) لمنع الطعام من الوصول إليها.

3. المرحلة المريئية: بمجرد دخول الطعام إلى المريء، يتم دفعه إلى المعدة عبر انقباضات عضلية تسمى “الحركات الدودية”.

أي اضطراب في إحدى هذه المراحل يمكن أن يؤدي إلى صعوبة في البلع، مما يشير إلى وجود مشكلة صحية.

أسباب صعوبة البلع

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى صعوبة البلع، ويمكن تصنيفها إلى عدة فئات رئيسية: الأسباب العصبية، الأسباب الهيكلية، الأسباب العضلية، وأسباب أخرى متعلقة بأمراض جهازية.

1. الأسباب العصبية

يعتبر الجهاز العصبي مسؤولاً عن التنسيق بين الأعصاب والعضلات التي تساهم في عملية البلع. أي خلل في النظام العصبي يمكن أن يؤدي إلى صعوبة في البلع. من بين الحالات العصبية التي تؤثر على البلع:

• السكتة الدماغية: تؤدي السكتة الدماغية إلى تلف في جزء من الدماغ المسؤول عن التحكم في العضلات التي تستخدم أثناء البلع. إذا كانت السكتة الدماغية تؤثر على هذه المناطق، يمكن أن يصبح البلع صعباً أو غير ممكن.

• مرض باركنسون: يعتبر هذا المرض من الأمراض العصبية التنكسية التي تؤثر على التنسيق الحركي، بما في ذلك العضلات المتحكمة في البلع. يعاني مرضى باركنسون عادةً من تباطؤ الحركة، وضعف العضلات، مما يؤدي إلى صعوبة في ابتلاع الطعام.

• التصلب المتعدد (MS): يؤدي مرض التصلب المتعدد إلى تلف الأعصاب التي تنقل الإشارات بين الدماغ وبقية أجزاء الجسم، بما في ذلك العضلات المستخدمة في البلع. في العديد من الحالات، يمكن أن يعاني المرضى من صعوبة في التنسيق بين الفم والحلق والمريء.

• التصلب الجانبي الضموري (ALS): وهو مرض عصبي يتسبب في تدهور الخلايا العصبية المسؤولة عن التحكم في العضلات. في المراحل المتقدمة، يؤدي هذا المرض إلى صعوبة شديدة في البلع.

• مرض الشلل الدماغي: يمكن للأطفال المصابين بالشلل الدماغي أن يعانوا من مشكلات في التحكم في العضلات، بما في ذلك العضلات التي تساعد في البلع.

2. الأسباب الهيكلية

الأسباب الهيكلية تشير إلى التغيرات أو المشاكل التي تحدث في تركيبة الجهاز الهضمي نفسه. وتشمل هذه الأسباب:

• التضيق أو التضيّق المريئي: يمكن أن يتسبب تضيق المريء في صعوبة في مرور الطعام إلى المعدة. قد يحدث هذا التضيّق نتيجة وجود ندبات أو تليف بسبب التهاب المريء، أو نتيجة لوجود أورام أو تزايد في نمو الأنسجة.

• الارتجاع المعدي المريئي (GERD): يحدث ارتجاع الحمض عندما يتسرب حمض المعدة إلى المريء، مما يؤدي إلى تهيّج وتهدم جدران المريء. مع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي هذا إلى تشوهات في المريء وتسبب صعوبة في البلع.

• الأورام: يمكن أن تؤدي الأورام في الحلق أو المريء إلى انسداد جزئي أو كامل للممرات التي يجب أن يمر من خلالها الطعام، مما يؤدي إلى صعوبة البلع. في بعض الحالات، قد تكون الأورام خبيثة (سرطانية)، وفي حالات أخرى قد تكون حميدة.

• التهاب الحلق واللوزتين: في حالات التهاب الحلق أو التهاب اللوزتين، قد يكون البلع مؤلماً وصعباً. في بعض الحالات، قد يتطلب الأمر إجراء جراحة لإزالة اللوزتين إذا كانت المشكلة شديدة ومتكررة.

3. الأسباب العضلية

تتضمن الأسباب العضلية ضعفاً أو اضطراباً في العضلات التي تشارك في عملية البلع، ومن أبرز هذه الأسباب:

• اعتلال العضلات: بعض الأمراض التي تؤثر على العضلات نفسها يمكن أن تؤدي إلى ضعف العضلات المسؤولة عن البلع. مثل هذه الحالات تشمل:

  • التصلب العضلي الجانبي.

  • العضلات الضامرة.

• مرض المريء الأملس: يحدث هذا المرض عندما تتضرر العضلات الملساء في المريء، مما يؤدي إلى ضعف الحركات الدودية التي تدفع الطعام إلى المعدة.

4. الأسباب الأخرى

بعض الأسباب غير العضلية والهيكلية قد تؤدي أيضاً إلى صعوبة في البلع، مثل:

• التهابات الحلق والفم: التهابات الحلق الناتجة عن عدوى بكتيرية أو فيروسية قد تؤدي إلى انتفاخ الحلق، مما يجعل البلع مؤلماً وصعباً.

• التوتر والقلق: في بعض الحالات، يمكن أن تؤدي مشاعر القلق أو التوتر الشديد إلى تقلصات في العضلات حول الفم والحلق، مما يسبب صعوبة مؤقتة في البلع. يعرف هذا أحياناً بـ “عسر البلع النفسي”.

• التغيرات في اللعاب: نقص اللعاب (جفاف الفم) يمكن أن يجعل البلع صعباً، خاصةً عندما يكون الطعام جافاً أو صلباً.

الأعراض المصاحبة لصعوبة البلع

تختلف الأعراض المصاحبة لصعوبة البلع حسب السبب الكامن وراء الحالة. تشمل الأعراض الأكثر شيوعاً:

• الشعور بتوقف الطعام في الحلق أو الصدر.

• السعال أو الاختناق أثناء الأكل أو الشرب.

• ألم أثناء البلع.

• الشعور بثقل في الحلق.

• زيادة التعرّض للعدوى التنفسية أو الالتهاب الرئوي بسبب دخول الطعام أو السوائل إلى القصبة الهوائية.

• فقدان الوزن غير المبرر بسبب عدم القدرة على تناول كميات كافية من الطعام.

التشخيص

يشمل تشخيص صعوبة البلع مجموعة من الفحوصات الطبية التي قد تتضمن:

• الفحص السريري: يتم من خلاله فحص الحالة العامة للمريض وسؤاله عن الأعراض التي يعاني منها.

• الأشعة السينية باستخدام الباريوم: يتم إعطاء المريض مادة الباريوم التي تلتصق بالطعام والشراب، وتظهر على الأشعة السينية لتقييم كيفية مرور الطعام عبر المريء.

• منظار المريء: في هذه التقنية، يتم إدخال كاميرا صغيرة عبر الفم لفحص المريء والحلق بشكل مباشر.

• اختبارات البلع باستخدام الضغط المريئي: لقياس قوة وسرعة انقباضات عضلات المريء.

العلاج

يعتمد علاج صعوبة البلع على السبب الأساسي للحالة. من بين الخيارات العلاجية:

• العلاج الدوائي: قد تشمل الأدوية لعلاج الأمراض المرتبطة بالحموضة أو التهاب المريء، مثل مثبطات مضخة البروتون.

• العلاج الفيزيائي: مثل تمارين البلع التي تساعد في تقوية العضلات المتورطة في عملية البلع.

• الجراحة: في بعض الحالات التي تتضمن تضيقاً أو انسداداً في المريء، قد تكون هناك حاجة لإجراء عملية جراحية لتوسيع المريء أو إزالة الأورام.

• التغذية التكميلية: في بعض الحالات، يمكن استخدام التغذية عبر الأنابيب لضمان حصول المريض على احتياجاته الغذائية إذا كانت عملية البلع صعبة جداً.