أنواع النفايات الطبية: التصنيف، الخصائص، التأثيرات، وسبل الإدارة السليمة

تمثل النفايات الطبية إحدى التحديات الكبرى التي تواجه أنظمة الرعاية الصحية الحديثة، نظرًا لاحتوائها على مواد خطرة ومُعدية، والتي قد تترك آثارًا كارثية على الصحة العامة والبيئة إذا لم تُدار بشكل سليم. تعد النفايات الطبية ناتجًا حتميًا للنشاطات الطبية المختلفة التي تشمل العلاج، التشخيص، التحاليل المخبرية، العمليات الجراحية، والتطعيم، وغيرها. وفي ظل تزايد أعداد المستشفيات والمراكز الصحية وتطور التكنولوجيا الطبية، أصبح من الضروري تسليط الضوء على أنواع هذه النفايات، خصائصها، طرق تصنيفها، وأفضل السبل للتعامل معها بطريقة آمنة وفعالة.

تعريف النفايات الطبية

النفايات الطبية (Medical Waste) هي جميع النفايات الناتجة عن الأنشطة المتعلقة بالرعاية الصحية للإنسان أو الحيوان، سواء كانت تلك الأنشطة تتم في المستشفيات، العيادات، المختبرات، مراكز غسيل الكلى، مراكز العلاج الطبيعي، أو المرافق البيطرية. تتراوح هذه النفايات بين النفايات غير الخطرة مثل الورق والبلاستيك، إلى النفايات عالية الخطورة التي قد تكون مُعدية أو تحتوي على مواد كيميائية سامة أو مواد مشعة.

تصنيف النفايات الطبية حسب خطورتها

تنقسم النفايات الطبية إلى عدة أنواع رئيسية، يُعتمد في تصنيفها على طبيعتها ومصدرها ومدى خطورتها على الإنسان والبيئة. ومن أبرز هذه الأنواع ما يلي:

1. النفايات المعدية (Infectious Waste)

تشمل هذه الفئة النفايات التي تحتوي على كائنات حية دقيقة (بكتيريا، فيروسات، فطريات، طفيليات) قادرة على التسبب في أمراض معدية لدى الإنسان أو الحيوان. من أبرز أمثلتها:

• شاش وقطن ملوث بالدم أو إفرازات الجسم.

• الأدوات الجراحية المستعملة.

• مخلفات المختبرات الميكروبيولوجية.

• محاقن ملوثة أو أدوات وخز واختراق الجلد.

• فضلات المرضى في حالات العزل الصحي.

تمثل هذه النفايات خطراً بالغاً نظراً لاحتمالية انتقال الأمراض مثل التهاب الكبد الفيروسي (B و C)، وفيروس نقص المناعة البشري (HIV)، والسل.

2. النفايات الباثولوجية (Pathological Waste)

تتضمن هذه الفئة أجزاء الجسم البشرية والأنسجة المبتورة، الدم، الأعضاء الداخلية، الأجنة، وأي جزء بيولوجي ناتج عن العمليات الجراحية أو تشريح الجثث. وتُعامل هذه النفايات بشكل خاص بسبب حساسيتها الأخلاقية وخطورتها البيولوجية.

3. النفايات الحادة (Sharps Waste)

تشمل الأدوات الحادة التي قد تسبب جروحًا عند التعامل معها وتشكل خطرًا كبيرًا بنقل العدوى. وتشمل:

• الإبر والمحاقن.

• شفرات الجراحة والمشارط.

• القوارير الزجاجية المكسورة.

• المسامير والدبابيس الطبية.

تُعد هذه النفايات من أخطر أنواع النفايات الطبية وتتطلب حاويات مخصصة مقاومة للثقب لجمعها والتخلص منها بأمان.

4. النفايات الكيميائية (Chemical Waste)

تتكون من المواد الكيميائية المستخدمة في المختبرات أو عمليات التطهير والتعقيم، ومن الأمثلة عليها:

• الأحماض والقلويات.

• المذيبات العضوية.

• الفورمالين المستخدم في حفظ العينات.

• المطهرات ذات التركيز العالي.

• الزئبق الناتج عن تكسر موازين الحرارة.

تشكل هذه النفايات تهديدًا مباشرًا على صحة العاملين والبيئة بسبب طبيعتها السامة أو المتآكلة أو القابلة للاشتعال.

5. النفايات الدوائية (Pharmaceutical Waste)

تتضمن هذه الفئة الأدوية منتهية الصلاحية، الأدوية غير المستخدمة، والعبوات الملوثة. ومن الأمثلة عليها:

• الحقن والأدوية الوريدية.

• أقراص وشراب الأدوية غير المستخدمة.

• عبوات الأدوية المستخدمة التي لا تزال تحتوي على بقايا.

• النفايات المرتبطة بالعلاج الكيميائي.

يعد التخلص غير السليم من هذه النفايات خطرًا على المياه الجوفية والكائنات الحية.

6. النفايات المشعة (Radioactive Waste)

تنتج عن استخدام المواد المشعة في التشخيص والعلاج، مثل:

• النفايات الناتجة عن العلاج بالإشعاع.

• الأدوات الملوثة بالنظائر المشعة.

• المواد المستخدمة في المختبرات النووية الطبية.

تحتاج هذه النفايات إلى تقنيات خاصة في التخزين والمعالجة نظرًا لخطرها الطويل الأمد.

7. النفايات العامة (General Waste)

تشكل الغالبية العظمى من نفايات المؤسسات الصحية، وتُشبه إلى حد كبير نفايات المنازل والمكاتب، مثل:

• الورق والكرتون.

• العبوات البلاستيكية غير الملوثة.

• بقايا الطعام.

• الأثاث المستهلك.

لا تحمل هذه الفئة خطورة مباشرة على الصحة العامة، لكنها تُخلط أحيانًا بالنفايات الخطرة ما يزيد من خطورتها.

مقارنة تفصيلية لأنواع النفايات الطبية

الآثار الصحية والبيئية للنفايات الطبية

تمثل النفايات الطبية خطراً كبيراً إذا لم تُدار بالشكل المناسب، وتشمل هذه الأخطار:

• الصحة العامة: التعرض للنفايات المعدية أو الحادة قد يتسبب في الإصابة بأمراض خطيرة مثل التهاب الكبد الوبائي والإيدز، أو العدوى الجرثومية والفطرية.

• البيئة: يؤدي التخلص غير السليم من النفايات الكيميائية والدوائية إلى تلوث المياه والتربة والهواء، ما يؤثر على الحياة البرية والنظام البيئي.

• السلامة المهنية: يُعرض العاملون في القطاع الصحي، وعمال التنظيف، وعمال النفايات إلى أخطار الإصابة أو التلوث بشكل مباشر.

• الآثار النفسية والمجتمعية: وجود نفايات طبية ظاهرة أو مشوهة (مثل الأعضاء البشرية) قد يُثير الرعب في المجتمع ويثير القلق بين السكان.

إدارة النفايات الطبية: من التوليد إلى التخلص النهائي

تشمل الإدارة السليمة للنفايات الطبية عدة مراحل مترابطة يجب الالتزام بها وفق معايير الصحة العالمية:

1. التقليل عند المصدر: عبر الاستخدام العقلاني للمواد الكيميائية والأدوية، والاعتماد على أدوات قابلة لإعادة الاستخدام حيثما أمكن.

2. الفرز والتصنيف: عند نقطة التوليد باستخدام أكياس وألوان محددة لكل نوع نفايات.

3. الجمع والنقل الداخلي: من قبل فرق مدربة باستخدام عربات مغلقة وطرق آمنة.

4. التخزين المؤقت: في غرف مخصصة مع التهوية والتحكم في درجة الحرارة، وبعيدة عن مناطق المرضى والطعام.

5. المعالجة: باستخدام الحرق، التعقيم بالبخار (الأوتوكلاف)، المعالجة الكيميائية، أو المعالجة الإشعاعية حسب نوع النفايات.

6. التخلص النهائي: في مدافن صحية مرخصة، أو منشآت حرق متخصصة مع مرشحات للغازات السامة.

المعايير الدولية في التعامل مع النفايات الطبية

توصي منظمة الصحة العالمية (WHO) والمركز الأوروبي للوقاية والسيطرة على الأمراض (ECDC) بعدد من المبادئ الإرشادية لإدارة النفايات الطبية:

• توفير تدريب مستمر للعاملين في المجال الصحي حول الفرز والتعامل الآمن مع النفايات.

• منع إعادة استخدام الأدوات الحادة.

• مراقبة عمليات المعالجة والتأكد من فاعليتها.

• اتباع إجراءات صارمة للتخلص من النفايات المشعة والدوائية.

خاتمة

إن النفايات الطبية، بكل أنواعها، ليست مجرد بقايا لا قيمة لها، بل تمثل مسؤولية كبيرة تفرض التزامًا أخلاقيًا، قانونيًا، وصحيًا على جميع الجهات المعنية، بدءًا من العاملين في المرافق الصحية إلى السلطات البيئية. إن الإدارة الفعالة للنفايات الطبية ترتكز على الوعي، التدريب، البنية التحتية المناسبة، والرقابة المستمرة. وفي ظل تزايد أعباء النظام الصحي العالمي، تبقى الحاجة ملحة لتطوير استراتيجيات أكثر استدامة تضمن حماية صحة الإنسان وسلامة البيئة.

المراجع:

1. World Health Organization. “Safe management of wastes from health-care activities.” WHO, 2014.

2. United Nations Environment Programme (UNEP). “Healthcare Waste—A Global Challenge.” UNEP Reports, 2020.