الأم: درة الحياة وجوهرة الوجود
الأم، تلك الكلمة التي تحمل في طياتها المعاني الأكثر عمقاً وسمواً في هذا الكون. هي نبض الحياة ومصدر الحنان، وهي التي تجسد في جوهرها معنى العطاء بلا حدود. عندما نتحدث عن الأم، فإننا نتحدث عن المدى الذي يذهب إليه الإنسان ليحافظ على حياته، عن التضحية التي تفرغ فيها طاقتها دون أن تبتغي جزاءً أو شكوراً. وفي هذا المقال، نغوص في أعماق هذه العلاقة المقدسة بين الأم وأبنائها، نحاول استكشاف ما تحمله هذه الكلمة من مشاعر وأحاسيس، مع توجيه الضوء على أبرز القصائد والأبيات الشعرية التي أثنت على الأم ووصفها، سواء في الشعر العربي الكلاسيكي أو الحديث.
الولادة: أول رحلة في عالم الحنان
الأم هي التي تمنح الحياة وتمنح الحماية منذ اللحظات الأولى. حينما يدخل الطفل إلى العالم، تبدأ رحلته الأولى في الحياة التي تكون مليئة بالحب والرعاية، التي لا تجاريها أي علاقة أخرى. الأم هي أول من يداعب قلب الطفل بحنانها، أول من تناغي روحه في رحلة البدايات، وهي التي تمنحه الحياة بكل ما فيها من خوف وأمل، ولا تزال تتابع خطواته بكل شغف، على الرغم من أنها قد تواجه صعوبات بالغة في تلك الرحلة.
وفي حين تتجه معظم المخلوقات الأخرى نحو البقاء، تجد أن الإنسان في لحظات ضعف واحتياج لا يرفع رأسه إلا تجاه أمه. هذه الحماية والتضحية لا تأخذ شكلاً مادياً فقط، بل تأخذ شكلاً روحياً عميقاً، بحيث تشعر الأم بمشاعر أبنائها، وتستشعر احتياجاتهم قبل أن يعبروا عنها.
الأم في الشعر العربي
لطالما كان الشعر العربي حافلاً بأجمل أبيات المدح التي تتغنى بالأم. بدأ من العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث، كانت صورة الأم دائماً محورية في الشعر العربي، حيث جسد الشعراء مشاعرهم تجاه هذه الكائن الرقيق العظيم.
في العصر الجاهلي، كان الشعراء يتغنون بحبهم لأمهاتهم، ومن أبرز الأبيات التي تخلدت في هذا الصدد تلك التي قالها الشاعر طرفه بن العبد، حين قال:
“وَأَنتِ أمُّهُ وَإنّكِ لَمْ تَكُونِينَ * فَلا تَحْتَسِبِينَ شَفْعَاءَ أَوْ فَجْرَ”
هذا البيت يعكس بشكل بسيط ولكن مؤثر كيف كان تقدير الأم يوازي تقدير الشاعر لأمه ووصاله لها.
وفي العصر العباسي، شهدت القصائد مزيداً من العاطفة والحنان تجاه الأم. فقد قال الشاعر المتنبي في أحد أبياته المشهورة:
“أُمِّي، أُمِّي، وَيَا سَامِعَ الشُّكْرِ”
وهنا كان المتنبي يعبر عن فكرة التقدير العميق للأم، ويؤكد على عظمة هذا الكائن الذي لا يمكن للإنسان أن يعبر عن امتنانه لها بالكلمات.
وفي العصر الحديث، مع دخول مفهوم القصائد الحرة، استمر الشعراء في التعبير عن مشاعرهم تجاه الأم، ومنها قصيدة الشاعر محمود درويش الذي كتب قائلاً:
“أمّي، التي كانت تبني كل الحكايات، وتهدم جدران الخوف، فإليك أعود، وإن كان العمر قد رحل.”
هكذا يمكن أن نرى كيف يتطور التعبير عن الأم في الأدب العربي، إذ يعكس تطور الشعر العاطفي وزيادة مشاعر الحب والعرفان تجاه هذا الكائن العظيم.
أبيات شعرية عن الأم
لطالما كانت الأبيات الشعرية عن الأم تتسم بالصدق والعمق، وقد نظم العديد من الشعراء أبياتاً يصفون فيها تلك العاطفة الجياشة التي تبعثها الأم في قلوب أبنائها. ومن أبرز الأبيات الشعرية التي تلخص معاني الأمومة:
-
الشافعي يقول:
“أَمُّهُ سَاعَاتُ لَحْظَةٍ بَينَ يَديْهِ،
لَا يُدْنِي جَفْنِيٍّ غَيْرَ مِسْجَدهِ.”
هذا البيت يُظهر الرابطة الروحية التي لا تتجزأ بين الأم وابنها. -
أبو الطيب المتنبي:
“أُمُّهُ الجَزِيلَةُ لَتَرْتَجُ الحُدُودَ
وَتَمُدُّ النُّورَ فِي الْغَيْبِ.”
وفي هذا البيت، يظهر المتنبي الصورة المجازية للأم التي تُضيء الطريق لأبنائها.
الأم في الدين والثقافة
تجسد الأم في مختلف الثقافات والأديان احتراماً كبيراً. ففي الإسلام، تعد الأم محوراً أساسياً في بناء الأسرة والمجتمع. فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا، حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ” (لقمان: 14)، وهو آية تدل على العناية بالوالدين، خاصة الأم، والتأكيد على معاناتها وتضحياتها.
خاتمة
الأم، على الرغم من كافة تعبيرات الشعراء والأدباء والمفكرين، تظل أكبر من أي كلمة يمكن أن تُقال، وأسمى من أي بيت شعر يمكن أن يُكتب. هي مصدر الإلهام، ومحور الحب اللامتناهي الذي لا ينتهي مع مرور الزمن. والعلاقة بين الأم وطفلها علاقةٌ تتجاوز كل الحدود، فهي أساس الحياة وأساس العطاء الذي لا ينضب. ومن خلال هذه الأبيات والكلمات، تظل صورة الأم في قلب كل إنسان، بغض النظر عن الزمان والمكان.
