أسباب الترجيع عند الأطفال
يُعتبر الترجيع أو القيء من الظواهر الصحية الشائعة بين الأطفال، خاصة في مراحلهم الأولى من الحياة. تتراوح أسباب هذه الظاهرة بين الأسباب البسيطة والمؤقتة التي لا تستدعي القلق، إلى الأسباب التي قد تشير إلى حالات صحية أكثر تعقيدًا. إن معرفة الأسباب التي تقف وراء الترجيع عند الأطفال تعد خطوة مهمة للتعامل الصحيح مع الحالة، مما يساعد في تقديم الرعاية الطبية المناسبة وطمأنة الوالدين.
في هذا المقال، سيتم استعراض مجموعة من الأسباب الشائعة للترجيع عند الأطفال، بالإضافة إلى كيفية التعرف عليها، وسبل الوقاية والعلاج المناسبة لكل حالة.
1. الترجيع الطبيعي في الأشهر الأولى من الحياة
من أبرز أسباب الترجيع عند الأطفال في الأشهر الأولى من الحياة هو “الترجيع الفسيولوجي” أو “التقيؤ الطبيعي”. يحدث هذا النوع من الترجيع بسبب جهاز هضمي غير ناضج تمامًا. في معظم الحالات، لا يكون هذا الترجيع مصحوبًا بأي أعراض أخرى خطيرة، ويظهر عادة بعد الرضاعة مباشرة. يكون السبب في ذلك عادة هو ابتلاع الطفل للهواء أثناء الرضاعة أو تناول كمية كبيرة من الحليب مقارنةً بسعة معدته الصغيرة.
هذا النوع من الترجيع لا يتطلب علاجًا في معظم الحالات، ويختفي عادةً مع نمو الطفل، حيث يصبح جهازه الهضمي أكثر نضجًا وقدرة على معالجة الطعام بشكل أفضل.
2. ارتجاع المريء (GERD)
من الأسباب الأخرى الشائعة للترجيع عند الأطفال هو “ارتجاع المريء”، وهو حالة تتمثل في عودة محتويات المعدة إلى المريء. يحدث هذا بسبب ضعف أو خلل في صمام المريء السفلي الذي يفصل بين المعدة والمريء. في حال كان الصمام لا يعمل بكفاءة، فإن محتويات المعدة قد تعود إلى المريء، مما يؤدي إلى الترجيع.
الأطفال الذين يعانون من هذه الحالة قد يظهر عليهم أعراض مثل الألم أثناء الرضاعة، والبكاء المستمر، والسعال، أو صعوبة في النوم. قد يعاني الأطفال أيضًا من فقدان الوزن أو ضعف النمو إذا كانت الحالة غير معالجة.
تتطلب هذه الحالة عادةً تدخلًا طبيًا لتحديد العلاج المناسب. يمكن أن يشمل العلاج الأدوية التي تقلل من الحمض المعدي، أو في الحالات الشديدة قد يكون من الضروري التدخل الجراحي.
3. التسمم الغذائي والعدوى الفيروسية
قد يكون الترجيع ناتجًا عن عدوى بكتيرية أو فيروسية تؤثر على الجهاز الهضمي. من أبرز هذه العدوى هي العدوى الفيروسية التي تسببها الفيروسات مثل الفيروس العجلي (Rotavirus) أو فيروس النورو (Norovirus)، التي تؤدي إلى التسمم الغذائي والإسهال والقيء. يحدث هذا النوع من الترجيع عادةً بسبب تناول الطعام أو الماء الملوث.
قد يعاني الأطفال من أعراض مثل الإسهال، الحمى، والتعب، بالإضافة إلى الترجيع. عادةً ما يتطلب هذا النوع من التسمم العناية والدعم الطبي من خلال تعويض السوائل المفقودة، حيث يمكن أن يؤدي فقدان السوائل إلى الجفاف، الذي يعد من أخطر مضاعفات التسمم الغذائي.
4. الحساسية الغذائية
الحساسية الغذائية هي أحد الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى الترجيع عند الأطفال. الأطفال الذين يعانون من حساسية تجاه أنواع معينة من الطعام قد يعانون من ردود فعل تشمل التقيؤ. من أبرز الأطعمة التي قد تسبب الحساسية للأطفال هي حليب الأبقار، البيض، المكسرات، والقمح.
قد يصاحب الترجيع عند الأطفال الذين يعانون من الحساسية الغذائية أعراض أخرى مثل الطفح الجلدي، صعوبة في التنفس، أو تورم في الوجه واللسان. في مثل هذه الحالات، من المهم تحديد الطعام المسبب للحساسية والابتعاد عنه بشكل كامل، بالإضافة إلى استخدام الأدوية المضادة للحساسية تحت إشراف طبي.
5. التهاب الأذن الوسطى
يعد التهاب الأذن الوسطى من الأسباب الشائعة الأخرى التي قد تؤدي إلى الترجيع عند الأطفال. على الرغم من أن هذا الاضطراب يصيب الأذن، إلا أنه يمكن أن يسبب أعراضًا غير مباشرة تشمل الترجيع. يحدث التهاب الأذن الوسطى نتيجة لتجمع السوائل في الأذن بسبب عدوى بكتيرية أو فيروسية، وقد يعاني الطفل من الألم، التهيج، وفقدان الشهية، مما قد يؤدي إلى الترجيع.
قد يعاني الطفل المصاب بالتهاب الأذن الوسطى من أعراض مثل الحمى، وصعوبة في النوم، وفقدان التوازن. يحتاج الطفل في هذه الحالة إلى استشارة طبية للتشخيص الدقيق والعلاج المناسب الذي قد يشمل المضادات الحيوية إذا كانت العدوى بكتيرية.
6. التسمم الدوائي
في بعض الأحيان، قد يكون الترجيع نتيجة لتسمم دوائي. قد يتعرض الأطفال للتسمم نتيجة تناول أدوية أو مواد كيميائية سامة عن طريق الخطأ. من الأدوية الشائعة التي يمكن أن تسبب التسمم عند الأطفال هي الأدوية المسكنة للألم مثل الأسيتامينوفين، وكذلك المكملات الغذائية التي تحتوي على الحديد.
يمكن أن يتسبب التسمم الدوائي في مجموعة من الأعراض بما في ذلك الترجيع، الإسهال، والتعب الشديد. في مثل هذه الحالات، يجب استشارة الطبيب فورًا لتقديم العلاج المناسب.
7. مشاكل في الجهاز الهضمي مثل انسداد الأمعاء
أحد الأسباب الأقل شيوعًا، ولكنها خطيرة، للترجيع عند الأطفال هو انسداد الأمعاء. يحدث انسداد الأمعاء عندما يكون هناك انسداد جزئي أو كلي في الأمعاء، مما يعيق حركة الطعام والسوائل عبر الجهاز الهضمي. قد يحدث الانسداد بسبب عدة أسباب، بما في ذلك التشوهات الخلقية، التواء الأمعاء، أو وجود تكتلات في الأمعاء.
يمكن أن يكون الترجيع ناتجًا عن هذا الانسداد، وقد يصاحبه ألم شديد في البطن، عدم القدرة على التبرز أو إخراج الغازات، ووجود انتفاخ في البطن. يعد هذا من الحالات الطبية الطارئة التي تتطلب تدخلاً جراحيًا في بعض الأحيان.
8. الإجهاد والتوتر
على الرغم من أن الأطفال ليسوا أكثر عرضة للإجهاد مثل البالغين، إلا أن التوتر يمكن أن يؤدي إلى بعض الأعراض الجسدية مثل الترجيع. قد يعاني الأطفال من الترجيع نتيجة لتغييرات في بيئتهم أو روتينهم اليومي، مثل الانتقال إلى بيئة جديدة، بداية المدرسة، أو تعرضهم لحالات من الضغط العاطفي.
قد يكون الترجيع نتيجة لتفاعل الجسم مع هذه الضغوط النفسية، حيث تؤثر على الجهاز العصبي والهضمي. في مثل هذه الحالات، قد يساعد توفير بيئة هادئة ومطمئنة للطفل في تقليل الأعراض.
9. مشاكل في الغدة الدرقية
مشاكل الغدة الدرقية قد تكون من أسباب الترجيع عند الأطفال، خاصة إذا كانت الغدة الدرقية مفرطة النشاط (فرط نشاط الغدة الدرقية) أو خاملة (قصور الغدة الدرقية). قد تؤدي هذه المشاكل إلى اضطرابات في الجهاز الهضمي تشمل الترجيع، بالإضافة إلى مجموعة من الأعراض الأخرى مثل فقدان الوزن غير المبرر، التعب، وتغيرات في المزاج.
خلاصة
ترجيع الأطفال هو عرض شائع قد يحدث نتيجة لعدد من الأسباب المتنوعة، التي تتراوح بين الأسباب الفسيولوجية البسيطة والأخرى الأكثر تعقيدًا. من المهم أن يكون لدى الأهل الوعي الكافي حول الأسباب المحتملة للترجيع وكيفية التعامل معها، حيث أن العلاج يتوقف على السبب الأساسي. في حال استمر الترجيع أو كان مصحوبًا بأعراض أخرى مثل الحمى أو الألم الشديد، فإن استشارة الطبيب تصبح ضرورية للتشخيص والعلاج السليم.
