علي عبد الله صالح: الرئيس السادس للجمهورية العربية اليمنية
علي عبد الله صالح هو شخصية بارزة في تاريخ اليمن الحديث، تمثل مرحلة مفصلية في تطور الجمهورية العربية اليمنية التي عاشت فترات من التحولات السياسية والاجتماعية الكبرى. وُلد علي عبد الله صالح في 21 مارس 1942 في قرية بيت الأحمر بمحافظة سنحان في جنوب العاصمة صنعاء، ليُصبح في نهاية المطاف الرئيس السادس للجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي سابقاً). استمر حكمه على مدى أكثر من ثلاثة عقود، كان خلالها مهندسًا للعديد من التغييرات والتحديات التي شملت اليمن على المستوى السياسي، الاقتصادي، والعسكري.
البداية العسكرية والانخراط في الحياة السياسية
بدأ علي عبد الله صالح حياته العسكرية في سن مبكرة، حيث التحق بالجيش اليمني في عام 1958، بعد أن كان للجيش دور مهم في السيطرة على شؤون الدولة بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962. أظهر صالح خلال فترة تدريبه ومشاركته في الحرب الأهلية اليمنية التي نشبت بعد ثورة 1962، مهارات عسكرية لافتة. كان من بين أولئك الذين تم اختيارهم لتولي المناصب القيادية في الجيش، مما ساعده في بناء سمعة قوية كضابط ميداني.
في عام 1969، شغل منصب قائد الكتيبة الأولى في الجيش، ثم أصبح بعد فترة قصيرة ضابطاً في هيئة الأركان. وفي عام 1978، تم تعيينه رئيسًا للجمهورية العربية اليمنية بعد اغتيال الرئيس أحمد حسين الغشمي. وقد كانت فترة توليه للرئاسة مليئة بالتحديات الداخلية والخارجية، كما أن الثورة في الجنوب اليمني كانت قد أثرت في الحياة السياسية في الشمال بشكل مباشر.
تحقيق الاستقرار الداخلي وتطوير الجيش
منذ توليه منصب الرئاسة، أظهر علي عبد الله صالح طموحًا في تحقيق الاستقرار الداخلي في البلاد. كانت الجمهورية العربية اليمنية تعاني من التوترات السياسية والاقتصادية بعد مرورها بفترة طويلة من النزاعات الداخلية، والتي خلفت آثارًا عميقة في المجتمع. لذا بدأ صالح في تنفيذ خطط إصلاحية للحد من الانقسامات السياسية والقبلية التي كانت سائدة في تلك الفترة.
تُعد الفترة الأولى من حكمه مرحلة التأسيس لتطوير الدولة. قام بتحديث الجيش اليمني وتوسيعه، وخلق جيش وطني قادر على الدفاع عن الدولة ضد أي تهديدات داخلية أو خارجية. وعكف صالح على بناء تحالفات مع القوى المحلية والقبلية، مما ساعد على تعزيز سلطته داخل البلاد.
كما بذل صالح جهودًا لتحقيق بعض التقدم الاقتصادي، وإن كانت التحديات كبيرة في هذا المجال. اعتمدت سياساته على تعزيز المشاريع التنموية الصغيرة في الأرياف وتحسين البنية التحتية في المدن، وكان له دور بارز في تحسين النظام التعليمي في بعض المناطق.
الأزمة السياسية واندلاع الحرب الأهلية
على الرغم من الجهود التي بذلها صالح لتحقيق الاستقرار الداخلي، كانت هناك العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية التي كانت تهدد حكمه. فقد واجهت اليمن تحديات كبيرة على المستوى الخارجي والداخلي. كانت الحرب اليمنية الجنوبية (حرب 1994) من أبرز الأحداث التي هددت وحدة البلاد. في عام 1990، شهدت اليمن توحيدًا تاريخيًا بين الشمال والجنوب بعد سنوات طويلة من الانقسام السياسي، ولكن سرعان ما اندلعت الأزمة بسبب اختلافات سياسية بين حكومتي الشمال والجنوب.
في عام 1994، كانت الخلافات بين الحكومة اليمنية في الشمال بقيادة علي عبد الله صالح وبين الحكومة في الجنوب قد وصلت إلى نقطة الغليان، ما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية اليمنية الثانية. كانت هذه الحرب بمثابة اختبار صعب لحكم صالح، حيث دافع عن وحدة البلاد بقوة. تمكن من الانتصار في الحرب وتوحيد اليمن بشكل نهائي، وهو ما عزز من سلطته وأدى إلى إعادة تأكيده كرئيس لجميع اليمن.
التحولات السياسية في فترة ما بعد الحرب
على الرغم من الانتصار في حرب 1994، إلا أن فترة ما بعد الحرب شهدت تحولات كبيرة في المشهد السياسي اليمني. استمر صالح في تعزيز سلطته من خلال تحالفات مع القوى القبلية والدينية المختلفة، وهو ما ساعده على البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة.
خلال التسعينات والألفية الجديدة، كانت العلاقة بين اليمن والسعودية، والولايات المتحدة في المقام الأول، قد شهدت تقلبات متباينة. وعلى الرغم من الدعم الذي حصل عليه صالح من الدول الكبرى، إلا أن الوضع الداخلي في اليمن بدأ يشهد تراجعًا في مستوى التنمية، حيث ارتفعت معدلات الفقر، وتفاقمت البطالة، وازدادت معاناة الشعب اليمني بسبب الأزمات الاقتصادية المستمرة.
على الصعيد الخارجي، واصل صالح سياسته في التوازن بين القوى الإقليمية والدولية. وكان هناك تحسن في العلاقات مع الولايات المتحدة، خصوصًا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث أصبحت اليمن شريكًا في الحرب على الإرهاب، واستفاد صالح من هذا التحالف لتعزيز مكانته السياسية، ولكن ذلك أيضًا وضعه في مواجهة بعض المعارضين المحليين الذين رأوا في ذلك انحيازًا غير مبرر إلى المصالح الغربية على حساب استقلال اليمن.
الاحتجاجات وثورة 2011
شهدت فترة حكم علي عبد الله صالح بداية من عام 2011 احتجاجات شعبية واسعة النطاق، في إطار ما عُرف بثورات الربيع العربي التي اجتاحت العديد من الدول العربية. اندلعت الاحتجاجات في اليمن بعد سنوات من الفساد والاحتجاجات ضد البطالة، والارتفاع الحاد في تكاليف المعيشة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية. في البداية، كانت الحكومة اليمنية بقيادة صالح قد استخدمت القوة لقمع المتظاهرين، ولكن مع مرور الوقت أصبحت الاحتجاجات أكثر قوة، ما جعل صالح يعترف بالحاجة إلى إجراء إصلاحات حقيقية.
وفي يونيو 2011، تعرض صالح لمحاولة اغتيال خلال هجوم على قصره الرئاسي، أصيب خلالها بجروح خطيرة، وهو ما دفعه إلى مغادرة اليمن للعلاج في المملكة العربية السعودية. رغم هذه الحادثة، رفض صالح التنحي، وظل في السلطة لفترة طويلة. لكن مع تصاعد الاحتجاجات وأزمة البلاد، توصل صالح إلى اتفاق مع المعارضة في نوفمبر 2011 بوساطة من مجلس التعاون الخليجي يقضي بتنحيه عن السلطة، بعد حكم دام أكثر من 33 عامًا.
التنحي والمستقبل
أدى تنحي صالح إلى انتقال البلاد إلى مرحلة جديدة، حيث تولى نائبه عبد ربه منصور هادي رئاسة البلاد. على الرغم من تنحيه رسميًا عن السلطة، فإن تأثير صالح على السياسة اليمنية لم ينته. فقد ظل متأثرًا ومؤثرًا في الساحة السياسية من خلال تحالفات مع بعض القوى القبلية والأحزاب السياسية.
مات علي عبد الله صالح في 4 ديسمبر 2017، إثر اشتباكات مع قوات الحوثيين الذين كانوا في تحالف معه لفترة، ولكنهم انقلبوا عليه في وقت لاحق. وبذلك، انتهت حقبة طويلة من حكم صالح، التي كانت مليئة بالتحديات والانتصارات والهزائم.
الخلاصة
علي عبد الله صالح هو واحد من الشخصيات الأكثر تأثيرًا في تاريخ اليمن الحديث. لعب دورًا رئيسيًا في التوحيد السياسي للبلاد بعد حرب 1994، وأصبح رمزًا للقيادة العسكرية والسياسية في اليمن الشمالي والجمهورية اليمنية بعد الوحدة. ورغم التحديات والصراعات التي عاشها اليمن في عهده، فإن فترة حكمه تميزت بالعديد من الإنجازات والتطورات التي شكلت التاريخ المعاصر لهذا البلد.
