محافظة طولكرم: تاريخ وصمود

محافظة طولكرم: تاريخها، جغرافيتها، واقتصادها

تقع محافظة طولكرم في شمال غرب الضفة الغربية بفلسطين، وهي واحدة من المحافظات التي تحمل بين طياتها تاريخًا طويلًا ومعقدًا من حيث الأحداث السياسية والجغرافية والاقتصادية. تشترك المحافظة في حدودها مع كل من محافظة نابلس من الشرق، ومحافظة قلقيلية من الجنوب الشرقي، بينما تحدها الأراضي المحتلة من الغرب والشمال، ما يجعلها جزءًا من المناطق التي شهدت تطورات كبيرة على مر العصور.

الموقع الجغرافي

تعد محافظة طولكرم واحدة من أكبر محافظات الضفة الغربية من حيث المساحة، إذ تمتد على نحو 219 كيلومترًا مربعًا. تتمتع المحافظة بموقع استراتيجي في شمال الضفة الغربية، مما يتيح لها التواصل مع المدن الفلسطينية الأخرى مثل نابلس وقلقيلية، وكذلك الحدود مع إسرائيل. كما تتمتع المحافظة بمناخ معتدل نظرًا لارتفاعها عن سطح البحر، الذي يتراوح بين 100 و700 متر في بعض المناطق، مما يجعلها تتمتع بطبيعة زراعية خصبة وأرض غنية بالمصادر المائية.

تحتوي طولكرم على العديد من المواقع الطبيعية الجميلة مثل جبالها الخضراء، ووديانها العميقة، والأراضي الزراعية الواسعة التي تشتهر بزراعة الزيتون والفواكه. هذا الموقع الجغرافي يمنحها أهمية كبيرة في البُعد الزراعي والاقتصادي.

التاريخ السياسي والثقافي

مرت محافظة طولكرم بتاريخ طويل مليء بالتغيرات السياسية والثقافية. فقد شهدت المنطقة العديد من الغزوات والاحتلالات عبر العصور المختلفة، بدءًا من الفترات الكنعانية والرومانية وحتى فترة الحكم العثماني والاستعمار البريطاني.

خلال العهد العثماني، كانت طولكرم مركزًا إداريًا وتجاريًا مهمًا، حيث ارتبطت المدينة بمعظم الطرق التجارية التي تمر عبر المنطقة. وعندما أصبحت تحت الانتداب البريطاني في القرن العشرين، شهدت المدينة تطورات في البنية التحتية، لكن لم تخلُ أيضًا من المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني.

في عام 1948، وبعد نكبة فلسطين، أصبحت محافظة طولكرم جزءًا من الأراضي التي احتلتها إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، شهدت المحافظة تطورات متسارعة من حيث التوسع الاستيطاني في محيطها، بالإضافة إلى معاناة أهلها من القيود الإسرائيلية.

لكن بالرغم من الاحتلال والتحديات التي واجهتها، كانت طولكرم دائمًا مركزًا للمقاومة الفلسطينية. خلال الانتفاضة الأولى والثانية، كانت المدينة مركزًا رئيسيًا للمظاهرات والاشتباكات مع القوات الإسرائيلية.

الاقتصاد والزراعة

تعتمد محافظة طولكرم بشكل رئيسي على الزراعة، حيث أن الأراضي الزراعية فيها تعد من بين الأكثر خصوبة في الضفة الغربية. تشتهر المحافظة بزراعة العديد من المحاصيل، أبرزها الزيتون، والحمضيات، والفواكه الطازجة، والقمح. تشكل الزراعة المصدر الرئيسي لدخل العديد من الأسر في المحافظة.

ومع ذلك، يعاني الاقتصاد الفلسطيني في طولكرم من تحديات كبيرة بسبب القيود الإسرائيلية على التنقل، والمستوطنات التي تحيط بالمحافظة، وما يتبعها من مصادرة للأراضي. وبالرغم من هذه التحديات، فإن أهل المحافظة لا يزالون يحافظون على تقاليدهم الزراعية ويواصلون العمل في الأرض بأمل أن يتحسن الوضع الاقتصادي.

وتعتبر الصناعات الخفيفة أيضًا جزءًا من النشاط الاقتصادي في طولكرم، حيث توجد بعض المصانع التي تنتج الأثاث والملابس والأدوات المنزلية. ومع ذلك، فإن قدرة هذه الصناعات على التوسع محدودة بفعل الحصار والقيود المفروضة على حركة السلع والمواد الخام.

التعليم والصحة

تعد محافظة طولكرم من المناطق التي تولي اهتمامًا كبيرًا بالتعليم. توجد في المحافظة العديد من المدارس الحكومية والخاصة، إضافة إلى عدد من الجامعات والمراكز التعليمية التي تسعى لتقديم تعليم جيد لأبناء المنطقة. من أبرز الجامعات في المحافظة جامعة فلسطين التقنية-خضوري، التي تُعد واحدة من الجامعات الرائدة في المجال الزراعي والتقني في فلسطين.

على صعيد الخدمات الصحية، يوجد في طولكرم العديد من المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية والخاصة التي تسعى لتوفير الرعاية الصحية لسكانها. ولكن، كما هو الحال في العديد من المناطق الفلسطينية، فإن القطاع الصحي يعاني من نقص في المعدات الطبية، وضعف في القدرة على تقديم بعض الخدمات الطبية المتخصصة نتيجة القيود الإسرائيلية على التنقل.

المدن والقرى

تعد مدينة طولكرم هي مركز المحافظة وأكبر مدينة فيها. وهي مدينة تاريخية تمتاز بالعديد من المعالم الثقافية والدينية التي تجذب الزوار. من أبرز المعالم في المدينة هو “القلعة القديمة” التي تعود إلى العهد العثماني، بالإضافة إلى العديد من المساجد والكنائس التي تعكس التنوع الديني في المنطقة.

تضم المحافظة العديد من القرى والمناطق التي تبرز فيها الحياة الريفية والأنشطة الزراعية. من أبرز هذه القرى: عنبتا، وكفر صور، والشويكة، وعتيل، والزبابدة. كل واحدة من هذه القرى تتمتع بتقاليدها الخاصة وتساهم بشكل كبير في الحياة الاقتصادية والثقافية للمحافظة.

التحديات والآمال المستقبلية

تواجه محافظة طولكرم العديد من التحديات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. يشكل الاحتلال الإسرائيلي والتوسع الاستيطاني تهديدًا كبيرًا لمستقبل الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية في المحافظة. كما أن القيود المفروضة على حركة الأفراد والبضائع تضع عوائق أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي.

لكن على الرغم من كل هذه التحديات، يظل أهل طولكرم متفائلين. حيث يسعى الكثيرون إلى تحسين أوضاعهم عبر التعليم والعمل في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكذلك تعزيز الوحدة الفلسطينية من خلال النشاطات الثقافية والاجتماعية.

تعتبر محافظة طولكرم مثالًا حيًا على الصمود الفلسطيني في وجه الاحتلال، وقدرتها على الحفاظ على هويتها الوطنية والثقافية رغم التحديات الكثيرة. إن الأمل في بناء مستقبل أفضل للمحافظة قائم، خاصة مع تعزيز التعاون المحلي والدولي، والاهتمام بتطوير قطاعات التعليم والصحة، بالإضافة إلى دعم المشاريع الزراعية المستدامة.

الخلاصة

محافظة طولكرم ليست فقط جغرافيا تجمع بين الأرض والزراعة، بل هي أيضًا مركزٌ حيويٌ ذو تاريخ طويل ومعقد. عايشت المنطقة العديد من الحقب المختلفة، بدءًا من الحضارات القديمة وصولًا إلى الاحتلالات الحديثة، لتبقى محافظة طولكرم نموذجًا حيًا على الصمود والمقاومة، وصورة من صور الحياة الفلسطينية التي تكافح من أجل البقاء في وجه تحديات الاحتلال والظروف الاقتصادية الصعبة.