عادات ستدمر صحتك ومهنتك كمصمم – الجزء الثاني
يُعدّ عالم التصميم مجالاً مليئاً بالتحديات والإبداع، حيث يتطلب من المصمم أن يكون في قمة نشاطه الذهني والجسدي ليواكب متطلبات السوق والتقنيات الحديثة. إلا أن هذه البيئة، رغم جذابيتها، قد تشهد العديد من العادات الضارة التي قد تدمر صحة المصمم، وتؤثر على أدائه المهني بشكل سلبي. في هذا المقال، سنواصل تسليط الضوء على بعض العادات التي يمكن أن تضر بصحة المصمم وكذلك مهنته، مع تقديم بعض الحلول للوقاية والتعديل.
1. التأجيل المستمر (Procrastination)
إحدى العادات التي قد تؤدي إلى تدمير الصحة المهنية للمصممين هي التأجيل المستمر أو ما يُعرف بـ “المماطلة”. تبدأ المشكلة عندما يقرر المصمم تأجيل المهام المقررة لوقت لاحق، سواء كانت بسبب قلة الحافز أو شعور بالإرهاق. يترتب على ذلك تراكم الأعمال، مما يزيد من ضغوط العمل بشكل مضاعف، ويؤدي في النهاية إلى نقص الإنتاجية.
التأجيل يسبب ضغطًا نفسيًا مستمرًا، حيث يتراكم العمل ويُدرك المصمم فجأة حجم المهمة التي يجب عليه إنجازها، مما قد يؤدي إلى حالة من القلق والإحباط. بمرور الوقت، قد يعاني المصمم من إجهاد عقلي وجسدي بسبب محاولة إنهاء الأعمال المتراكمة في وقت ضيق.
لحل هذه المشكلة، يمكن للمصمم اتباع تقنيات مثل “تقسيم المهمة” أو “قاعدة الـ 5 دقائق”، وهي استراتيجيات تساعد في جعل المهام الكبيرة تبدو أكثر قابلية للتنفيذ.
2. قلة الحركة والجلوس لفترات طويلة
من العادات التي يتبناها الكثير من المصممين الجلوس لفترات طويلة أمام الكمبيوتر دون القيام بأي حركة جسدية. على الرغم من أن التركيز في العمل يتطلب بعض الاستقرار، إلا أن الجلوس المستمر يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية كبيرة على المدى البعيد، مثل آلام الظهر والرقبة، التهابات المفاصل، وضعف الدورة الدموية.
كما أن قلة الحركة تؤثر سلبًا على الحالة النفسية، حيث يرتبط النشاط البدني بتحسين المزاج والتركيز. لكن المشكلة الأكبر تكمن في أن الكثير من المصممين يتجاهلون هذه المخاطر، مما يسبب لهم اضطرابات صحية مزمنة.
لحل هذه المشكلة، يُنصح المصممون بالقيام بفترات راحة منتظمة تشمل الحركة أو المشي لبضع دقائق. يمكن استخدام تقنيات مثل “التنبيه الجسدي” من خلال إعداد مؤقت يساعد على التذكير بأن الوقت قد حان للنهوض والتحرك.
3. التغذية السيئة
يعتمد العديد من المصممين على الوجبات السريعة أو الأطعمة غير الصحية أثناء العمل بسبب ضيق الوقت أو الجهد المطلوب في تحضير الطعام. قد تؤدي هذه العادة إلى زيادة الوزن، نقص الطاقة، وضعف التركيز. كما أن التغذية السيئة تؤثر على الصحة العامة للمصمم، وتزيد من احتمالية إصابته بالأمراض المزمنة مثل السكري أو أمراض القلب.
قد يكون من الصعب التوفيق بين العمل المستمر والحفاظ على نظام غذائي صحي، لكن هناك بعض الحلول التي يمكن أن تسهم في تغيير هذه العادة السلبية. يُنصح بتخصيص وقت تحضير للوجبات، أو استخدام الوجبات الخفيفة الصحية التي يمكن تناولها بسهولة خلال فترات العمل، مثل الفواكه، المكسرات، والخضروات.
4. الإفراط في العمل والتفكير في المشروع بشكل مفرط
في عالم التصميم، غالبًا ما يُطلب من المصمم العمل تحت ضغط الوقت لإنجاز المشاريع وتلبية متطلبات العملاء. هذا الإفراط في العمل يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق الجسدي والعقلي، مما يُقلل من القدرة على الإبداع ويؤثر على نوعية العمل المنتج. بعض المصممين يظنون أنه من الضروري أن يظلوا منشغلين بالمشروع طوال الوقت، ويصبحون أسرى للضغط النفسي والتفكير المستمر.
عندما يفرط المصمم في العمل، فإنه يعرض نفسه لخطر الاحتراق الوظيفي، وهو حالة من الإرهاق العاطفي والبدني تؤدي إلى تراجع الأداء وتدهور الصحة النفسية.
لتفادي هذه العادة، من الضروري أن يتعلم المصمم كيفية وضع حدود لوقته وتحديد أوقات مخصصة للاستراحة والترفيه. كما يجب عليه أن يُدرك أهمية التوازن بين الحياة الشخصية والعمل.
5. استخدام التكنولوجيا بشكل مفرط
يعتبر الاعتماد الزائد على التكنولوجيا أحد العوامل التي تؤثر سلبًا على صحة المصمم. في الوقت الذي توفر فيه أدوات التصميم الرقمي قدرة هائلة على الإبداع والإنتاج، إلا أن استخدام الأجهزة لفترات طويلة دون أخذ فترات راحة يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية متنوعة، مثل إجهاد العينين، والصداع، وتشنجات الرقبة والكتف.
العديد من المصممين يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات، مما يسبب لهم ضغطًا على أعينهم (إجهاد العين الرقمي)، الذي يظهر في صورة آلام الرأس، وحكة العين، وجفاف العين، ومشاكل في الرؤية.
للتغلب على هذه المشكلة، يجب استخدام تقنيات مثل “قاعدة 20-20-20″، التي تدعو إلى أخذ فترات راحة كل 20 دقيقة لمدة 20 ثانية، والنظر إلى شيء بعيد عن الشاشة لمسافة 20 قدمًا. كذلك يُنصح بتعديل إعدادات الشاشة لتقليل الإضاءة الساطعة واستخدام فلاتر لحماية العين.
6. الافتقار إلى التنظيم والتخطيط
من أهم العوامل التي قد تؤثر سلبًا على جودة العمل وأداء المصمم هو عدم وجود خطة أو تنظيم واضح. قد يؤدي الافتقار إلى التنظيم إلى الفوضى والتأجيل المستمر، وهو ما يسبب ضغوطًا كبيرة ويؤثر على جودة العمل. من السهل على المصمم أن يشعر بالارتباك إذا لم يكن لديه جدول زمني محدد أو نظام لإدارة المهام.
يجب على المصمم أن يتعلم كيفية تنظيم وقته بشكل مناسب، سواء باستخدام تقنيات مثل “تقنيات إدارة الوقت” أو تطبيقات إدارة المهام، بحيث يكون لديه رؤية واضحة لما يجب عليه إنجازه يوميًا.
7. التجاهل المستمر للصحة النفسية
على الرغم من أن الكثير من المصممين يركزون على تحقيق النجاح المهني والإبداع، إلا أن الكثير منهم يتجاهلون التأثيرات النفسية لهذه المهنة. القلق، التوتر، والاكتئاب هي مشاكل شائعة بين المصممين، خاصة لأولئك الذين يعملون تحت ضغوط مستمرة. إن الشعور بأن الأعمال لا تكتمل أو أنها ليست على مستوى التوقعات يمكن أن يؤثر بشكل كبير على صحة المصمم النفسية.
من المهم أن يعترف المصمم بوجود هذه الضغوط النفسية ويسعى للحصول على الدعم عند الحاجة. يمكن أن يكون العلاج النفسي، التأمل، أو حتى ممارسة الرياضة أدوات فعالة في تخفيف القلق وتحسين الصحة النفسية.
8. التعامل مع النقد بشكل غير صحيح
أحد التحديات التي يواجهها المصمم هو النقد، سواء من العملاء أو الزملاء. بعض المصممين قد يتعاملون مع النقد بشكل مفرط من خلال رفضه تمامًا أو تأخذه بشكل شخصي للغاية. هذا التصرف قد يؤثر سلبًا على الحالة النفسية ويؤدي إلى فقدان الثقة في النفس.
من الضروري أن يتعلم المصمم كيفية التعامل مع النقد بشكل بناء، من خلال فهمه كفرصة لتحسين الأداء بدلاً من اعتباره هجومًا شخصيًا. كما أن تقبل الملاحظات والتكيف معها هو جزء أساسي من نمو المصمم وتطوير مهاراته.
9. الافتقار إلى تطوير المهارات
أحد العادات التي قد تدمر مهنة المصمم هي الافتقار إلى التطوير المستمر للمهارات. العالم الرقمي في تطور مستمر، ويجب على المصمم أن يواكب هذه التغييرات إذا أراد الاستمرار في النجاح. عدم التعلم المستمر والتحديث على الأدوات والتقنيات الجديدة يمكن أن يجعل المصمم غير قادر على التكيف مع متطلبات السوق، مما يؤثر على جودته وإبداعه.
يجب على المصمم تخصيص وقت لتعلم مهارات جديدة والاطلاع على أحدث التقنيات في مجاله. مثلًا، يمكنه حضور ورش عمل أو قراءة مقالات متخصصة للبقاء على اطلاع بأحدث الاتجاهات.
10. إهمال راحة العقل والجسم
أحد أكبر الأخطاء التي يقع فيها المصممون هو إهمال الراحة والعناية بالجسم والعقل. العمل المستمر دون فترات استراحة مناسبة يمكن أن يؤدي إلى شعور بالإرهاق وفقدان الإبداع. يعاني بعض المصممين من ضغط العمل المتواصل لدرجة أنهم ينسون ضرورة أخذ قسط من الراحة، ما يؤثر على صحتهم العامة وقدرتهم على تقديم أفكار مبتكرة.
من المهم أن يخصص المصمم فترات للراحة والأنشطة التي تجدد طاقته، سواء كانت رياضة أو هوايات أخرى.
الخاتمة
إن الحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية في مهنة التصميم يتطلب من المصمم التوازن بين العمل والراحة. يمكن تجنب العديد من العادات السلبية التي تضر بالصحة والمهنة من خلال الاهتمام بالتنظيم، التغذية، الحركة، والتعامل مع التحديات بشكل إيجابي. باتباع هذه المبادئ، يستطيع المصمم الحفاظ على صحته الشخصية ورفع مستوى إنتاجيته، ما يساهم في نجاحه المهني على المدى الطويل.
