كيفية إخفاء مشاعرنا بذكاء

كيف أخفي مشاعري؟

تُعتبر القدرة على إخفاء المشاعر أو ضبطها من بين المهارات النفسية التي قد يكون لها دور كبير في الحياة اليومية، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني. إلا أن العديد من الأشخاص قد يواجهون صعوبة في تحقيق هذا التوازن بين الإظهار والاحتفاظ بالمشاعر في ظل مواقف معينة، سواء كانت تلك المواقف تتعلق بالعلاقات الاجتماعية أو بمواقف الحياة المهنية التي قد تتطلب منهم أن يبدوا أكثر تحكمًا في عواطفهم. لكن هل يمكننا حقًا إخفاء مشاعرنا بشكل دائم؟ وهل يعد ذلك صحيًا أو ممكنًا من الناحية النفسية؟

فهم مشاعرنا

في البداية، من الضروري أن نفهم مشاعرنا وتحديد نوعها قبل محاولة إخفائها. المشاعر تتراوح بين الإيجابية والسلبية، وقد تكون نتيجة لمواقف مباشرة أو قد تكون متراكمة عبر الزمن. الشعور بالحزن، الغضب، الفرح، والخوف، هي بعض الأمثلة على المشاعر التي قد تطرأ في أوقات مختلفة. بينما قد يكون من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالضعف أو الفرح في مواقف معينة، فقد يجد البعض أنه من الأفضل إخفاء هذه المشاعر لعدة أسباب تتعلق بحماية النفس أو بسبب الضغط الاجتماعي.

لماذا نرغب في إخفاء مشاعرنا؟

تتعدد الأسباب التي قد تدفع الشخص إلى الرغبة في إخفاء مشاعره. فقد تكون الحاجة إلى الحفاظ على صورة معينة أمام الآخرين هي السبب الرئيسي، خصوصًا في بيئات العمل أو داخل العائلة حيث قد يتم إدانة الإفراط في التعبير عن المشاعر. قد يشعر البعض أيضًا أن إظهار مشاعرهم قد يضعفهم أو يعرضهم للانتقاد، خصوصًا إذا كانت هذه المشاعر تتعلق بالضعف أو الفشل.

من جهة أخرى، قد يختار البعض إخفاء مشاعرهم خوفًا من التأثير على الآخرين. فمثلاً، قد يكون الشخص في موقف يحتاج فيه إلى التخفيف من تأثير مشاعر الحزن أو الغضب على من حوله، وخاصة في الحالات التي تتطلب منه أن يظهر بمظهر قوي أو ثابت.

الطرق النفسية لإخفاء المشاعر

إخفاء المشاعر ليس أمرًا سهلًا، بل يتطلب استراتيجيات نفسية مدروسة. ولكن، من المهم أن نذكر أن القدرة على إخفاء المشاعر بشكل دائم قد تؤدي إلى مشاكل صحية أو نفسية إذا لم يتم التعامل معها بشكل سليم. إلا أن هنا بعض الطرق التي يمكن استخدامها للتحكم في مشاعرنا وإخفائها:

1. التحكم في التعبيرات الجسدية

الجسد يعكس غالبًا مشاعرنا بشكل لا شعوري. حركة الأيدي، تعبيرات الوجه، أو حتى طريقة الوقوف أو الجلوس، يمكن أن تكشف عن مشاعرنا دون أن ندرك. ولإخفاء مشاعرنا، من الضروري أن نتعلم كيفية التحكم في هذه التعبيرات. قد يتطلب الأمر ممارسة التأمل أو التدريب على تقنيات مثل التأمل في مرآة أو ممارسة التنفس العميق لتقليل التوتر وتجنب الاستجابة التلقائية للمواقف العاطفية.

2. استخدام تقنيات التنفس

من أكثر الطرق فعالية للتحكم في المشاعر هي التحكم في التنفس. عندما يواجه الإنسان موقفًا عاطفيًا ضاغطًا، فإن التنفس السريع أو الضحل قد يؤدي إلى زيادة التوتر أو زيادة التعبير عن العواطف. من خلال ممارسة التنفس العميق، يمكن للإنسان تهدئة جسده وعقله وبالتالي إخفاء مشاعره في اللحظة المناسبة.

3. التشتت والتوجيه الذهني

أحيانًا يكون من المفيد تحويل انتباهنا إلى شيء آخر لتقليل تأثير المشاعر السلبية. يمكن أن يكون هذا عبر التفاعل في موضوع محايد أو تمرين عقلي يتطلب تركيزًا. مثلاً، قد يعمل التفاعل مع مشكلة عملية أو التفكير في موضوع آخر على تقليل تدفق المشاعر الحالية والحد من تأثيرها على سلوكياتنا.

4. إعادة صياغة الأفكار

إعادة تفسير المواقف أو المشاعر أمر أساسي في كيفية التعامل معها. بدلاً من التفكير في المواقف السلبية بنحو يعزز المشاعر المؤلمة، يمكننا اختيار أن نراها بشكل محايد أو إيجابي. هذه الطريقة تعتمد على التفكير النقدي وإعادة تقييم المواقف بطريقة لا تعزز الشعور بالعجز أو الغضب.

5. البعد عن المواقف المثيرة للمشاعر

في بعض الأحيان، يمكننا تقليل تأثير المشاعر من خلال البعد عن المواقف التي تثيرها. إذا كان الموقف يشكل ضغطًا عاطفيًا كبيرًا، فقد يكون من الأفضل الابتعاد عنه لفترة قصيرة حتى نتمكن من استعادة هدوئنا، وهو ما يساعد في تقليل التعبير عن المشاعر غير المرغوب فيها.

الآثار الجانبية لإخفاء المشاعر

رغم أن إخفاء المشاعر قد يكون مفيدًا في بعض الحالات، إلا أنه قد يؤدي إلى العديد من الآثار السلبية إذا تم بشكل مستمر أو مفرط. واحدة من أهم هذه الآثار هي ما يعرف بـ “التراكم العاطفي”. عندما يختار الشخص إخفاء مشاعره لفترات طويلة، فقد يبدأ في تراكم هذه المشاعر داخله، مما يؤدي إلى ضغط داخلي قد يظهر في وقت لاحق بشكل مفاجئ أو غير متوقع.

من الممكن أن يؤدي إخفاء المشاعر أيضًا إلى مشاكل صحية مثل القلق، الاكتئاب، أو ارتفاع مستويات التوتر. قد يشعر الشخص الذي يخفى مشاعره بأنه يفقد التواصل مع ذاته الحقيقية، مما قد يؤدي إلى عواقب نفسية وجسدية على المدى الطويل.

كيف نتعامل مع المشاعر بشكل صحي؟

بدلاً من إخفاء المشاعر بشكل دائم، ينصح الخبراء بتعلم كيفية التعامل مع هذه المشاعر بشكل صحي. من خلال التعبير عن مشاعرنا بطريقة مناسبة، يمكننا تقليل ضغط المشاعر السلبية على النفس. هناك عدة طرق يمكن من خلالها التعبير عن مشاعرنا بطريقة غير ضارة:

• التحدث مع شخص مقرب: الحديث مع الأصدقاء أو العائلة يمكن أن يكون وسيلة فعالة للتعبير عن مشاعرنا بطريقة غير مباشرة.

• الكتابة: تدوين المشاعر يمكن أن يساعد في إفراغ العواطف المكبوتة وتخفيف الضغط النفسي.

• الرياضة: التمرين البدني يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتحرير التوتر العاطفي وتحسين المزاج.

• الاستشارة النفسية: التحدث إلى مختص يمكن أن يساعد في فهم المشاعر بشكل أعمق وتعلم كيفية التعامل معها بشكل أفضل.

الخلاصة

إخفاء المشاعر قد يكون أداة مؤقتة للتعامل مع بعض المواقف، إلا أن استخدام هذه الأداة بشكل دائم قد يؤدي إلى آثار سلبية على الصحة النفسية والجسدية. من المهم أن نتعلم كيف نميز بين المواقف التي تتطلب إخفاء المشاعر وبين تلك التي تسمح لنا بالتعبير عنها بشكل صحي وآمن. في النهاية، توازن الشخص بين التعبير عن مشاعره والتحكم فيها هو ما يجعل الحياة أكثر انسجامًا وسلامًا داخليًا.