ألم من جهة اليسار أسفل البطن: الأسباب، التشخيص، والعلاج

يُعدّ ألم البطن من الأعراض الشائعة التي قد يعاني منها الإنسان في مراحل مختلفة من حياته، ويأخذ هذا العرض أشكالاً متعددة من حيث شدّته، موضعه، واستمراريته. عندما يكون الألم متمركزًا في الجهة اليسرى أسفل البطن، فإن هذا قد يُشير إلى مجموعة من الأسباب التي تتفاوت بين الحالات البسيطة التي لا تتطلب تدخلاً طبيًا عاجلاً، والحالات المعقدة التي قد تستدعي العلاج الجراحي الفوري. تختلف هذه الأسباب باختلاف الجنس، والعمر، والتاريخ الصحي للمريض، مما يجعل من المهم فحص هذا النوع من الألم بدقة لتحديد مصدره الحقيقي.

التشريح الوظيفي للجهة اليسرى أسفل البطن

لفهم أسباب الألم في هذه المنطقة، من الضروري أولاً إلقاء نظرة على البُنى التشريحية الموجودة في الجهة اليسرى السفلية من البطن. تشمل هذه المنطقة:

• الجزء الأخير من القولون النازل

• القولون السيني

• أجزاء من الأمعاء الدقيقة

• الحالب الأيسر

• المبيض الأيسر وقناة فالوب اليسرى لدى النساء

• بعض الأوعية الدموية والأعصاب

• عضلات البطن والأنسجة الرخوة

كل من هذه الأعضاء يمكن أن يكون مصدراً محتملاً للألم، ويعتمد التشخيص على مدى تعرّض كل منها للإصابة أو الالتهاب أو الضغط.

الأسباب الشائعة للألم في الجهة اليسرى أسفل البطن

1. التهاب الرتوج (Diverticulitis)

يُعتبر التهاب الرتوج من أكثر الأسباب شيوعاً لهذا النوع من الألم، خاصة عند كبار السن. الرتوج هي جيوب صغيرة تتكون في جدار القولون، وعندما تلتهب أو تُصاب بعدوى تؤدي إلى ألم حاد في الجانب الأيسر السفلي من البطن، يصاحبه في بعض الأحيان حمى، غثيان، وإمساك أو إسهال.

2. متلازمة القولون العصبي (Irritable Bowel Syndrome)

تُعد متلازمة القولون العصبي حالة مزمنة تؤثر على الأمعاء الغليظة وتسبب تقلصات، انتفاخ، غازات، وإسهال أو إمساك أو كليهما بالتناوب. عادةً ما يكون الألم في الجهة اليسرى السفلية من البطن ناتجًا عن التقلصات المعوية، ويزداد هذا الألم مع التوتر أو بعد تناول وجبات دسمة أو غنية بالتوابل.

3. الإمساك (Constipation)

عند احتباس البراز لفترات طويلة في القولون السيني أو القولون النازل، قد يتسبب ذلك في ألم مزمن أو حاد في الجزء الأيسر السفلي من البطن. يترافق هذا العرض عادة مع شعور بالانتفاخ وصعوبة في التغوط.

4. الغازات (Flatulence)

تراكم الغازات في الأمعاء، وخاصة في القولون السيني، يمكن أن يؤدي إلى انتفاخ وشعور بألم ضاغط في الجانب الأيسر السفلي من البطن. في هذه الحالات، يكون الألم متقطعًا ويخف غالباً بعد التجشؤ أو إخراج الغازات.

5. حصى الكلى (Kidney Stones)

عندما تمر حصوة عبر الحالب الأيسر، فإنها قد تسبب ألمًا شديدًا وحادًا في الجانب الأيسر من البطن يمتد أحيانًا إلى الظهر أو الفخذ. غالباً ما يصاحب هذا الألم غثيان، قيء، ودم في البول.

6. التهاب الزائدة الدودية اليسرى (نادر ولكن ممكن)

في بعض الحالات النادرة التي يُعاني فيها المريض من “سيتوس إنفيرسوس” (حالة يكون فيها القلب وبقية الأعضاء معكوسة الجانب)، يمكن أن يحدث التهاب الزائدة الدودية في الجهة اليسرى، مما يؤدي إلى ألم في الجزء السفلي من البطن على اليسار.

7. مشكلات الجهاز التناسلي الأنثوي

تكيسات المبيض

الكيسات على المبيض الأيسر قد تؤدي إلى ألم دوري أو مفاجئ في الجانب الأيسر السفلي من البطن. قد يكون الألم مرتبطًا بالدورة الشهرية أو الإباضة، وقد يصاحبه نزيف غير منتظم أو ثقل في الحوض.

الحمل خارج الرحم

في حال حدوث حمل خارج الرحم في قناة فالوب اليسرى، قد تشعر المرأة بألم حاد في هذه المنطقة مصحوبًا بنزيف مهبلي ودوخة. يُعدّ هذا من الحالات الطارئة التي تستدعي تدخلاً فورياً.

التهاب الحوض (Pelvic Inflammatory Disease)

التهاب الأعضاء التناسلية الأنثوية بسبب عدوى بكتيرية يمكن أن يؤدي إلى ألم مزمن أو حاد في الحوض، وخاصة في الجهة اليسرى إذا كان المبيض الأيسر هو المتأثر.

8. الفتق (Hernia)

الفتق الإربي أو الفخذي الذي يحدث في الجانب الأيسر يمكن أن يؤدي إلى ألم مزعج في الجهة السفلى من البطن، وقد يزداد الألم مع السعال أو الوقوف لفترات طويلة.

9. أمراض الجهاز البولي

عدوى المسالك البولية أو التهاب المثانة قد يؤديان إلى ألم في الحوض يمتد أحيانًا إلى الجهة اليسرى السفلية من البطن، خاصة إذا كان الالتهاب ممتدًا إلى الحالب أو الكلية اليسرى.

جدول توضيحي لأهم أسباب ألم الجهة اليسرى أسفل البطن

طرق التشخيص

التاريخ الطبي والفحص السريري

يُعد أخذ التاريخ الطبي الكامل من المريض الخطوة الأولى والأهم في التشخيص. يُركّز الطبيب على الأمور التالية:

• مدة الألم وطبيعته (حاد، مستمر، متقطع)

• العوامل التي تسببه أو تزيده

• وجود أعراض مصاحبة (كالحمى، الغثيان، الإسهال، النزيف)

• التاريخ الجراحي أو النسائي

• نمط التغذية وحركات الأمعاء

يعقب ذلك فحص سريري دقيق يشمل الجس الموضعي للبطن، الاستماع للأصوات المعوية، وفحص منطقة الحوض لدى النساء.

الفحوصات المخبرية

• تحليل الدم الكامل (CBC) للكشف عن علامات الالتهاب أو العدوى

• فحص البول للكشف عن الالتهابات أو وجود دم

• اختبارات الحمل للنساء في سن الإنجاب

• اختبارات وظائف الكلى والكبد في بعض الحالات

التصوير الطبي

• الموجات فوق الصوتية (Ultrasound): مفيدة لتقييم المبايض، الرحم، أو الكلى.

• الأشعة المقطعية (CT Scan): تُستخدم على نطاق واسع للكشف عن التهاب الرتوج، الحصى، أو الالتهابات.

• التنظير القولوني (Colonoscopy): يُستخدم في الحالات المزمنة أو لتشخيص أمراض القولون.

العلاج

علاج حسب السبب

التهاب الرتوج

• مضادات حيوية

• نظام غذائي منخفض الألياف ثم إعادة التدرج

• في بعض الحالات، قد تحتاج إلى تدخل جراحي إذا حدثت مضاعفات

القولون العصبي

• تغييرات في نمط الحياة

• نظام غذائي منخفض الفودماب (FODMAP)

• أدوية مضادة للتشنج أو مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات

تكيس المبيض

• في الحالات البسيطة، يُتابع بشكل دوري

• التدخل الجراحي إذا كان الكيس كبيرًا أو مسببًا لأعراض شديدة

الحمل خارج الرحم

• معالجة طبية بمادة الميثوتريكسات

• الجراحة بالمنظار أو الجراحة المفتوحة عند الضرورة

حصى الكلى

• شرب السوائل بكثرة

• مسكنات الألم

• في الحالات الكبيرة، قد يُستخدم التفتيت بالموجات أو الجراحة

التدخل الجراحي

يُعد الجراحة ضرورية في حالات معينة، مثل:

• الحمل خارج الرحم

• الفتق المختنق

• التمزق أو النزيف الداخلي

• التهاب الرتوج المصحوب بخراج

العلاج المنزلي والمؤقت

في بعض الحالات البسيطة كالإمساك أو الغازات، يمكن اتباع الآتي:

• شرب الماء بكثرة

• تجنب الأطعمة المنتجة للغاز

• ممارسة الرياضة المنتظمة

• استخدام ملينات خفيفة عند الحاجة

الوقاية

تتضمن إجراءات الوقاية من ألم الجهة اليسرى أسفل البطن:

• اتباع نظام غذائي غني بالألياف للوقاية من الإمساك والتهاب الرتوج

• شرب كميات كافية من الماء يومياً

• تجنب الجلوس لفترات طويلة

• مراجعة الطبيب بانتظام خاصة لمن لديهم تاريخ مرضي معوي أو نسائي

• التعامل بحذر مع الأدوية الملينة والمسكنات لتفادي الاعتماد عليها أو إخفاء أعراض مهمة

الخاتمة

ألم الجهة اليسرى أسفل البطن ليس عرضاً يمكن تجاهله، بل يُعتبر مؤشرًا هامًا للعديد من الأمراض التي قد تتراوح بين البسيطة والمهددة للحياة. تتطلب هذه الحالات تشخيصًا دقيقًا وتدخلاً سريعًا أحياناً، ويجب أن يكون التعامل معها قائمًا على قاعدة معرفية تشمل الفهم العميق للتشريح، الأعراض، التحاليل، وطرق العلاج المختلفة. التعامل المبكر والصحيح مع هذه الأعراض يُساهم بشكل كبير في تحسين جودة حياة المريض وتقليل مضاعفات الحالات المرضية المحتملة.

المراجع:

1. Mayo Clinic – Diverticulitis, IBS, Ovarian Cyst

2. National Institute of Diabetes and Digestive and Kidney Diseases (NIDDK)