ضعف السمع عند الأطفال وعلاجه

مقدمة

يُعد السمع من الحواس الأساسية التي تلعب دوراً محورياً في تطور اللغة والكلام والتفاعل الاجتماعي عند الأطفال. إذ يرتبط التطور السليم لقدرات الطفل الإدراكية والمعرفية والنفسية ارتباطاً وثيقاً بسلامة الجهاز السمعي. ومع ذلك، يعاني عدد كبير من الأطفال حول العالم من درجات متفاوتة من ضعف السمع، ما قد يؤدي إلى تأثيرات طويلة الأمد على حياتهم الأكاديمية والاجتماعية إن لم يتم تشخيص الحالة مبكراً والتدخل العلاجي المناسب.

ضعف السمع عند الأطفال لا يقتصر فقط على الصمم الكلي، بل يشمل نطاقاً واسعاً من الحالات التي تتراوح بين الخفيفة إلى الشديدة جداً، وقد تكون مؤقتة أو دائمة. تتنوع أسباب الإصابة بين العوامل الوراثية والمكتسبة، وتختلف أساليب العلاج تبعاً لدرجة الإصابة ونوعها.

يهدف هذا المقال إلى تقديم دراسة شاملة ومعمقة حول ضعف السمع عند الأطفال، بدءاً من التعريف والأسباب، مروراً بأعراضه وطرق تشخيصه، وصولاً إلى الخيارات العلاجية المتاحة وأساليب الوقاية والدعم النفسي والتعليمي للأطفال المصابين.

أولاً: تعريف ضعف السمع عند الأطفال

ضعف السمع هو حالة مرضية تتمثل في انخفاض قدرة الطفل على سماع الأصوات بدرجات متفاوتة، وقد تؤثر على أذن واحدة أو كلتا الأذنين. يقسم ضعف السمع عادة إلى:

• ضعف السمع التوصيلي: ينتج عن خلل في نقل الصوت عبر الأذن الخارجية أو الوسطى.

• ضعف السمع الحسي العصبي: ينجم عن ضرر في الأذن الداخلية أو العصب السمعي.

• ضعف السمع المختلط: مزيج من النوعين السابقين.

• الضعف السمعي المركزي: خلل في معالجة الإشارات الصوتية داخل الدماغ.

ثانياً: تصنيف درجات ضعف السمع

يتم تصنيف درجات ضعف السمع حسب شدة فقدان القدرة على السمع بالديسيبل (dB HL) كما يلي:

ثالثاً: الأسباب الشائعة لضعف السمع عند الأطفال

1. أسباب وراثية

تشكل العوامل الوراثية نسبة كبيرة من حالات ضعف السمع لدى الأطفال. وقد يكون الضعف ناتجاً عن:

• طفرات في الجينات المرتبطة بالسمع مثل GJB2.

• أمراض وراثية مثل متلازمة واردنبورغ، ومتلازمة أوشر.

2. عوامل أثناء الحمل والولادة

• التعرض للفيروسات مثل الحصبة الألمانية أو الفيروس المضخم للخلايا (CMV) أثناء الحمل.

• تناول الأم لأدوية سامة للأذن خلال الحمل.

• الولادة المبكرة أو نقص الأوكسجين عند الولادة.

3. أسباب مكتسبة بعد الولادة

• التهابات الأذن المتكررة.

• التهاب السحايا.

• التعرض لأصوات عالية جداً.

• إصابات الرأس أو صدمات الأذن.

• استخدام بعض الأدوية ذات الأثر السمي على الأذن مثل الأدوية المنتمية لمجموعة الأمينوغليكوزيد.

رابعاً: علامات وأعراض ضعف السمع عند الأطفال

يختلف ظهور الأعراض حسب عمر الطفل وشدة الإصابة. أبرز العلامات تشمل:

عند حديثي الولادة:

• عدم الانتباه للأصوات العالية المفاجئة.

• عدم الالتفات نحو مصدر الصوت.

• عدم الاستجابة لصوت الأم أو الأصوات المألوفة.

عند الرضع:

• تأخر في إصدار الأصوات المناغاة.

• عدم تقليد الأصوات أو محاولة التحدث.

عند الأطفال الأكبر سناً:

• تأخر في النطق أو تطور اللغة.

• صعوبة في اتباع التعليمات.

• رفع صوت التلفاز أو التحدث بصوت عالٍ.

• ضعف الأداء الدراسي بسبب صعوبات في فهم المعلمين.

خامساً: طرق تشخيص ضعف السمع عند الأطفال

يعتمد التشخيص على عدة أدوات واختبارات دقيقة يتم تنفيذها من قبل اختصاصيي السمع والتخاطب، وتشمل:

1. المسح السمعي الوليدي

• يتم تطبيقه على حديثي الولادة للكشف المبكر عن ضعف السمع.

• يستخدم أجهزة تقيس استجابة الأذن للأصوات، مثل اختبار الانبعاثات الصوتية (OAE) واختبار استجابة جذع الدماغ السمعية (ABR).

2. اختبارات السمع السلوكية

• تناسب الأطفال الأكبر سناً، حيث يُطلب من الطفل الاستجابة للأصوات أو الكلام في بيئات مختلفة.

3. تخطيط السمع الكهربائي (Audiometry)

• يستخدم للكشف عن درجة الضعف ونوعه باستخدام سماعات تُرسل ترددات صوتية مختلفة.

4. اختبارات إضافية

• اختبارات التوصيل العظمي.

• تقييم طبلة الأذن.

• اختبارات الدم أو التصوير بالرنين المغناطيسي للكشف عن الأسباب العضوية أو الوراثية.

سادساً: العلاجات المتاحة لضعف السمع عند الأطفال

يُعتمد في علاج ضعف السمع على نوع الإصابة ودرجتها، وتتضمن الاستراتيجيات العلاجية التالية:

1. المعالجة الطبية أو الجراحية

• تُستخدم في حالات ضعف السمع التوصيلي الناتج عن التهابات الأذن أو وجود سوائل خلف الطبلة.

• من الممكن أن يُستخدم أنبوب تهوية للأذن أو إزالة اللحميات في بعض الحالات.

2. استخدام المعينات السمعية

• مثل السماعات الطبية التي توضع خلف الأذن أو داخلها.

• تساعد على تضخيم الأصوات وتسهيل التواصل، وتناسب الأطفال الذين يعانون من ضعف سمع خفيف إلى شديد.

3. زراعة القوقعة

• تستخدم للأطفال المصابين بضعف سمع شديد أو عميق لا يستجيبون للمعينات السمعية.

• تزرع القوقعة إلكترونياً خلف الأذن وتقوم بتحويل الأصوات إلى إشارات كهربائية تُرسل للعصب السمعي.

4. العلاج التأهيلي والتخاطب

• جلسات منتظمة لتحفيز النطق وتطوير المهارات اللغوية.

• برامج تعليمية خاصة لتنمية مهارات التواصل والتفاعل.

5. التقنيات المساعدة

• مثل أنظمة FM المستخدمة في الصفوف الدراسية.

• تطبيقات رقمية تساعد الطفل على تنمية المهارات السمعية واللغوية.

سابعاً: التأثيرات النفسية والاجتماعية لضعف السمع

تُعد الآثار النفسية والاجتماعية من أبرز التحديات التي يواجهها الأطفال المصابون بضعف السمع، ومنها:

• العزلة الاجتماعية: يشعر الطفل بصعوبة في الانخراط في الحوار الجماعي أو اللعب الجماعي.

• انخفاض الثقة بالنفس: خصوصاً في البيئات التي لا توفر دعماً كافياً.

• صعوبات أكاديمية: نتيجة قلة التفاعل مع المعلم أو صعوبة فهم المحتوى الشفهي.

• اضطرابات سلوكية: مثل الانسحاب أو العدوانية بسبب الإحباط.

من المهم تقديم الدعم النفسي المبكر للأطفال من خلال جلسات علاج سلوكي معرفي، وتوعية الأهل والمعلمين بكيفية التعامل مع الطفل لتجنب الآثار السلبية الممتدة.

ثامناً: دعم الأسرة والتعليم

1. توعية الأهل

• تقديم الإرشادات اللازمة حول كيفية استخدام الأجهزة السمعية.

• تعليم الأهل طرق التواصل مع الطفل، مثل استخدام الإيماءات أو لغة الإشارة.

2. تكييف البيئة المدرسية

• تزويد الصفوف بأجهزة تساعد الطفل على السمع.

• تدريب المعلمين على تقنيات التعليم التفاعلي التي تراعي حالات السمع المحدود.

• توفير أخصائي تخاطب في المدارس لتقديم الدعم المستمر.

3. الاندماج في المجتمع

• إشراك الطفل في الأنشطة المجتمعية والرياضية.

• دعم الجمعيات والمؤسسات التي تعنى بالصم وضعاف السمع.

تاسعاً: الوقاية والتدخل المبكر

1. الوقاية أثناء الحمل

• تجنب العدوى الفيروسية عن طريق أخذ التطعيمات المناسبة.

• الامتناع عن تناول الأدوية بدون استشارة طبية.

2. الوقاية بعد الولادة

• المتابعة الدورية لصحة الأذن.

• تجنب تعريض الطفل للضوضاء العالية.

• التشخيص المبكر لأي التهابات أذنية متكررة.

3. أهمية التدخل المبكر

• تشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يُشخّصون قبل عمر 6 أشهر ويبدأون العلاج مبكراً يحققون نتائج لغوية ومعرفية أفضل بكثير من أولئك الذين يتأخرون في التدخل.

عاشراً: دور السياسات الصحية والمجتمعية

ينبغي أن تكون هناك سياسات وطنية واضحة تتعلق بالكشف المبكر عن ضعف السمع عند الأطفال. يشمل ذلك:

• تطبيق برامج الفحص السمعي الإجباري لحديثي الولادة.

• دعم تغطية التكاليف العلاجية والتأهيلية للأطفال المصابين.

• توفير التدريب المستمر لمقدمي الرعاية الصحية والتربويين حول طرق التعامل مع ضعف السمع.

• دعم حملات التوعية المجتمعية لنشر المعرفة حول أهمية السمع وتأثيره على تطور الطفل.

خاتمة

ضعف السمع عند الأطفال يمثل تحدياً حقيقياً يمتد إلى مختلف جوانب حياة الطفل، إلا أن التدخل المبكر والدعم العلاجي والتربوي المناسب قادر على إحداث فارق كبير في تطور قدرات الطفل الأكاديمية والاجتماعية. إن تبني المجتمع سياسات صحية وتعليمية تراعي الاحتياجات السمعية للأطفال، إلى جانب رفع الوعي الأسري، يعد عاملاً أساسياً في بناء مستقبل أكثر شمولاً وعدلاً للأطفال ضعاف السمع.

المصادر والمراجع:

1. World Health Organization (WHO). “World Report on Hearing”, 2021.

2. American Speech-Language-Hearing Association (ASHA). “Hearing Loss in Children”.