أحمد زويل: رائد الكيمياء الفيمتو ثانية

أحمد زويل: عبقري الكيمياء الذي غيّر وجه العلم

يُعتبر الدكتور أحمد زويل واحداً من أبرز العلماء في تاريخ العلوم الحديثة، حيث تميز بإسهاماته الكبيرة في مجال الكيمياء التي تركت أثراً عميقاً على العالم بأسره. وُلد زويل في 26 فبراير 1946 في مدينة دمنهور بمصر، وكان له دور محوري في تطوير مجالات البحث العلمي، من خلال ابتكاره لأسلوب جديد في دراسة التفاعلات الكيميائية. وهو أول مصري وعربي يحصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، تقديراً لاكتشافاته الثورية في مجال الكيمياء الفيمتو ثانية.

نشأة أحمد زويل وتعليمه

نشأ أحمد زويل في مصر، حيث أتم تعليمه الأساسي في مدينة دمنهور ثم انتقل إلى القاهرة لاستكمال دراسته الجامعية. في عام 1967، حصل على درجة البكالوريوس في الكيمياء من جامعة الإسكندرية، وكان لهذا النجاح المبكر دور مهم في توجيه مسيرته العلمية. ولكن، رغم تفوقه الأكاديمي في مصر، كانت الأفق العلمية أكبر مما توفره البيئة الأكاديمية المحلية في ذلك الوقت. لذلك قرر زويل الانتقال إلى الولايات المتحدة في عام 1969 لمتابعة دراساته العليا في جامعة بنسلفانيا، حيث حصل على درجة الماجستير في الكيمياء ثم الدكتوراه في عام 1974.

خلال سنواته في الولايات المتحدة، تأثر زويل بالكثير من العلماء الرائدين في مجال الكيمياء، وبدأ في اكتساب سمعة كأحد العقول اللامعة التي يمكن أن تساهم في تطوير علم الكيمياء.

رحلة الاكتشاف: “كيمياء الفيمتو ثانية”

قبل أن يقدم أحمد زويل إسهاماته العظيمة في مجال الكيمياء، كانت دراسة التفاعلات الكيميائية تتم بشكل تقليدي، حيث كان العلماء يدرسون هذه التفاعلات في نطاقات زمنية طويلة نسبياً. كان معظم الأدوات المستخدمة في التجارب الكيميائية تقيس تغيرات المواد في الوقت الطبيعي (المللي ثانية أو حتى الثانية). ولكن هذه الطرق كانت غير قادرة على تقديم صورة واضحة أو تفصيلية للتفاعلات التي تحدث على المستوى الجزيئي.

وفي بداية التسعينات، قدم أحمد زويل للعالم اكتشافاً عظيماً من خلال تطويره لتقنية “الفيمتو ثانية”، وهي وحدة زمنية تساوي جزءاً من المليون من الملي ثانية. تمكن زويل من خلال هذه التقنية المتطورة من رصد التفاعلات الكيميائية في الزمن الفعلي، أو كما قال عنها: “رؤية التفاعلات الكيميائية أثناء حدوثها”.

ومن خلال هذه التقنية، أتاح زويل للعلماء دراسة التفاعلات التي تحدث في أجزاء من الثانية، والتي كانت غير مرئية باستخدام الأساليب التقليدية. على سبيل المثال، تمكن زويل من دراسة كيفية تحرك الذرات والجزيئات بشكل دقيق أثناء التفاعلات الكيميائية، مما سهل فهم كيف تحدث بعض التفاعلات الكيميائية الهامة في حياتنا اليومية وفي الصناعات المختلفة مثل الأدوية والطاقة والمواد البلاستيكية.

وكانت نتائج أبحاثه حول الفيمتو ثانية محوراً أساسياً في منح جائزة نوبل له في عام 1999، وهو ما جعله أول عالم مصري يحصل على هذه الجائزة الرفيعة.

التأثير العلمي والإنساني

لقد أثرت أعمال أحمد زويل على العديد من مجالات العلوم التطبيقية. ففي مجال الكيمياء، كان اكتشافه لتقنية الفيمتو ثانية بمثابة الثورة الحقيقية التي أدت إلى تقدم كبير في دراسة التفاعلات الجزيئية، وهو ما أسهم في تطوير طرق جديدة في الصناعات الكيميائية، بما في ذلك صناعة الأدوية والتكنولوجيا الحيوية.

علاوة على ذلك، شكلت أبحاثه أساساً لعدد من التطبيقات المستقبلية مثل تحسين تقنيات التصوير في الطب، خاصة في التصوير باستخدام الليزر والموجات الصوتية. لقد أسهمت تقنية الفيمتو ثانية أيضاً في تحسين دقة العمليات الجراحية الدقيقة.

لكن تأثير أحمد زويل لم يكن محدوداً فقط على المستوى العلمي، بل امتد إلى جوانب أخرى من حياته. فقد كان زويل دائم التواضع وكان يرى في العلم رسالة سامية لخدمة الإنسانية، وكان يطمح دائماً إلى تسخير علمه في تحسين حياة الناس. وقد عُرف عنه حرصه على نشر العلم في العالم العربي، حيث اعتبره أداة حيوية للنهوض بمستقبل الشعوب.

وقد ساهم زويل في تأسيس معهد “زويل للعلوم والتكنولوجيا” في مصر في عام 2000، وهو معهد يهدف إلى تطوير البحث العلمي في مصر والعالم العربي. هذا المعهد أصبح أحد المراكز البارزة في العالم العربي للبحث العلمي، حيث يقدم فرصاً للطلاب والباحثين في مختلف المجالات العلمية والتقنية.

أحمد زويل في نظر المجتمع الدولي

أحمد زويل لم يكن فقط عالماً مبدعاً، بل كان أيضاً رمزا للروح الإنسانية والتفاني في العمل. فقد كان في نظر الكثير من العلماء والمفكرين في العالم مثالاً يُحتذى به في الاجتهاد والشغف. على الرغم من شهرته العالمية، ظل زويل دائم التواضع، وكان يحرص دائماً على تقديم العلم للناس بلا حدود. كان يعبر عن إيمانه العميق في ضرورة دمج العلم مع التحديات الاجتماعية والإنسانية.

في عام 2011، وبعد أحداث الثورة المصرية، عاد أحمد زويل إلى مصر وكان له دور فعال في دعم عملية الإصلاح العلمي والتعليمي في البلاد. وقد أشار إلى أن أحد أكبر التحديات التي تواجهها الدول النامية هو التحديث العلمي والتعليم، وهو ما كان يسعى إلى معالجته عبر مشروعاته الخاصة في مصر والعالم العربي.

الجوائز والتكريمات

لقد حصل أحمد زويل على العديد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرته العلمية. بالإضافة إلى جائزة نوبل في الكيمياء، حصل على العديد من الأوسمة والجوائز، بما في ذلك “جائزة الملك فيصل العالمية في العلوم” عام 1993، و”جائزة وولف في الكيمياء” عام 1998. كما حصل على العديد من التكريمات الفخرية من مختلف الجامعات والمؤسسات العلمية في العالم.

وفي عام 2014، اختير زويل ليكون عضواً في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، مما يعد تأكيداً على مكانته العلمية المرموقة على مستوى العالم.

وفاته

توفي الدكتور أحمد زويل في 2 أغسطس 2016 بعد صراع طويل مع المرض. رحل زويل، لكن إرثه العلمي الإنساني لا يزال حاضراً. ورغم وفاته، إلا أن أبحاثه واكتشافاته كانت بداية لفصل جديد في العلوم الكيميائية، وهو ما جعله خالداً في ذاكرة الأجيال القادمة. فقد غيّر زويل وجه العلم تماماً، وفتح أبواباً جديدة لفهم التفاعلات الكيميائية، وأصبح مرجعاً لكل من يسعى للتطوير في هذا المجال.