كوكب بلوتو: دراسة شاملة عن كوكب القزم البعيد

يعتبر كوكب بلوتو من أكثر الأجسام السماوية إثارة للجدل والاهتمام في تاريخ دراسة النظام الشمسي. فهو ليس كوكبًا عاديًا، بل يصنف اليوم كـ”كوكب قزم” بعد أن كان يُعد في السابق الكوكب التاسع في مجموعتنا الشمسية. يمتاز بلوتو بموقعه البعيد جداً، وحجمه الصغير نسبياً، وتركيبته الفريدة التي تجمع بين خصائص الكواكب والكويكبات. هذا المقال يسلط الضوء على كافة الجوانب المتعلقة بكوكب بلوتو، بدءاً من اكتشافه، مرورًا بخصائصه الفيزيائية والفلكية، وانتهاءً بمكانته العلمية الحديثة ودوره في فهم النظام الشمسي.

اكتشاف كوكب بلوتو وتاريخ التصنيف

اكتشف بلوتو لأول مرة في عام 1930 على يد العالم الأمريكي كلايد تومبو، وذلك بعد بحث مكثف استمر عدة سنوات في محاولة لرصد كوكب جديد يفترض وجوده وراء نبتون بسبب الاختلافات الملحوظة في مدارات الكواكب الخارجية. تم الاكتشاف باستخدام صور فوتوغرافية التقطت عبر تلسكوب جبل ويلسون في كاليفورنيا، حيث تم رصد جسم صغير يتحرك ببطء بالنسبة للنجوم الخلفية.

في البداية، تم تصنيفه رسميًا كالكوكب التاسع للنظام الشمسي، وظل هذا التصنيف قائماً لأكثر من سبعين عامًا. إلا أن تطور التكنولوجيا واكتشاف المزيد من الأجسام الصغيرة في حزام كويبر جعل العلماء يعيدون النظر في تصنيف بلوتو. ففي عام 2006، أعلنت الاتحاد الفلكي الدولي تعديل تعريف الكوكب، ونتيجة لذلك تم تصنيف بلوتو كـ”كوكب قزم” مع أجسام أخرى تشترك معه في الخصائص.

الموقع المداري والحركة

يتميز بلوتو بموقعه في منطقة تسمى “حزام كويبر”، وهي منطقة تقع خلف مدار نبتون وتضم آلاف الأجسام الصغيرة والمجمدة التي تشكل جزءًا من مخلفات تشكل النظام الشمسي. يتميز مدار بلوتو بكونه بيضاوي الشكل ومنحرفًا، حيث يتراوح بعده عن الشمس بين حوالي 4.4 مليار كيلومتر في أقرب نقطة (الحضيض) إلى حوالي 7.3 مليار كيلومتر في أبعد نقطة (الأوج).

مدار بلوتو مائل بنسبة تقارب 17 درجة مقارنة بمستوى مدارات الكواكب الأخرى، مما يجعله يقطع مستوى النظام الشمسي بعدة زوايا. كما أن فترة دورانه حول الشمس تبلغ حوالي 248 سنة أرضية. بالإضافة إلى ذلك، فإن بلوتو وأقرب كوكب له نبتون يقتربان أحيانًا، ولكن مداراتهما متزامنة بحيث لا يحدث تصادم أو تقاطع بينهما.

الحجم والبنية الفيزيائية

يعد بلوتو صغيرًا جدًا مقارنة بالكواكب الأخرى، حيث يبلغ قطره حوالي 2376 كيلومترًا، وهو أقل من قطر قمر الأرض “القمر”. ومع ذلك، فهو أكبر جسم في حزام كويبر المعروف حتى الآن. من حيث الكتلة، فإن بلوتو يشكل حوالي 0.2% من كتلة الأرض، مما يجعله خفيف الوزن نسبيًا.

يتكون بلوتو من خليط من الصخور والجليد، وهو ما يعكس طبيعة تكوينه في مناطق بعيدة عن الشمس حيث درجات الحرارة منخفضة للغاية. سطحه مغطى بالجليد المتجمد، وخاصة جليد النيتروجين والميثان وثاني أكسيد الكربون. تتغير تركيبة الجليد وخصائصه مع تغير المواسم على بلوتو، وذلك بسبب مداره المائل والبيضاوي.

الغلاف الجوي والطقس على بلوتو

رغم صغر حجمه وبعده الشاسع عن الشمس، يمتلك بلوتو غلافًا جويًا رقيقًا للغاية، يتكون أساسًا من النيتروجين مع كميات صغيرة من الميثان وأول أكسيد الكربون. تتغير كثافة الغلاف الجوي مع اقتراب بلوتو من الشمس خلال مداره البيضاوي، حيث يبدأ الجليد على سطحه بالتبخر، مكونًا طبقة غازية رقيقة تحيط بالكوكب.

في أبعد نقاط مداره، تتجمد هذه الغازات مرة أخرى وتعود إلى سطح بلوتو على شكل جليد. يُظهر الغلاف الجوي تغيرات موسمية متكررة مع تأثيرات الطقس التي تتسبب في تحولات على السطح، مثل هبوب رياح خفيفة وتحركات في الغازات المجمدة.

الأقمار التابعة لكوكب بلوتو

لدى بلوتو خمسة أقمار معروفة حتى الآن، وأكبرها القمر “شارون”، الذي يُعتبر جسمًا فريدًا في نظام الكواكب القزمة. يبلغ قطر شارون حوالي نصف قطر بلوتو تقريبًا، حيث يبلغ حوالي 1212 كيلومترًا، وهو ما يجعل من النظام ثنائي الجاذبية، حيث يدور كل من بلوتو وشارون حول مركز جاذبية مشترك خارج بلوتو.

إلى جانب شارون، هناك أربعة أقمار صغيرة أخرى هي: نيكس، هيدرا، كيربيروس، وستركس، وجميعها صغيرة الحجم مقارنة ببلوتو وشارون، وتدور في مدارات مختلفة حول بلوتو.

رحلة “نيو هورايزونز” وأهم الاكتشافات الحديثة

في يوليو 2015، وصلت مركبة الفضاء الأمريكية “نيو هورايزونز” إلى بلوتو في مهمة غير مسبوقة لاستكشاف هذا الجسم البعيد، والتي شكلت حدثًا تاريخيًا في علم الفلك. وفرت المركبة صورًا عالية الدقة وأرسلت بيانات شاملة عن سطح بلوتو وتركيبته والغلاف الجوي.

أظهرت الصور تضاريس متنوعة تشمل سهولًا شاسعة مغطاة بالجليد، جبالًا جليدية عالية مصنوعة من نيتروجين متجمد، ووظائف جيولوجية نشطة، مما يشير إلى أن بلوتو ليس جسمًا ميتًا كما كان يُعتقد سابقًا، بل يمتلك ديناميكية داخلية تؤثر في سطحه.

الأهمية العلمية لكوكب بلوتو

يعتبر بلوتو بوابة لفهم أعماق النظام الشمسي، وخصوصًا لفهم المناطق الخارجية التي تضم أجسامًا صغيرة ومجمدة. من خلال دراسة بلوتو، يمكن للعلماء معرفة المزيد عن أصل وتطور الكواكب والأجرام السماوية في حزام كويبر، والتي تمثل مخلفات تشكل النظام الشمسي منذ أكثر من 4.5 مليار سنة.

كما أن إعادة تصنيف بلوتو ككوكب قزم فتح بابًا واسعًا لدراسة أجسام شبيهة في النظام الشمسي، مما أتاح تصنيفات جديدة وأكثر دقة للأجرام السماوية التي لا تتوافق تمامًا مع خصائص الكواكب التقليدية.

الجدول التالي يلخص خصائص بلوتو الأساسية:

الخلاصة

يظل كوكب بلوتو واحدًا من أكثر الأجسام السماوية تعقيدًا وجاذبية في النظام الشمسي، يجمع بين الخصائص الفيزيائية والكيميائية المميزة التي تكشف لنا الكثير عن تاريخ وتطور النظام الشمسي. استكشاف بلوتو ومتابعة دراسة حزام كويبر يمثلان نافذة علمية واسعة لاكتشاف أسرار الفضاء البعيد، ويضعان أسسًا جديدة لتصنيف الأجرام السماوية وفهم تطور الكواكب الصغيرة.

بفضل التطورات التقنية الحديثة، وخصوصًا مهمة “نيو هورايزونز”، أصبح بإمكاننا التعمق أكثر في طبيعة بلوتو، مستفيدين من البيانات التي غيّرت نظرتنا إليه من مجرد كوكب صغير إلى جسم نشط وذو أهمية علمية كبيرة في مجرة درب التبانة.