محرمات قضاء الحاجة في الإسلام

ما يحرم عند قضاء الحاجة

تُعدّ آداب قضاء الحاجة من الأمور التي أولتها الشريعة الإسلامية عناية فائقة، لما لها من أثر في تهذيب السلوك، وحفظ الكرامة الإنسانية، وصيانة المروءة، واحترام الملائكة، وتطهير النفس والجسد من الأذى. وقد بيّنت الشريعة ما يجوز وما لا يجوز فعله أثناء قضاء الحاجة، فوضعت بذلك منهجاً تربوياً متكاملاً يعلّم المسلم الانضباط حتى في أخصّ خصوصياته. ويُقصد بـ”قضاء الحاجة” في الاصطلاح الشرعي التخلّص من البول أو الغائط، سواء كان ذلك في الخلاء أو في أماكن مخصصة كالحمامات.

في هذا المقال، سنسلّط الضوء على المحرمات التي يجب على المسلم اجتنابها عند قضاء الحاجة، كما نبيّن عِلل التحريم من منظور شرعي وصحي وأخلاقي، مع التوثيق من السنة النبوية الشريفة وآثار الصحابة والتابعين.

أولاً: كشف العورة أمام الناس

من أعظم المحرمات عند قضاء الحاجة كشف العورة في الأماكن العامة أو أمام الناس من غير ضرورة، إذ جاء في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي عن النبي ﷺ: “إن الله حييّ ستير، يحب الحياء والستر”. ومن مظاهر الستر عدم كشف العورة أمام الآخرين، حتى وإن كانوا من الأقارب أو الأطفال المميزين، باستثناء الزوج أو الزوجة.

وقد كان النبي ﷺ إذا أراد قضاء الحاجة ذهب إلى مكان بعيد لا يُرى فيه، كما جاء عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: “أن النبي ﷺ كان إذا ذهب لحاجته أبعد” [رواه أبو داود].

ويشمل هذا الحكم النساء والرجال على حد سواء، ولا يُستثنى منه إلا حالات الضرورة القصوى كالعلاج أو الولادة أو الطوارئ.

ثانياً: استقبال القبلة أو استدبارها في الصحراء

من المحرمات المتفق عليها استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة في الصحراء أو الأماكن المفتوحة، وذلك استناداً إلى قول النبي ﷺ: “إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا” [رواه البخاري ومسلم].

وقد فهم الصحابة هذا النهي على وجه التحريم الصريح، لما فيه من تعظيم للقبلة واحترام لها، حيث إنها الجهة التي يستقبلها المسلم في صلاته ويولي وجهه لله فيها، فلا ينبغي أن تكون محلّاً للنجاسة أو الإهانة.

أما إذا كان الإنسان داخل مبنى أو حائط يحجز بصر الناس، فقد رخّص بعض العلماء في ذلك، مستندين إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى النبي ﷺ في بيت حفصة يقضي حاجته مستدبر القبلة.

ثالثاً: قضاء الحاجة في الطرق أو تحت الأشجار المثمرة

حرّمت الشريعة قضاء الحاجة في الأماكن التي يرتادها الناس أو يستظلون بها أو ينتفعون منها، كالطرقات، وتحت الأشجار المثمرة، ومجاري المياه، والأماكن العامة. وقد ورد النهي الصريح عن ذلك في الحديث: “اتقوا اللعانين، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم” [رواه مسلم].

وسُمّيا “اللعانين” لأن الناس يلعنون فاعلهما، لما فيهما من إيذاء للمارة، وتعدٍّ على حقوق الآخرين، ونشر الأذى والروائح الكريهة.

ولذا فإن قضاء الحاجة يجب أن يكون في أماكن مخصصة، لا يُتضرر بها الناس، ولا تُفسد بها البيئة أو المرافق العامة، احتراماً للنظافة، وصوناً لحق الجماعة.

رابعاً: الاستنجاء باليمين

أجمعت الأمة على كراهة الاستنجاء باليد اليمنى، وذهب جمهور العلماء إلى تحريمه إذا تعمّده الشخص بدون عذر، وذلك لحديث النبي ﷺ: “إذا بال أحدكم فلا يأخذنّ ذكره بيمينه، ولا يستنجي بيمينه” [رواه البخاري ومسلم].

فاليد اليمنى في الإسلام مكرمة، تُستخدم للأكل، والمصافحة، ومناجاة الله، وإعطاء الصدقات، فلا يصح استخدامها في إزالة النجاسة أو لمس القاذورات. ومن أسباب هذا الحكم أيضاً التفريق السلوكي بين ما هو طيب وما هو خبيث، حتى يترسخ في نفس المسلم تعظيم الطهارة والحذر من النجاسة.

خامساً: التحدث أثناء قضاء الحاجة

يُكره ويُحرّم التحدث أثناء قضاء الحاجة، سواء بالكلام العادي أو بذكر الله تعالى، إلا لضرورة ملحّة. فعن جابر رضي الله عنه قال: “نهى رسول الله ﷺ أن يذكر الله على الخلاء” [رواه ابن ماجه]. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: “مرّ رجل على رسول الله ﷺ وهو يبول فسلّم عليه فلم يردّ عليه” [رواه مسلم].

ومن الحكمة في ذلك أن موضع قضاء الحاجة ليس محلاً للكلام، لما فيه من انتهاك للستر ورفع للحياء، كما أن ذكر الله يجب أن يكون في حال طهارة واحترام. فالكلام في ذلك الوضع قد يجرّ إلى كشف العورات أو الضحك أو الجدال، وكلها ممارسات منافية لأدب الإسلام.

سادساً: البول واقفاً بلا عذر

ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يغلب عليه قضاء الحاجة قاعداً، ولم يثبت عنه أنه بال واقفاً إلا في حالة واحدة، حين دخل حائطاً لبني سعد، فبال قائماً لمرضٍ في جسده، كما ورد في حديث حذيفة رضي الله عنه.

لذلك فإن البول قائماً مكروه في حق الرجال دون عذر، لأنه قد يؤدي إلى تناثر البول على الثياب، مما ينجّسها ويُبطل الصلاة. وقد قال النبي ﷺ: “أكثر عذاب القبر من البول” [رواه ابن ماجه].

كما أن القعود أكثر حياءً وأشدّ ستراً، وأحفظ للنظافة، وأضمن لعدم تطاير النجاسة، خصوصاً إذا كانت الأرض صلبة أو مرتفعة.

سابعاً: التبول في الماء الراكد

حرّم النبي ﷺ البول في الماء الراكد الذي لا يجري، وذلك لما فيه من أذى للناس وإفساد لمورد الحياة. قال النبي ﷺ: “لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه” [رواه البخاري ومسلم].

وقد فهم العلماء من هذا الحديث أن الماء الراكد يصبح ملوثاً بالنجاسة، فلا يُشرب منه، ولا يُتوضأ به، ولا يُغتسل فيه. وهذا من مظاهر سبق الشريعة الإسلامية إلى مفاهيم الصحة العامة والبيئة النظيفة.

فالماء الراكد قد يتحول إلى مصدر لنقل الجراثيم والطفيليات والأمراض إذا استُخدم كمكان لقضاء الحاجة، وهذا ما تؤكده دراسات الطب الحديث.

ثامناً: مس الذكر بدون حائل أثناء قضاء الحاجة

من آداب قضاء الحاجة أن لا يمس الإنسان فرجه بيده مباشرة إلا لحاجة وبشرط أن تكون اليد اليسرى، مع غسلها بعد الانتهاء. أما أن يمسّ الذكر بلا حائل ثم لا يغسل اليد فهذا من المحرمات التي تؤدي إلى انتقال النجاسة، وقد تؤثر في الطهارة والصلاة.

وقد قال النبي ﷺ: “من مسّ ذكره فليتوضأ” [رواه أحمد].

ويُفهم من الحديث أن المس بغير سبب مشروع أو بدون طهارة يُبطل الوضوء، وهو ما يدل على أهمية التنزه عن النجاسة حتى في تفاصيل السلوك الشخصي.

تاسعاً: التبول في مواضع الرياح أو المرتفعات

من الأمور المنهي عنها أيضاً التبول في مواضع المرتفعات أو في اتجاه الرياح، لما قد يسببه ذلك من رجوع البول على جسد الإنسان وثيابه، ما يؤدي إلى النجاسة والتلوث، وقد يوقعه في إثم الغفلة عن الطهارة.

قال الإمام النووي في “المجموع”: يُكره البول في موضع مرتفع إذا كان يخشى تطاير البول أو أذى الناس. وهذا التحذير يتوافق مع ما جاء في أحاديث أخرى عن وجوب الاستبراء من البول، والتأكد من انقطاعه قبل الاستنجاء.

عاشراً: ذكر الله أثناء الدخول والخروج من الخلاء بدون صيغة مشروعة

يحرم ذكر الله داخل الخلاء، ويُكره التلفظ بالأدعية داخله، إلا أن السنة وردت بالتسمية قبل الدخول، والدعاء بالخروج بعد الخروج. فعن النبي ﷺ أنه كان يقول عند دخول الخلاء: “اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث” [رواه البخاري]. وكان يقول عند الخروج: “غفرانك” [رواه أبو داود].

والسر في ذلك أن الخلاء موضع نجاسة ومأوى للشياطين، فلا يُناسبه ذكر الله، لأنه موضع يُستعاذ فيه من الشر لا يُنادى فيه بالخير.

جدول يوضح المحرمات عند قضاء الحاجة وعللها

الخلاصة

إن ما يحرم فعله عند قضاء الحاجة ليس فقط تشريعات تعبّدية، بل هو منظومة متكاملة من الآداب التي تصون الإنسان جسدياً وروحياً، وتحفظ له كرامته ونظافته، وتعزز فيه قيمة الطهارة التي هي شطر الإيمان. وقد جاءت هذه المحرمات مقرونة بأسبابها الشرعية والعقلية، بما يضمن أن يكون سلوك المسلم في كل أحواله – حتى في قضاء حاجته – منضبطاً بضوابط الشرع، محترماً للبيئة، ومراعياً لحقوق الناس. وهذا من دلائل شمول الإسلام وسمو مبادئه.

المراجع:

1. صحيح البخاري ومسلم

2. النووي، “المجموع شرح المهذب”