فوائد السحلب وقيمته الغذائية

السحلب: المشروب الشتوي الدافئ وتاريخه العريق وفوائده الصحية

يُعد السحلب من المشروبات التقليدية المعروفة في منطقة الشرق الأوسط وتركيا والبلقان، وهو مشروب دافئ يُستهلك بكثرة في فصل الشتاء، ويتميز بقوامه الكثيف وطعمه الحلو المميز. يُحضَّر السحلب تقليديًا من مسحوق جذور نبتة الأوركيد البري، ويُعرف علميًا باسم Orchis mascula أو Orchis militaris، ويطلق على المسحوق المستخلص منها اسم “سحلب”. وقد أصبح هذا المشروب رمزًا للدفء والحنين في البيوت والمقاهي خلال أشهر البرد، نظراً لتاريخه العريق وقيمته الغذائية العالية.

أصل السحلب وتاريخه

يرجع أصل السحلب إلى العصور العثمانية، حيث كان يُستخدم كمشروب شعبي في بلاط السلطنة العثمانية، ويتم تقديمه خلال المناسبات والأعياد، ثم انتقل إلى باقي مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأجزاء من أوروبا. وقد كان يُعتبر من المشروبات الفاخرة، نظرًا لندرة المادة الخام التي تُستخرج من جذور الأوركيد، ما جعله في بعض الأزمنة باهظ الثمن ويُستهلك في الطبقات الأرستقراطية.

في إنجلترا خلال القرن الثامن عشر، عُرف السحلب باسم “salep drink” وكان يُقدَّم كمشروبٍ علاجي يُخلط بالحليب والعسل. وقد استخدمه الأوروبيون كبديل للكاكاو قبل أن ينتشر مشروب الشوكولاتة الساخنة في أوروبا.

مكونات السحلب التقليدي

المكون الأساسي للسحلب هو مسحوق جذور الأوركيد المجففة والمطحونة، وهي مادة نشوية غنية بالمركبات المخاطية الطبيعية، والتي تمنح السحلب قوامه الكثيف والمميز. ولكن نظراً لارتفاع تكلفة هذا المسحوق وصعوبة الحصول عليه، تُستخدم اليوم بدائل صناعية أو نشويات نباتية مثل نشا الذرة في إعداد السحلب التجاري، بينما تُضاف النكهات مثل ماء الورد أو ماء الزهر، وتزيينه بالمكسرات والقرفة.

المكونات التقليدية للسحلب:

• مسحوق جذور الأوركيد (السحلب الحقيقي)

• الحليب الكامل الدسم

• السكر

• ماء الورد أو الزهر (اختياري)

• القرفة المطحونة للتزيين

• المكسرات (مثل الفستق الحلبي أو الجوز أو جوز الهند)

القيمة الغذائية والفوائد الصحية

يمتاز السحلب بتركيبة غذائية غنية وذات فوائد طبية متعددة، خاصة إذا تم تحضيره بمسحوق السحلب الطبيعي، حيث تحتوي جذور الأوركيد على مركبات غذائية مثل السكريات المخاطية، النشاء النباتي، الكالسيوم، والمغنيسيوم، مما يجعله خيارًا صحيًا في الطقس البارد.

1. تعزيز صحة الجهاز الهضمي

تُعد المركبات المخاطية في جذور السحلب فعالة في تهدئة المعدة ومعالجة التهابات الأمعاء، كما تُستخدم تقليديًا لعلاج الإسهال والقولون العصبي. كما أن قوامه السميك يساعد في تغليف بطانة المعدة وتقليل الحموضة.

2. تعزيز المناعة

يحتوي السحلب على كميات جيدة من مضادات الأكسدة والمعادن التي تساهم في تقوية الجهاز المناعي، خصوصاً عند إضافة الحليب الغني بالبروتينات والفيتامينات.

3. توفير الطاقة والدفء

السحلب غني بالكربوهيدرات والسكريات الطبيعية، مما يجعله مشروباً ممتازاً لرفع مستوى الطاقة، خاصة في فصول الشتاء الباردة. كما أنه يُشعِر بالدفء عند تناوله، وهو سبب شائع لتفضيله خلال الأيام الباردة.

4. تحسين المزاج وتخفيف التوتر

يحتوي السحلب على عناصر مهدئة تساعد في تقليل القلق والتوتر، خاصة إذا تم تناوله قبل النوم، كما أن طعمه المميز ورائحته الزكية تعززان من الإحساس بالراحة النفسية.

السحلب بين الطب الشعبي والطب الحديث

في الطب الشعبي، كان يُستخدم السحلب لعلاج أمراض كثيرة مثل الرشح، السعال، آلام المفاصل، والإرهاق العام. وكان الأطباء القدامى ينصحون المرضى بتناوله مع العسل لتعزيز الخصوبة وزيادة النشاط الجنسي، حيث يُعتقد أن له خصائص منشطة للجهاز التناسلي.

أما في الطب الحديث، فإن الدراسات التي أُجريت على جذور الأوركيد أشارت إلى احتوائها على مركبات نباتية تساعد في تحسين الهضم، وتحتوي على مضادات أكسدة يمكن أن تساهم في تقليل الالتهابات. غير أن الدراسات حول فوائد السحلب لا تزال محدودة نسبيًا، خصوصًا في حال تحضيره من البدائل الصناعية، حيث تقلّ الفوائد الصحية مقارنة بالنسخة الأصلية.

طرق تحضير السحلب

الوصفة التقليدية بالسحلب الطبيعي:

المكونات:

• 2 كوب من الحليب الكامل الدسم

• 1 ملعقة صغيرة من مسحوق السحلب الطبيعي

• 2 ملعقة كبيرة من السكر

• 1 ملعقة صغيرة من ماء الورد أو ماء الزهر

• قرفة ومكسرات للتزيين

طريقة التحضير:

1. يُذاب مسحوق السحلب في كمية صغيرة من الحليب البارد لتجنب التكتلات.

2. يُسخَّن الحليب المتبقي في قدر على نار متوسطة، ويُضاف إليه خليط السحلب المذوّب والسكر.

3. يُحرَّك المزيج باستمرار حتى يثخن ويصبح القوام ناعماً وكثيفاً.

4. يُضاف ماء الورد أو الزهر ويُحرَّك قليلاً.

5. يُصب في أكواب ويُزيَّن بالقرفة والمكسرات.

بدائل السحلب الطبيعي

نظراً لصعوبة الحصول على مسحوق السحلب الطبيعي وارتفاع ثمنه، تُستخدم في الأسواق تركيبات صناعية تحتوي على نشا الذرة كمادة مكثفة بديلة، بالإضافة إلى نكهات صناعية. وعلى الرغم من أن الطعم قد يقترب من النسخة الأصلية، إلا أن الفوائد الصحية تكون أقل بسبب غياب المكونات النباتية النشطة.

الجدول التالي يُوضّح مقارنة بين السحلب الطبيعي والسحلب الصناعي:

السحلب في الثقافات المختلفة

في تركيا، يُعد مشروب السحلب جزءًا من الهوية الثقافية، ويتم تقديمه في المقاهي على مدار الشتاء، وغالبًا ما يُصاحب رشة قرفة أو كاكاو على الوجه. وقد تم تقنين تصدير السحلب الطبيعي في تركيا بسبب تناقص أعداد نبتة الأوركيد البرية، التي يُهددها الجمع الجائر.

في بلاد الشام، وخاصة في سوريا ولبنان وفلسطين، يُقدَّم السحلب في المنازل والمناسبات الخاصة. ويُستخدم ماء الزهر والفستق الحلبي لإضافة نكهة غنية ومميزة. وفي مصر، يُباع السحلب في الأكشاك كمشروب شتوي شعبي يُستهلك بكثرة إلى جانب مشروبات مثل الحلبة والزنجبيل.

أما في أوروبا، فقد انقرض تقريبًا استخدام مسحوق السحلب الطبيعي واستُبدل بالمكونات الصناعية، ولكن بعض المقاهي الفاخرة تُقدمه كمشروب تراثي نادر.

مخاطر استخدام السحلب المقلد

مع تزايد الطلب على السحلب في الأسواق، تنتشر منتجات غير أصلية قد تحتوي على نكهات صناعية ومحليات غير صحية ومواد حافظة. لذلك، يُنصح المستهلكون بقراءة المكونات بعناية والتأكد من جودة المنتج واحتوائه على مكونات طبيعية، خاصة لمن يعانون من الحساسية أو أمراض الجهاز الهضمي.

خاتمة

يُعد السحلب أكثر من مجرد مشروب شتوي، فهو يمثل جزءًا من تراث شعوب ومجتمعات، حيث يتقاطع فيه التاريخ بالمذاق والفائدة الصحية. من الجلسات العائلية إلى المقاهي الشتوية، يبقى السحلب رمزاً للدفء والتقاليد، يحمل في نكهته لمسة من الماضي، وفي قوامه غذاءً للجسم والروح.

المراجع

1. Davis, P.H. Flora of Turkey and the East Aegean Islands, Edinburgh University Press, 1984.

2. “Salep: The Revival of an Ottoman Tradition”, Turkish Cultural Foundation, turkishculture.org.