زيد بن الحسين: سيرة أمير هاشمي ودوره في التاريخ العربي الحديث

يُعد زيد بن الحسين من الشخصيات التاريخية البارزة في الساحة السياسية والاجتماعية العربية خلال النصف الأول من القرن العشرين. وُلد في ظل تحولات عميقة اجتاحت العالم العربي نتيجة التدخلات الأجنبية، وصعود النزعة القومية، وتفتت الإمبراطورية العثمانية، فكان جزءًا من جيلٍ هاشمي انخرط في مشاريع النهضة وبناء الدولة الحديثة في المنطقة، بدءًا من الثورة العربية الكبرى وصولاً إلى محاولات تأسيس نظم ملكية في المشرق العربي. ينتمي زيد إلى العائلة الهاشمية التي كانت لها اليد الطولى في قيادة الثورة ضد الحكم العثماني، وكانت تطمح إلى إنشاء دولة عربية موحدة تمتد من المحيط إلى الخليج، لكنه عاش في مرحلة تميزت بصراعات النفوذ بين القوى الاستعمارية، ما جعل مسيرة حياته انعكاسًا لتحولات كبرى شهدها العالم العربي.

النسب والنشأة

وُلد زيد بن الحسين في مدينة مكة المكرمة في الثاني من شهر أبريل عام 1898، وهو الابن الأصغر للشريف الحسين بن علي، شريف مكة وقائد الثورة العربية الكبرى، وأحد أبرز الوجوه السياسية التي واجهت الدولة العثمانية وسعت إلى توحيد العرب تحت راية القومية والاستقلال. والدته هي عابدية بنت عبد الإله، من الأسر الشريفة في الحجاز. نشأ زيد في بيتٍ سياسي من الطراز الأول، حيث كان أبناؤه الآخرون عبد الله (ملك الأردن لاحقًا)، وفيصل (ملك العراق)، وعلي (ملك الحجاز لفترة وجيزة) من أبرز القادة الذين تولوا مناصب عليا في الدول العربية الناشئة بعد الحرب العالمية الأولى.

تلقى زيد تعليمه الأولي في الحجاز، حيث تشرّب مبادئ الدين واللغة العربية والتاريخ الإسلامي، ثم أُرسل إلى مدارس في إسطنبول حينما كانت عائلة الشريف الحسين لا تزال تربطها صلات بالإمبراطورية العثمانية. وبعدها، التحق بمدرسة “هارو” البريطانية المرموقة، ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة كامبريدج، وهو ما منحه خلفية ثقافية غربية واسعة مكّنته من التفاعل مع القوى الدولية، والتعبير عن قضايا العرب بلغة عالمية.

مشاركته في الثورة العربية الكبرى

في عام 1916، حينما أعلن الشريف الحسين بن علي الثورة العربية الكبرى ضد الحكم العثماني بدعم بريطاني، كان زيد لا يزال فتىً في سن المراهقة، لكنه شارك بفعالية في مجريات تلك الثورة إلى جانب إخوانه. لعب دورًا عسكريًا في الحملات الميدانية، ورافق القوات العربية في مسيرتها نحو تحرير مدن الحجاز ثم التوجه شمالًا إلى بلاد الشام. تميز بشجاعته وقدرته على التكيف مع الظروف العسكرية الصعبة، واعتُبر من العناصر الشابة التي كانت تُعد لتولي مسؤوليات مستقبلية في الدولة العربية التي سعى الشريف الحسين إلى تأسيسها.

الدور الدبلوماسي وزعامته في بلاد الرافدين

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وتوقيع اتفاقية سايكس–بيكو وتقسيم المشرق العربي بين النفوذين البريطاني والفرنسي، بدأ الغرب في توجيه مسارات الحكم في المنطقة بما يتناسب مع مصالحه الاستعمارية. وبالرغم من الوعود البريطانية للعرب بدعم استقلالهم، فإن الواقع كان مختلفًا، إذ تم فرض الانتداب الفرنسي على سوريا والبريطاني على العراق وفلسطين.

تقرر أن يتولى الأمير فيصل بن الحسين الحكم في العراق تحت إشراف بريطاني، وعبد الله في شرق الأردن. أما زيد، فلم يُمنح منصبًا ملكيًا كأخويه، بل تم تعيينه كمبعوث وسفير للمملكة العراقية في أكثر من مكان، فكان بذلك حلقة الوصل الدبلوماسية بين الدولة العراقية الناشئة والمجتمع الدولي، وخاصة بريطانيا.

عُيِّن زيد سفيرًا للعراق في لندن في ثلاثينيات القرن العشرين، وهو المنصب الذي حافظ عليه لسنوات طويلة، وبه تمكّن من بناء علاقات دبلوماسية قوية مع المسؤولين البريطانيين، مدافعًا عن مصالح العراق وقضايا العرب بشكل عام. وفي هذا الإطار، ساهم في تطوير العلاقات البريطانية-العراقية، وسعى إلى إقناع بريطانيا بأهمية احترام سيادة العراق وتقوية دعائم الدولة المستقلة، غير أن السياق الاستعماري لم يكن مواتيًا لتحقيق تلك الطموحات.

الدور السياسي بعد سقوط النظام الملكي

في عام 1958، وقع الانقلاب العسكري بقيادة عبد الكريم قاسم في العراق، وهو الحدث الذي أنهى الحكم الهاشمي في البلاد، وأدى إلى مقتل الملك فيصل الثاني، حفيد فيصل الأول، وعدد كبير من أفراد الأسرة المالكة. كان الأمير زيد حينها خارج العراق، يُقيم في لندن، فعُدَّ الناجي الوحيد من العائلة الحاكمة.

باعتباره آخر الذكور من سلالة الملك فيصل الأول على قيد الحياة، اعتُبر الأمير زيد، من الناحية النظرية، الوريث الشرعي للعرش العراقي وفق الترتيب الدستوري الهاشمي. ورغم ذلك، لم يحاول استعادة الحكم بالقوة، ولم يظهر طموحات صريحة في هذا الاتجاه، بل عاش في المنفى في لندن حتى وفاته، مكتفيًا بموقعه الرمزي، ومدافعًا عن إرث العائلة الهاشمية في العراق.

الجوانب الفكرية والثقافية

امتاز زيد بن الحسين بثقافة واسعة جمعت بين المعرفة الإسلامية التقليدية والعلوم الغربية الحديثة. وكان له اهتمام عميق بالتاريخ العربي والإسلامي، والكتابات الكلاسيكية، والسياسة الدولية. كما نشر بعض المقالات والخطابات، التي عكست رؤيته حول مستقبل العالم العربي، ومعضلات الاستقلال، والهوية، وتحديات الحداثة.

تجلّت رؤيته السياسية في تمسكه بالقومية العربية، والدعوة إلى وحدة العرب، ومواجهة الاستعمار الغربي بشتى أشكاله. كما أولى اهتمامًا كبيرًا بالدبلوماسية الثقافية، معتقدًا أن العرب قادرون على بناء علاقات مع الدول الغربية لا على أساس التبعية، وإنما على أساس الشراكة والاحترام المتبادل.

الحياة الشخصية والنسب الملكي

تزوج الأمير زيد من الأميرة فخر النساء زيد، وهي فنانة تركية الأصل ومثقفة بارزة، عُرفت بإسهاماتها في الفن التشكيلي والحياة الثقافية في العراق، ثم في أوروبا بعد الانقلاب. وقد أنجب منها ابنًا واحدًا، الأمير رعد بن زيد، الذي أصبح بدوره الشخصية الرمزية للهاشميين في العراق، على الرغم من أن الحكم في العراق لم يعد ملكيًا بعد عام 1958.

يمتد نسب الأمير زيد بن الحسين إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، عبر الحسن بن علي بن أبي طالب، ما جعله من الأشراف ذوي المكانة الروحية والاجتماعية في المجتمعات الإسلامية، وهو عنصر كان له وزن كبير في صعود العائلة الهاشمية سياسيًا في أوائل القرن العشرين.

وفاته وإرثه

توفي الأمير زيد بن الحسين في لندن في 18 أكتوبر 1970، ودُفن في مقبرة بروكود في العاصمة البريطانية. ورغم أنه لم يتولَّ يومًا منصبًا ملكيًا فعليًا، إلا أن سيرته تعبّر عن مرحلة معقدة من تاريخ العرب الحديث، وعن معاناة قادة حاولوا تحقيق نهضة عربية في وجه مؤامرات التقسيم والهيمنة الأجنبية.

ترك زيد إرثًا من الانضباط السياسي والدبلوماسي، وذاكرة تاريخية حافلة بالمواقف التي تشهد على عمق التحديات التي واجهتها الدولة العربية الحديثة في طور نشأتها. كما يُعد اسمه رمزًا للأمل في مشروع الوحدة العربية الذي لم يتحقق، وصورة من صور النبل السياسي في زمن كثرت فيه الصراعات والانقسامات.

جدول – تسلسل زمني لحياة الأمير زيد بن الحسين

الخاتمة

إن سيرة الأمير زيد بن الحسين تمثل مرآة صادقة لتاريخ العرب في مطلع القرن العشرين، حيث تقاطعت الأحلام القومية مع صراعات النفوذ الاستعماري، وبرزت الحاجة إلى رجال دولة قادرين على قيادة التحول نحو استقلال حقيقي ونهضة شاملة. وبينما بقي اسمه أقل شهرة من إخوته الملوك، فإن زيد بن الحسين يمثل جزءًا لا يتجزأ من ملحمة بناء الدولة العربية الحديثة، وجسرًا بين التاريخ المجيد للعرب وطموحاتهم في الحرية والوحدة.

المصادر:

1. علي محافظة، الحركة القومية العربية: نشأتها وتطورها 1908–1984، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.

2. Efraim Karsh, Empires of the Sand: The Struggle for Mastery in the Middle East, 1789–1923, Harvard University Press.