مسبار الأمل: إنجاز إماراتي للمريخ

مسبار الأمل: مشروع إماراتي نحو المريخ واستكشاف الفضاء

في خطوة تُعد من أجرأ وأهم المبادرات العلمية في تاريخ العالم العربي، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة مسبار الأمل، كأول مشروع عربي لاستكشاف كوكب المريخ، وذلك ضمن “مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ”. هذا المشروع لم يكن فقط محاولة تقنية طموحة لدخول مجال الفضاء العميق، بل كان أيضًا إنجازًا وطنيًا يعكس تطلعات دولة الإمارات إلى الريادة في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار، ويمثل تتويجًا لرؤية استراتيجية طويلة المدى لبناء اقتصاد معرفي متطور قائم على البحث العلمي والاستدامة.

يتسم مسبار الأمل بطموحاته العلمية الدقيقة والمحددة، وكذلك بتصميمه الهندسي والتقني الفريد الذي مكّنه من عبور مسافة تزيد عن 480 مليون كيلومتر، والوصول إلى مدار المريخ في رحلته التي بدأت في يوليو 2020. وقد أصبحت الإمارات بذلك خامس دولة في التاريخ تصل إلى المريخ، وأول دولة عربية وإسلامية تنجح في إرسال مهمة علمية إلى الكوكب الأحمر.

السياق التاريخي والدوافع وراء المشروع

تعود فكرة إطلاق مسبار الأمل إلى إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة (رحمه الله)، في عام 2014 عن نية الدولة إطلاق مشروع لاستكشاف كوكب المريخ. وقد جاءت هذه المبادرة في الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات، كرمز لتطلع الدولة إلى المستقبل واحتفالًا بإنجازاتها المتنامية في مختلف المجالات، وخاصة في العلوم والابتكار.

الدافع الأساسي وراء المشروع لم يكن فقط الفضول العلمي أو المنافسة الدولية، بل رغبة حقيقية في إلهام الشباب العربي وتمكينهم، وتعزيز حضور الأمة العربية على الساحة العلمية العالمية بعد قرون من التراجع العلمي. كما شكّلت المهمة جزءًا من استراتيجية وطنية طموحة تهدف إلى تطوير كوادر إماراتية مؤهلة في مجالات الفضاء، والهندسة، والعلوم الدقيقة.

الأهداف العلمية لمسبار الأمل

مسبار الأمل صُمم خصيصًا لفهم الغلاف الجوي لكوكب المريخ، ومتابعة تغيراته اليومية والموسمية. بعكس المهام السابقة التي كانت تركّز على مواقع جغرافية معينة أو على بيانات جزئية، كان هذا المسبار يهدف إلى تقديم صورة شاملة ثلاثية الأبعاد لحالة الغلاف الجوي للمريخ على مدار اليوم وفي مختلف الفصول.

من بين الأهداف العلمية للمهمة:

• دراسة الطبقات العليا من الغلاف الجوي للمريخ، وخاصة سلوك الهيدروجين والأكسجين، لفهم كيفية تسرب الغازات إلى الفضاء.

• تحليل العلاقة بين الطبقات السفلية والعليا للغلاف الجوي، وكيفية تأثير الطقس المحلي على فقدان الغلاف الجوي.

• بناء أول خريطة مناخية شاملة للمريخ تتغير على مدار اليوم والفصول.

تم اختيار هذه الأهداف بالتعاون مع وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، والعديد من المؤسسات البحثية الدولية، وذلك لضمان القيمة العلمية الفعلية للمهمة ومساهمتها في قاعدة البيانات العالمية عن المريخ.

التقنيات والمكونات الرئيسية للمسبار

تم تصميم مسبار الأمل في مركز محمد بن راشد للفضاء بالتعاون مع مجموعة من الجامعات والمراكز البحثية في الولايات المتحدة مثل جامعة كولورادو بولدر، وجامعة كاليفورنيا بيركلي، وجامعة ولاية أريزونا.

المسبار يتكون من عدة أنظمة متكاملة تشمل:

1. الهيكل الخارجي والمكونات الحرارية: تم تصميم الهيكل الخارجي ليكون خفيفًا ومتينًا، مصنوعًا من الألمنيوم المركب، ومزودًا بعوازل حرارية لتحمّل الظروف القاسية في الفضاء.

2. أنظمة الاتصالات: يستخدم المسبار هوائيًا عالي الكسب للاتصال مع محطة التحكم الأرضية، عبر موجات الراديو بتردد X-band، مما يسمح بإرسال واستقبال البيانات والصور.

3. أنظمة الدفع والملاحة: يعتمد على محركات دفع صغيرة تعمل بالهيدرازين، تمكنه من تعديل سرعته ومساره في الفضاء للوصول إلى مدار المريخ بدقة عالية.

4. الأنظمة العلمية: يتضمن ثلاث أدوات رئيسية:

   • مقياس الطيف بالأشعة فوق البنفسجية (EMUS): يدرس الطبقات العليا من الغلاف الجوي.

   • مقياس الطيف بالأشعة تحت الحمراء (EMIRS): يحلل مكونات الطبقات السفلى.

   • الكاميرا متعددة الأطياف (EXI): تلتقط صورًا عالية الجودة للمريخ وتساعد على دراسة السحب والعواصف الترابية والضباب.

رحلة مسبار الأمل إلى المريخ

انطلقت المهمة في 20 يوليو 2020 من مركز “تانيغاشيما” الفضائي في اليابان، بواسطة صاروخ “H-IIA” الياباني، بعد عدة تأجيلات بسبب الظروف الجوية. قطعت الرحلة حوالي 493 مليون كيلومتر في سبعة أشهر، ووصل المسبار إلى مدار المريخ في 9 فبراير 2021، في موعد يتزامن مع احتفالات دولة الإمارات بيوبيلها الذهبي.

وقد تم إدخال المسبار إلى مدار الالتقاط العلمي حول المريخ بنجاح بعد مناورة دقيقة استغرقت حوالي 27 دقيقة، استهلك خلالها أكثر من نصف كمية الوقود المخزنة لديه، ونجحت فرق التحكم الأرضية في إنجاحها بدقة استثنائية.

الجدول الزمني للمرحلة العلمية

فيما يلي جدول يوضح المراحل الزمنية الرئيسية لمسبار الأمل:

الأثر المحلي والعالمي للمشروع

أحدث مسبار الأمل تأثيرًا واسعًا على المستويين المحلي والعالمي. محليًا، أسهم المشروع في:

• تعزيز ثقة الشباب الإماراتي والعربي في قدراتهم العلمية.

• تطوير كفاءات وطنية متخصصة في علوم الفضاء.

• رفع مستوى التعليم التقني والبحثي في الجامعات الإماراتية.

• تحفيز المشاريع الفضائية العربية، حيث بدأت دول مثل السعودية ومصر في وضع خطط مماثلة.

أما عالميًا، فقد تم الإشادة بالمشروع من قبل وكالات الفضاء الكبرى مثل ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، نظرًا لاحترافيته العلمية وسلاسة تنفيذه، كما أضاف قيمة نوعية للبحوث الجارية حول مناخ المريخ وأسباب تحوّل الكوكب إلى بيئة غير قابلة للحياة.

تحديات واجهت المسبار

لم تكن المهمة خالية من التحديات. أبرز هذه التحديات كانت:

• تطوير مسبار في وقت قياسي لا يتجاوز 6 سنوات، في حين أن المهمات المشابهة تستغرق عادة 10 سنوات على الأقل.

• إطلاق المسبار في فترة زمنية ضيقة مرتبطة بدورة اقتراب المريخ من الأرض والتي تحدث كل 26 شهرًا.

• إجراء المناورات الدقيقة في الفضاء العميق وسط احتمالات فشل مرتفعة.

ورغم ذلك، أثبت الفريق الإماراتي قدرته على التعامل مع هذه الصعوبات بنجاح باهر، ما جعل المهمة نموذجًا يحتذى به في الإدارة والاحتراف العلمي.

مسبار الأمل والنظرة المستقبلية

مهمة مسبار الأمل لا تنتهي عند جمع البيانات العلمية فقط، بل تعد نقطة انطلاق نحو طموحات فضائية أوسع. فقد أعلنت دولة الإمارات عن خطط مستقبلية تشمل:

• إنشاء مستوطنة بشرية على كوكب المريخ بحلول عام 2117.

• تطوير مركز علمي فضائي عالمي في دبي.

• الاستمرار في إرسال مهام فضائية جديدة، بما في ذلك مهام إلى كويكبات ونظم شمسية أخرى.

يأتي ذلك ضمن استراتيجية الإمارات للفضاء 2030 التي تهدف إلى جعل الدولة من الرواد العالميين في قطاع الفضاء.

الخاتمة

مثّل مسبار الأمل إنجازًا غير مسبوق في تاريخ العالم العربي المعاصر، حيث أثبت أن الطموح العلمي العربي قادر على اختراق حدود الأرض والوصول إلى أبعد الكواكب. هذا المشروع لا يعبر فقط عن تطور تقني، بل عن تطلع حضاري متكامل يعيد ربط العالم العربي بماضيه العلمي المجيد، ويضع أسسًا حقيقية لمستقبل قائم على المعرفة والإبداع. ومن خلال “الأمل”، بعثت دولة الإمارات رسالة ملهمة إلى كل شاب عربي بأن الحلم يمكن أن يصبح واقعًا حين يترافق مع العلم والعمل والإرادة.

المصادر:

1. وكالة الإمارات للفضاء – https://space.gov.ae

2. مركز محمد بن راشد للفضاء – https://mbrsc.ae