أفضل ما يقال يوم عرفة
يوم عرفة من أعظم الأيام في السنة الهجرية، وله شأن عظيم في حياة المسلمين، إذ يتجلى فيه الفضل الإلهي والرحمة الربانية، وتتوافد فيه القلوب المؤمنة إلى ساحة المغفرة، سواء أكانوا واقفين على جبل عرفة يؤدون مناسك الحج، أم كانوا في سائر بقاع الأرض يترقبون هذا اليوم بأعمال البر والتقوى. يحتل يوم عرفة منزلة عظيمة في الإسلام، فهو اليوم الذي يسبق عيد الأضحى المبارك، وفيه تكتمل أعظم أركان الحج، ألا وهو الوقوف بعرفة. ولأن هذا اليوم يمثّل ذروة أيام العبادة، كان لا بدّ أن يُخصّ بمزيد من الذكر والدعاء، فكان السؤال الدائم: ما أفضل ما يُقال في هذا اليوم المبارك؟
في هذا المقال، سيتم تسليط الضوء على الأدعية والأذكار المستحبة في يوم عرفة، مدعومة بالأدلة الشرعية من السنة النبوية، وموضحة لفضائل الذكر في هذا اليوم، وكيفية توظيف هذا اليوم العظيم في كسب الحسنات ومغفرة الذنوب.
منزلة يوم عرفة في الإسلام
إن يوم عرفة يوم من الأيام المعلومات التي أثنى الله عليها في كتابه، قال تعالى:
﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: 28].
وقد فسر جمهور العلماء أن الأيام المعلومات تشمل يوم عرفة ضمنها. وقد خصّه الله تعالى بفضائل لا تعد ولا تحصى، من بينها:
-
أنه اليوم الذي يُعتق فيه الله من النار أكثر مما يُعتق في سائر الأيام.
-
أنه يوم إكمال الدين، فقد قال تعالى:
﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗا﴾ [المائدة: 3]. -
أنه يوم مشهود، قال رسول الله ﷺ:
«اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة» رواه الترمذي.
أفضل ما يُقال يوم عرفة
جاءت السنّة النبوية بالحثّ على الإكثار من الذكر والدعاء في هذا اليوم المبارك، ومن أعظم ما يُقال في يوم عرفة:
1. التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح
قال النبي ﷺ:
«أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» رواه الترمذي.
هذا الذكر يُعد من أعظم الأذكار التي تتلى في هذا اليوم، لما فيه من توحيد خالص، وثناء على الله عز وجل، وتأكيد للعبودية الكاملة له سبحانه.
يُستحب الإكثار من هذا الذكر في كل وقت من يوم عرفة، سواء في أثناء الدعاء أو أثناء الطواف أو عند التلبية أو غير ذلك.
2. الدعاء بالمغفرة والرحمة والعتق من النار
في يوم عرفة، يُعتق الله رقاب عباده من النار، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال:
«ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة» رواه مسلم.
فيُستحب أن يكثر العبد في هذا اليوم من الدعاء بالمغفرة، وأن يطلب العتق من النار، فهو مطلب كل مؤمن يرجو رحمة الله ويخشى عذابه.
3. دعاء الخضوع والخشوع
الدعاء في يوم عرفة ينبغي أن يكون ممزوجاً بالخضوع والتذلل بين يدي الله، وقد روي أن السلف الصالح كانوا يدعون الله في يوم عرفة بالبكاء والرجاء، ويتوسلون إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، قائلين:
“اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عني، اللهم لا تردنا خائبين، واغفر لنا ذنوبنا، واكتبنا من المقبولين.”
الدعاء في يوم عرفة ليس مرتبطاً بصيغة محددة، وإنما الأفضل أن يكون دعاءً نابعا من القلب، متنوعًا، شاملاً لأمور الدين والدنيا، للعبد ولأهله وأمته.
4. الصلاة على النبي ﷺ
من أفضل القربات في كل وقت، وتزداد بركتها في الأيام الفاضلة. قال النبي ﷺ:
«من صلّى عليّ صلاةً صلّى الله عليه بها عشرًا» رواه مسلم.
آداب الدعاء يوم عرفة
لتحقيق أقصى أثر وفضل للدعاء في هذا اليوم، ينبغي مراعاة الآداب التالية:
-
الطهارة واستقبال القبلة: مع الخشوع وخفض الصوت.
-
الابتداء بالثناء على الله والصلاة على النبي ﷺ.
-
الاعتراف بالذنب وطلب المغفرة.
-
الإلحاح وعدم الاستعجال بالإجابة.
-
الدعاء لجميع المسلمين وليس للنفس فقط.
-
رفع اليدين في التضرع إلى الله تعالى.
فضل الدعاء يوم عرفة للحاج وغير الحاج
من المعلوم أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم، ولكن من الخطأ الشائع أن يُظن أن فضل يوم عرفة يقتصر على الحجاج فقط. فقد ثبت في الصحيح أن النبي ﷺ قال:
«صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده» رواه مسلم.
فهذا الحديث يدل على أن غير الحجاج ينالون أجراً عظيماً أيضاً، خاصة بالصيام والدعاء والذكر في هذا اليوم.
ويكون الدعاء في حق غير الحاج أعظم ثوابًا إن اقترن بالصيام، إذ يجتمع له فضل الصيام وفضل الدعاء وفضل اليوم المبارك.
نماذج أدعية جامعة ليوم عرفة
فيما يلي مجموعة من الأدعية التي يُستحب الدعاء بها في يوم عرفة، ويمكن الدعاء بها أو بما يشبهها:
اللهم اجعلني من عتقائك من النار، ومن المقبولين في هذا اليوم العظيم، واكتب لي في كل دعاء نورًا وبركة.
اللهم اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني.
اللهم لا تحرمني من فضلك ورحمتك، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
اللهم ارزقني التوفيق في الدنيا والآخرة، ووفقني لما تحب وترضى.
اللهم بارك لي في عمري، واغفر لوالديّ ولأهلي وللمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
دعاء يوم عرفة من السنة النبوية
لم يرد عن النبي ﷺ صيغة محددة طويلة للدعاء يوم عرفة، ولكن ورد أنه كان يكثر من:
«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير»
وهذا الذكر يُعدّ من أعظم صيغ التوحيد التي تحمل معاني العبودية والتسليم والخضوع لله عز وجل، وفيه إثبات للوحدانية، وتنزيه لله، وإقرار بملكه وقدرته، وشكر على نعمه، وتعظيم لشأنه.
حال السلف يوم عرفة
كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين يحرصون أشد الحرص على اغتنام هذا اليوم. يقول الإمام الشافعي:
“رأيت الناس بمكة مجتمعين، فلم أرَ مثل يوم عرفة”،
وكان سعيد بن جبير إذا دخل يوم عرفة لم يرفع بصره إلى السماء حتى تغرب الشمس، من شدة خشوعه.
وكان بعضهم يدعو بدعاء واحد طوال اليوم كله، خشية أن يختم له الدعاء في لحظة الإجابة، فيكون ذلك ختامًا لطلبه.
أثر الدعاء يوم عرفة في النفس
للدعاء في هذا اليوم أثر عظيم في تزكية النفس وتهذيبها، فهو لحظة صفاء وصدق مع الله، فيه يستحضر المسلم تقصيره، ويقف بين يدي ربه متذللًا، راجيًا رحمته، طامعًا في عفوه، وهو شعور يعيد الإنسان إلى فطرته، ويملأ قلبه بالإيمان واليقين.
إن الإكثار من الدعاء يوم عرفة يُعدّ من أقوى الوسائل لتحقيق الطمأنينة والسكينة، وإحياء الأمل في النفس، وتجديد العهد مع الله.
جدول مقترح لأفضل ما يُقال في يوم عرفة
| التوقيت | العمل المفضل | الذكر أو الدعاء |
|---|---|---|
| بعد الفجر | نية صيام اليوم + صلاة الفجر جماعة | “اللهم تقبل صيامي، ووفقني لذكرك وشكرك” |
| من الضحى حتى الزوال | الإكثار من الذكر والتكبير | “لا إله إلا الله وحده لا شريك له…” |
| قبيل الظهر | صلاة الظهر في أول وقتها + أذكار | “اللهم اغفر لي وارحمني واهدني” |
| من بعد الظهر حتى العصر | التفرغ للدعاء وتلاوة القرآن | دعاء المغفرة والرحمة والقبول |
| من بعد العصر حتى المغرب | أشد أوقات الإجابة | دعاء شامل: للعفو، الرزق، التوفيق، الجنة |
الخلاصة
إن يوم عرفة ليس مجرد يوم في التقويم الهجري، بل هو يوم مصيري في حياة المسلم، فيه تُعتق الرقاب وتُمحى الذنوب وتُقبل التوبات، والدعاء فيه مُجاب بإذن الله. الإكثار من التهليل والتكبير والدعاء الخالص هو أعظم ما يُقال فيه. ولأن هذا اليوم لا يتكرر إلا مرة في العام، فإن استغلاله بالإخلاص الكامل في الذكر والدعاء والعبادة هو ما يليق بمن يرجو فضل الله ورحمته، ويتطلع إلى الفوز برضاه في الدنيا والآخرة.
المراجع:
-
صحيح مسلم، كتاب الصيام
-
الترمذي، كتاب الدعوات
