عبد الله بن مسعود: عالم الإسلام

عبد الله بن مسعود: أحد كبار الصحابة وأعلام الدين الإسلامي

عبد الله بن مسعود بن غافل الهُذلي القرشي، من أبرز الصحابة الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم، وواحد من أئمة العلم والدين في عصره. شهد له النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالفضل والمكانة، وبرز في كثير من المواقف التي أثبت فيها صدقه وإيمانه العميق برسالة الإسلام. كان من أوائل من دخلوا في الإسلام، ومن المقربين للنبي، ويمتد تأثيره العلمي والروحي إلى ما بعد وفاته حتى يومنا هذا.

نسبه ومولده

عبد الله بن مسعود هو أحد أبناء قبيلة هُذيل القرشية، وهو من أسرة فقيرة للغاية، حيث كان يعمل راعياً للغنم في بداية حياته. وُلد في مكة المكرمة، في زمن الجاهلية، قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو أربعين عامًا. ورغم فقره، كان يتمتع بذكاء حاد وفطرة سليمة. كانت قبيلة هُذيل ليست من القبائل النبيلة أو المرموقة في مكة، لكنه رغم ذلك كان من بين الصحابة الذين سطروا أسماءهم في التاريخ بفضل إيمانه العميق وتفانيه في خدمة الإسلام.

إسلامه

كان عبد الله بن مسعود من أوائل من أسلموا بعد النبي صلى الله عليه وسلم. في البداية، سمع عن الدعوة الجديدة في مكة، وكان دائمًا متأثرًا بما يسمعه عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ورغم قلة معرفته بالدين في بداية الأمر، كانت فطرته السليمة تجذب قلبه للإيمان برسالة النبي. عندما كان عمره حوالي 17 عامًا، أسلم عبد الله بن مسعود على يد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في السنة السابعة من البعثة النبوية.

أسلم عبد الله بن مسعود قبل أن يُعلن الإسلام بشكل علني في مكة، وكان من أصحاب الدعوة السرية، حيث كان يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم سراً في بدايات الدعوة، ويفتخر بأن أول من أقرأه النبي القرآن كان هو. يعتبر ابن مسعود واحدًا من الصحابة الذين تحملوا أعباء الدعوة في مكة في أوقات كانت فيها الدعوة تواجه العديد من الصعوبات والمضايقات.

مكانته في الإسلام

لقد أظهرت حياة عبد الله بن مسعود مسارًا واضحًا من التفاني في سبيل الله. كان من الصحابة الذين عُرفوا بعلمهم الغزير وحسن معاملتهم للناس. كان النبي صلى الله عليه وسلم يثق به بشكل كبير، وقد جعل عبد الله بن مسعود أحد أئمة القراءة والتعليم. عُرف بتمسكه العميق بالقرآن الكريم، وكان من أبرز الصحابة الذين نقلوا تفسيره وقراءاته. كما يُعد من أكثر الصحابة الذين نقلوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، حيث وردت عنه أكثر من 848 حديثًا.

لقد كان عبد الله بن مسعود من الذين حافظوا على القرآن الكريم من التحريف، وساهم في نشره بين المسلمين. كان يتقن القراءة والكتابة، وهو من أول من تعلم الحروف من الصحابة، ولذلك كان له دور بارز في نشر تعاليم القرآن الكريم.

علمه وفضائله

كان عبد الله بن مسعود من أئمة التفسير والعلم في عصره. وقد اجتمع حوله عدد كبير من الصحابة والتابعين الذين كانوا يستمعون إليه ويتعلمون منه. لا سيما في مجالي تفسير القرآن وشرح الحديث النبوي، وكان يُعتبر مرجعًا رئيسيًا في ذلك الوقت. فقد عرف بتفسيره العميق للآيات القرآنية، وكان يضيف إلى التفسير البعد الروحي الذي يجعل القلوب أكثر تقوى وإيمانًا.

من أشهر أقواله في العلم: “من أراد علمًا، فليأخذ علمه من الكتاب والسنة”، مما يعكس تمسكه الصارم بمصدرين رئيسيين من مصادر التشريع في الإسلام. كما أن ابن مسعود كان يُظهر فهما عميقًا للتوحيد والإيمان، فكان يذكر كثيرًا أهمية إفراد الله بالعبادة ونبذ الشرك.

فقهه وفتاواه

تعتبر فتاوى عبد الله بن مسعود مرجعًا فقهيًا مهمًا في تاريخ الإسلام. كان يُعرف بفقهه الواسع، حيث أفتى في العديد من المسائل التي كانت تمس حياة المسلمين اليومية. وقد كانت فتاواه تتسم بالحكمة والاعتدال، حيث كان يحرص على أن تكون وفقًا لما جاء في الكتاب والسنة، متجنبًا الاجتهادات التي لم تثبت في النصوص الشرعية.

على الرغم من عدم توليه المناصب السياسية الكبرى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كان لابن مسعود حضور قوي في مجال الفتوى والتعليم. وقد تميز عن غيره من الصحابة بعدم تقديم رأيه الخاص إذا لم يكن مستندًا إلى نصوص واضحة من الكتاب والسنة.

شجاعته وصدقه في المعركة

لم يكن عبد الله بن مسعود مجرد فقيه وعالم ديني، بل كان أيضًا محاربًا شجاعًا في سبيل الله. في معركة بدر وغيرها من المعارك التي خاضها المسلمون في زمن النبي، كان عبد الله بن مسعود حاضرًا. فقد أثبت شجاعة كبيرة في معركة أحد، وعُرف بقدرته على التحمل وقوة إرادته في الدفاع عن دينه.

كما كان يشارك في الغزوات بكل حماس، وكان قدوة لغيره من الصحابة في التضحية والفداء. وهو الذي وقف بجانب النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من المواقف التي تطلبت إيمانًا قويًا وتصميمًا على النصر.

معركته ضد الفساد

كان عبد الله بن مسعود شديد الحرص على تطبيق العدالة ومكافحة الفساد. وهو أحد الصحابة الذين طالما أكدوا على ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل صارم، وكان يُنكر بشدة أي محاولات لتغيير أو تعديل أو تحريف الدين أو ممارسات الفساد في الدولة الإسلامية. في عهد الخليفة عثمان بن عفان، كان عبد الله بن مسعود من أبرز من عارضوا بعض سياسات السلطة التي رأوا أنها لا تتماشى مع تعاليم الدين.

وفاته

توفي عبد الله بن مسعود في السنة 32 هـ، في مدينة الكوفة، عن عمر يناهز السبعين عامًا. وقد ترك بعده إرثًا عظيمًا في العلم والفقه والحديث. كان وفاة عبد الله بن مسعود خسارة كبيرة للأمة الإسلامية، ولكن سيرته الطيبة وأثره العظيم ما زال مستمرًا حتى اليوم.

خاتمة

عبد الله بن مسعود هو واحد من أعظم الصحابة الذين خدموا الإسلام في بداياته بكل إخلاص وتفانٍ. كان يجسد القيم الإسلامية في كل جوانب حياته، سواء في علمه أو في شجاعته أو في أخلاقه. لقد ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الأمة الإسلامية، وما زال يُحتذى به في جميع الأجيال.