الفرق بين الكرامة والمعجزة: دراسة علمية ودينية معمقة

في التراث الإسلامي والعقيدة الدينية بوجه عام، يكثر الحديث عن الظواهر الخارقة التي تتجاوز نواميس الكون المعتادة، وتُنسَب إما إلى الأنبياء أو إلى الأولياء والصالحين. من بين هذه الظواهر يبرز مفهومان أساسيان هما: المعجزة والكرامة. وقد شكل التمييز بين هذين المفهومين موضوعًا مهمًا في علم العقيدة وعلم الكلام، كما تناولته كتب التصوف والفقه، وحتى الفلسفة الإسلامية. إلا أن الخلط بين المعجزة والكرامة ظل قائمًا في أذهان الكثيرين، ما استدعى الحاجة إلى تحديد الفروق الدقيقة بينهما، من حيث التعريف، والخصائص، والمقاصد، والآثار، ومجالات الظهور، وشروط التحقق.

تعريف المعجزة

المعجزة لغة مأخوذة من العَجْز، أي عدم القدرة، وهي تعني أمرًا خارقًا للعادة يظهره الله تعالى على يد نبي أو رسول ليكون دليلاً على صدقه في دعوى النبوة. والمعجزة في الاصطلاح الشرعي: أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة، يظهره الله على يد نبي تأييدًا له في دعواه الرسالة.

فالمعجزة ليست فقط أمرًا خارقًا، بل هي تحمل في جوهرها وظيفة إثبات النبوة، وهي وسيلة إقناع للعقل والنفس بأن هذا الشخص ليس شخصًا عاديًا، بل هو مصطفى من الله عز وجل.

من أشهر المعجزات في الإسلام: انشقاق القمر للنبي محمد ﷺ، وعصا موسى عليه السلام، وولادة عيسى عليه السلام من غير أب، وغيرها.

تعريف الكرامة

الكرامة في اللغة تعني الشرف والعزة، أما في الاصطلاح، فهي: أمر خارق للعادة يظهره الله على يد عبد صالح غير نبي، تكريمًا له وتأييدًا لقدره عند الله، دون ادعاء للنبوة أو تحدٍ بها.

الكرامة إذًا ليست مقترنة بالتحدي ولا مقصود منها إثبات نبوة، بل هي بمثابة هبة ربانية أو فضل إلهي يظهره الله على أوليائه وأحبائه، وقد تكون على هيئة مكاشفات، أو تصرف في بعض نواميس الطبيعة، أو علم غيبي، أو استجابة دعاء خارق.

ومن أبرز من عُرفوا بظهور الكرامات عليهم: الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين نادى سراياه من على المنبر في المدينة، وهي في بلاد الشام، فقال: “يا سارية الجبل”، فسمعه الجيش ونجا من الهلاك.

مقارنة شاملة بين الكرامة والمعجزة

جدول المقارنة بين المعجزة والكرامة

الفرق من حيث العلاقة بالله عز وجل

تُعزى كل من المعجزة والكرامة إلى الله وحده، لكن وجه العلاقة بالله يختلف في دلالته:

• المعجزة: تشير إلى علاقة خاصة جدًا بين النبي وربه، فهي دليل اصطفاء، ومؤشر على كونه رسولًا يوحى إليه.

• الكرامة: تدل على قرب العبد من الله، لكنها ليست دليلاً على الاصطفاء الرسالي، بل على اصطفاء إيماني أو سلوكي.

الفرق من حيث الجمهور المخاطب

• المعجزة: تُوجَّه غالبًا إلى المعارضين والمكذبين، بهدف إقامة الحجة عليهم.

• الكرامة: تكون للعبد نفسه غالبًا، أو قد يُظهرها الله لغيره تكريمًا له، أو تسلية لأحبابه.

الفرق من حيث الاستمرارية والظهور التاريخي

المعجزات غالبًا ما ترتبط بعصور الأنبياء، فهي نادرة الحدوث بعد انقطاع النبوة. أما الكرامات، فهي ممتدة في الزمان، وممكنة الظهور في كل عصر، لكنها تظل محكومة بالضوابط الشرعية.

الفرق من حيث إمكانية التكرار أو التعليم

• المعجزة: لا تُكتسب، ولا يمكن تعليمها، ولا تكرارها من قبل أحد بعد النبي.

• الكرامة: لا تُكتسب أيضًا، ولكن بعض العلماء يرون أن الإكثار من الطاعات والعبادات قد يجعل العبد قريبًا من نيل كرامة، من دون ضمان أو يقين.

المعجزة والكرامة في ميزان العقيدة الإسلامية

العقيدة الإسلامية تؤمن بكلا المفهومين، ولكنها تُخضع الكرامة لمعايير أشد تحفظًا، خوفًا من أن تختلط بالخرافة أو ادعاء المهدوية والنبوة. ولذلك نجد أن علماء العقيدة، كأبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي، قرروا أن الكرامات حق، لكن لا يصح بناء العقيدة أو التشريع عليها، كما هو الحال مع المعجزات.

الكرامات في التصوف الإسلامي

التصوف الإسلامي أولى الكرامات اهتمامًا كبيرًا، لكنها ليست هدفًا في ذاتها عند الصوفيين، بل هي أثر جانبي لسلوك طريق الله. وقد قال بعضهم: “الكرامة الكبرى هي الثبات على الاستقامة”. وبهذا المعنى، تصبح الكرامة اختبارًا لا تشريفًا فقط، وقد تؤول إلى الابتلاء أكثر من التفضيل.

كما نجد في تراث الصوفية عشرات القصص عن الأولياء الذين طووا الأرض، أو شربوا من البحار دون أن يتبللوا، أو قرأوا ما في الصدور، إلا أن الأئمة الكبار منهم، كالإمام الجنيد البغدادي، حذروا من الغرور بها، مؤكدين أن الميزان هو الشريعة، لا الخوارق.

الضوابط الشرعية في قبول الكرامات

بما أن الكرامة ظاهرة غير خاضعة للقياس العقلي أو التجريبي، فقد وضع علماء الشريعة ضوابط لقبولها، من أبرزها:

1. ألا تخالف الشريعة: فلا تكون الكرامة وسيلة لإباحة محرم أو ترك واجب.

2. ألا تفضي إلى غرور أو ادعاء مقامات أعلى.

3. أن تكون في إطار تكريم الله لعبده، لا وسيلة للإعجاب بالنفس.

4. أن تكون الكرامة مما يمكن تصديقه عقلًا في إطاره الشرعي، لا من باب التهويل أو السحر.

الفرق من حيث علاقتها بالسحر والخوارق الأخرى

لا بد من التمييز بين الكرامة والمعجزة من جهة، وبين السحر والشعوذة وخوارق الدجالين من جهة أخرى:

• المعجزة والكرامة: من الله، لا تخالف الشريعة، لا يطلب مقابلًا عليها.

• السحر والشعوذة: من فعل البشر بمساعدة الشياطين، وغالبًا ما تقترن بمعاصٍ وكفر وشرك.

وقد فصّل الإمام ابن تيمية في هذا المجال، وبيّن أن التفريق بين الكرامة والسحر يكون بميزان الشريعة والتقوى.

الفرق بين الكرامة والمعجزة في الفكر الفلسفي الإسلامي

تناول الفلاسفة المسلمون مثل الفارابي وابن سينا وابن رشد هذه الظواهر بمنظورهم الخاص، حيث اعتبر بعضهم أن المعجزة تخضع لحكمة إلهية وتوقيت زمني محدد، وأن الكرامة تنتمي إلى ما يمكن تسميته بـ”فيض الروحانيات” أو استجابة “النفس المطمئنة” لإرادة الله، لكنهم حذروا من الخلط بين الظواهر النفسية والروحية وبين المعجزات والكرامات ذات الأصول الشرعية.

مواضع الالتقاء بين المعجزة والكرامة

رغم كل ما سبق من فروق، فإن هناك بعض مواضع الالتقاء بين المفهومين:

• كلاهما خارق للعادة.

• كلاهما من عند الله وليس بفعل ذاتي للإنسان.

• كلاهما يدل على منزلة روحية عالية للشخص الذي ظهرت على يده.

• كلاهما لا يمكن مواجهته أو معارضته.

الختام

التمييز بين المعجزة والكرامة ليس مجرد تمرين لغوي أو عقلي، بل هو ضرورة لفهم العقيدة الإسلامية فهمًا سليمًا، بعيدًا عن الخرافة والبدعة. فالمعجزة دليل النبوة، والكرامة دليل الولاية، لكن الشرط الأصيل في كليهما هو صحة العلاقة بالله، والخضوع لشريعته، والانضباط في السلوك، وتواضع النفس، والتسليم لأمر الله.

المراجع:

1. ابن تيمية، الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.

2. الغزالي، إحياء علوم الدين.