فضل قول “لا حول ولا قوة إلا بالله” والإكثار منه

تُعدّ عبارة “لا حول ولا قوة إلا بالله” من أعظم الأذكار التي وردت في السنة النبوية، لما تحمله من معاني التوحيد والتسليم الكامل لله، واعتراف العبد بعجزه وضعفه أمام قدرة الله المطلقة. إنها جملة جامعة مانعة، تجمع بين التوكل والتفويض والاستسلام لرب العالمين، وتُعَدّ من كنوز الجنة كما جاء في الأحاديث الصحيحة. في هذا المقال المطوّل، نستعرض الأهمية الكبرى لهذه الكلمة، فضلها، مواضع استعمالها، آثارها النفسية والروحية، وما ورد في شأنها من نصوص شرعية، مدعومًا بكلام العلماء.

معنى “لا حول ولا قوة إلا بالله”

لفظة “الحَول” تدلّ على الحركة والتحوّل من حال إلى حال، أما “القوة” فهي القدرة على الفعل والقيام بشيء. وعندما يقول العبد “لا حول ولا قوة إلا بالله”، فهو يعترف بأنه لا يستطيع أن يتحوّل من معصية إلى طاعة، أو من ضعف إلى قوة، أو من مرض إلى صحة، إلا بإذن الله وقدرته. والمعنى الإجمالي للعبارة: لا تحول من حال إلى حال، ولا قدرة على أي أمر، إلا بالله وحده.

أصل الذكر في السنة النبوية

وردت هذه الكلمة في العديد من المواضع من السنة النبوية، نذكر منها ما يلي:

• عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله ﷺ:

  “ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله”
  
  رواه البخاري ومسلم.

• عن عبد الله بن قيس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:

  “استكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها من كنوز الجنة”
  
  رواه الترمذي.

هذه الأحاديث تؤكد أن هذا الذكر ليس كأي ذكر، بل هو كنز من كنوز الجنة، والكنز هو ما يُخفى لفرط قيمته، مما يدل على عظمة هذه الكلمة ومكانتها في ميزان العبد.

مكانة الذكر في الإسلام

ذكر الله عمومًا من أعظم العبادات القلبية واللسانية التي تقرّب العبد من ربه، لكن بعض الأذكار لها فضل خاص ومكانة متميزة، ومنها “لا حول ولا قوة إلا بالله”. فهي شعار التوكل والافتقار إلى الله، وفيها تأكيد على ضعف الإنسان وحاجته الدائمة إلى عون الله وتوفيقه.

يقول ابن القيم رحمه الله:

“هذه الكلمة لها تأثير عجيب في تحمل المشاق، ومقارنة الأحوال، وحمل الأثقال، وملاقاة الأعداء، ومقاومة الشهوات، وتحمل الكوارث، وتحقيق المرادات”.

فوائد “لا حول ولا قوة إلا بالله”

1. اعتراف بقدرة الله ووحدانيته

العبد حين يكرر هذا الذكر يقرّ بربوبية الله وأنه الفاعل في الكون، لا يحدث شيء إلا بمشيئته، ولا يُردّ قضاء إلا بإذنه.

2. دواء نفسي وروحي

الإكثار من قول “لا حول ولا قوة إلا بالله” يمنح العبد راحة نفسية عميقة، فهو يُسلم أمره لله ويتخلى عن التوتر والقلق والضيق.

3. كنز من كنوز الجنة

النبي ﷺ لم يقل إنها عمل صالح فقط، بل “كنز” من الجنة، أي أنها مخبوءة ومخبأة في أعلى درجات النعيم، لا يدركها إلا من اعتاد ذكرها واستحضار معناها.

4. سبب في رضا الله

قال بعض السلف: “من قال لا حول ولا قوة إلا بالله، كتبت له شهادة بأنه سلّم لله وفوّض أمره إليه”.

5. تفريج الكربات وتيسير الأمور

في الأثر: “من أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب”.

مواضع قول “لا حول ولا قوة إلا بالله”

أثر الذكر على النفس والمجتمع

1. الطمأنينة الشخصية

الإنسان في هذا العصر يعيش تحت ضغوط متزايدة من مشكلات الحياة والظروف المعيشية والأزمات النفسية، وحين يكثر من قول “لا حول ولا قوة إلا بالله”، يجد متنفسًا له من ضيق الدنيا، ويشعر بأنه ليس وحده، بل أن هناك ربًا حكيمًا يُدبّر الأمور.

2. السكينة في الأسرة

إذا اعتادت الأسرة ذكر الله، وخصوصًا هذه الكلمة، فإنها تغرس في الأبناء الثقة بالله والصبر والاتكال عليه، فينشأ جيل متزن روحيًا وعقليًا.

3. التواضع وعدم الغرور

من يردد هذا الذكر بصدق لا يمكن أن يتكبر أو يتغطرس، لأنه يعترف بأن لا قوة له إلا بالله، فلا يتفاخر بعقله أو ماله أو علمه.

أقوال العلماء في فضلها

• قال النووي في “الأذكار”:

  “لا حول ولا قوة إلا بالله هي كلمة استعانة وتفويض، لا يقولها إلا مؤمن بالله عالم بأنه لا يصيب ولا يدفع إلا بإذنه”.

• وقال ابن تيمية:

  “هذه الكلمة تفيد التوكل والتسليم، وهي من أعظم ما يُستعان به على قضاء الحاجات ورفع الكُرب”.

• وجاء في “الفتح” لابن حجر:

  “كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله تُقال عند استصعاب الأمور، تعبيرًا عن العجز والتوكل على الله وحده”.

استعمالات عملية للكلمة في الحياة اليومية

• عند الغضب: بدلاً من الانفعال، تُهدئ هذه العبارة النفس وتوجّهها إلى الصبر.

• أثناء العمل أو الدراسة: تُقال طلباً للتوفيق، إذ النجاح لا يتم إلا بقوة الله.

• في مواجهة المصائب: تفتح باب الصبر والرضا وتحفّز النفس على الثبات.

• في الأذكار اليومية: تدخل في أذكار الصباح والمساء والنوم والسفر والوضوء.

مقارنة بين “لا حول ولا قوة إلا بالله” وسائر الأذكار

تأثيرها في بناء الإيمان

تكرار هذا الذكر يعمّق الإيمان في قلب المسلم، لأنه يجعله دائم الشعور بأن كل شيء بيد الله. وفي كل خطوة، في كل أمل، في كل تعب، يعود القلب إلى قوله: لا حول ولا قوة إلا بالله. هذا الترديد يمنح العبد اتصالاً دائمًا بربه، فلا يضعف ولا ينهار أمام صدمات الدنيا، لأنه يعلم أن من معه هو القوي العزيز القادر على كل شيء.

تطبيقات عملية للإكثار من “لا حول ولا قوة إلا بالله”

1. تخصيص وقت يومي لذكرها: مثلاً 100 مرة بعد صلاة الفجر.

2. ربطها بمواقف معينة: عند فتح الهاتف، عند ركوب السيارة، عند العمل.

3. كتابتها على أماكن العمل أو الدراسة: لتذكير النفس بها.

4. تعليمها للأطفال مبكرًا: مع شرح معناها بلغة مبسطة.

5. مشاركتها في اللقاءات والأحاديث: كجزء من ثقافة الذكر الجماعي.

النتائج الإيمانية والكونية لهذه الكلمة

من يواظب على هذا الذكر سيجد تحولات كبيرة في حياته، تتجلّى في:

• استجابة للدعاء دون أن يلاحظ السبب المباشر.

• تيسير في الأمور المعقدة بطريقة غير متوقعة.

• قبول في القلوب وراحة في العلاقات.

• وقاية من الحزن والاكتئاب والقلق.

• ارتفاع في مستوى الإيمان والثقة بالله.

خلاصة

كلمة “لا حول ولا قوة إلا بالله” ليست مجرد تعبير ديني، بل هي منهاج حياة وركن من أركان التوكل الإيماني، وهي وسيلة تربوية وأداة نفسية وروحية متكاملة، تصلح لكل زمان ومكان. فيها يتجلى الإيمان المطلق بقدرة الله على كل شيء، وفيها الفكاك من قيد الدنيا إلى سعة الأمل الرباني. من أكثر منها عاش في ظل الله، ومن تخلّى عنها أُوكل إلى نفسه، ومن واظب عليها فتح الله له أبواباً لا تخطر على بال.

المراجع:

1. صحيح البخاري – كتاب الدعوات

2. ابن القيم، “الوابل الصيب من الكلم الطيب”