عيسى بن مريم: آخر أنبياء بني إسرائيل

آخر أنبياء بني إسرائيل:

تعتبر الأنبياء في التاريخ الديني أحد أركان النبوة، حيث أرسل الله تعالى كل نبي برسالة معينة لزمانه ومكانه، لتهدي البشر إلى الطريق الصحيح وتُصحح لهم المفاهيم الدينية والمعرفية. ومن بين هؤلاء الأنبياء الذين اختارهم الله تعالى، كان آخرهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أُرسل برسالة الإسلام إلى البشرية جمعاء. ولكن إذا كان الحديث مقتصرًا على أنبياء بني إسرائيل فقط، فإن آخرهم كان النبي عيسى بن مريم عليه السلام، الذي كانت رسالته تجديدًا لما قبله من شرائع، واصطفاه الله ليكون آخر أنبياء بني إسرائيل قبل انقطاع الوحي المباشر.

عيسى بن مريم عليه السلام

عيسى بن مريم عليه السلام هو أحد أولي العزم من الرسل، وأحد أبرز الأنبياء في تاريخ البشرية، والذي كان معاصرًا لبني إسرائيل في فترة من الزمن كانت تعج بالصراعات الدينية والاضطرابات السياسية. كان عيسى عليه السلام مميزًا عن غيره من الأنبياء بعدد من الصفات التي جعلت له مكانة عظيمة في مختلف الديانات السماوية، بدءًا من اليهودية التي نشأ في كنفها، مرورًا بالمسيحية التي احتفظت به كإله في عقيدتها، وصولًا إلى الإسلام الذي يضعه في مقام النبوة والرسالة.

مولده والمعجزات

وُلد عيسى عليه السلام بطريقة معجزة في مدينة بيت لحم بفلسطين. فقد وُلد من أمّ عذراء، السيدة مريم عليها السلام، من دون أب، وهو ما يجعل ولادته من أبرز المعجزات التي أيد بها الله تعالى رسوله. أنزل الله على مريم العذراء الملائكة وأخبرها أنها ستحمل بمولود دون أن يمسها بشر. وعندما وُلد عيسى، أيده الله تعالى بآيات ومعجزات كثيرة، منها:

• إحياؤه للموتى: فقد كان عيسى عليه السلام قادرًا على إحياء الموتى، وذلك بقدرة الله سبحانه وتعالى، ليكون هذا أحد دلائل نبوته ورسالته.

• شفاؤه للمرضى: شفى عيسى عليه السلام الكثير من الأمراض المستعصية التي كانت تعاني منها بعض فئات المجتمع، مثل العمي والبرص.

• تكوين طعام من السماء: وفي بعض المواقف، كان عيسى عليه السلام يتحدث عن طعام يأتي من السماء، وهذا يظهر مرة أخرى قدرة الله على تدبير المعجزات.

دعوة عيسى عليه السلام

على الرغم من أن عيسى عليه السلام وُلد في بني إسرائيل وكان من أبناء هذا الشعب، فإن رسالته لم تكن مقيدة فقط باليهود، بل كانت دعوة إصلاحية شاملة لعودتهم إلى الله تعالى والتزامهم بأوامره. كانت الرسالة التي جاء بها عيسى عليه السلام هي تجديد لما سبق من شرائع موسى عليه السلام، حيث جاء يبين ويشرح المعنى الأسمى لتلك الشرائع، ويؤكد على الإيمان بالله تعالى، وعلى محبة الله والمحبة للآخرين.

وقد كانت دعوته تدعو إلى العدل والمساواة، والرحمة والصدق، وترك التفرقة العنصرية بين بني إسرائيل وبين غيرهم. كما أكد عيسى عليه السلام على ضرورة التوبة والرجوع إلى الله، وهو ما أثار الكثير من الجدل بين اليهود في ذلك الوقت، الذين كانوا يتبعون تقاليد وأحكامًا قد تكون قد شُوهت أو تم تحريفها عبر الزمن.

الاختلافات الدينية حول عيسى عليه السلام

في الديانات المختلفة، تختلف التصورات حول شخصية عيسى عليه السلام. ففي اليهودية، يراه الكثير من اليهود شخصًا عاديًا أو حتى دجالًا، حيث رفضوا اعترافه بالنبوة، بل ذهبوا إلى أنه لم يكن إلا داعيةً محاربًا للأمة اليهودية، بينما في المسيحية يعتبرونه ابن الله، والمخلص الذي مات على الصليب فداءً للبشرية عن خطاياها.

أما في الإسلام، فيُعدّ عيسى عليه السلام من الأنبياء الكرام، وهو عبد لله ورسوله، ولا يُعتبر إلهًا كما في المسيحية، بل هو بشر اصطفاه الله تعالى. ويُعدّ من أولي العزم من الرسل، ويؤمن المسلمون بوجود معجزات عظيمة صاحبت حياته، أبرزها معجزة ولادته ورفع الله له إلى السماء.

رفعه إلى السماء

من المعجزات الكبرى التي تميز بها عيسى عليه السلام هي رفعه إلى السماء. فقد تعرض عيسى عليه السلام لمؤامرة من أعدائه الذين قرروا قتله وصلبه، ولكن الله تعالى نجاه منهم، ورفع روحه وجسده إلى السماء. قال تعالى في القرآن الكريم: “وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ” (النساء: 157). وبالتالي، فإن المسلمين يؤمنون بأن عيسى عليه السلام لم يمت على الصليب، بل رفعه الله إليه، وسيعود في آخر الزمان ليكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقيم العدل، وهو ما يتفق مع العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تشير إلى هذه العودة.

الانتظار المرتقب لعودة عيسى عليه السلام

يُعدّ عيسى عليه السلام من الشخصيات التي يتوقع عودتها في آخر الزمان. في الإسلام، يعتقد المسلمون أن عيسى عليه السلام سيعود إلى الأرض ليكمل ما بدأه من دعوة التوحيد، وليحارب الفساد والظلم، ويقود الأمة الإسلامية في معركة كبرى ضد الدجال. تشير الأحاديث النبوية إلى أن عودة عيسى عليه السلام ستكون في فترة من الفوضى والفساد العظيم، وأنه سيحكم بشريعة الله ويحقق السلام والعدل على الأرض.

أما في المسيحية، فيُعتقد أن عودة عيسى عليه السلام ستصاحبها نهاية العالم وبداية العصر الجديد الذي يتم فيه الخلاص النهائي للبشرية.

الخاتمة

إن الحديث عن آخر أنبياء بني إسرائيل، وهو عيسى بن مريم عليه السلام، يعكس أهمية هذه الشخصية الدينية في تاريخ البشرية. إن الرسالة التي أرسل بها عيسى عليه السلام كانت دعوة إلى الإيمان بالله واتباع شرائعه، وكان قدوة عظيمة في الصبر على الأذى والظلم، وفي التفاني في نشر الخير والعدالة. من خلال معجزاته ورفعه إلى السماء، بقيت شخصية عيسى عليه السلام واحدة من أبرز الأيقونات الدينية التي تأثرت بها الديانات السماوية المختلفة، ولا تزال تعاليمه تشع بالأمل والتوجيه لكل من يسعى للعدالة والخير.

لقد ترك عيسى عليه السلام بصمته في التاريخ الديني، وسيظل اسمه مرتبطًا بكل من آمن به واتبعه، وسيتجدد الحديث عنه إلى أن تتحقق نبوءات عودته في المستقبل، لينقض العدل ويحقق السلام في الأرض.