حكم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يعدّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسمى المبادئ التي جاء بها الإسلام، وهو فريضة عظيمة تكتسب أهمية كبرى في بناء المجتمع المسلم وتحقيق الاستقرار الداخلي بين أفراده. إن مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مجرد توصية فردية أو شعيرة متفرقة بل هو منهج حياة يجب أن يسود في كل نواحي المجتمع الإسلامي. من خلاله يتم تعزيز القيم الدينية والأخلاقية، وتُحافظ على الاستقامة، ويُتجنب الانزلاق في الأفعال التي تتناقض مع تعاليم الشريعة الإسلامية.
المفهوم الشرعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
تعني فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدعوة إلى القيام بالأعمال الصالحة وترك الأفعال السيئة، وهي تجسد دور المسلم في الحفاظ على الخير ومنع الشر. جاء في الحديث النبوي الشريف: “من رأى منكم مُنكَرًا فليُغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” (رواه مسلم).
من خلال هذا الحديث، يظهر جليًا أن الإسلام لم يترك مجالًا للكسل في الدعوة إلى الحق، بل حثّ على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل الوسائل المتاحة، سواء باليد أو اللسان أو حتى بالقلب إذا كانت الوسائل الأخرى غير ممكنة.
أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع
إن هذا الفرض لا يتعلق بالفرد فحسب بل يعمّ جميع أفراد المجتمع الإسلامي. فكل شخص ملزم بالمشاركة في هذا الجهد الجماعي لحماية المجتمع من الانحرافات والتجاوزات التي قد تحدث نتيجة الإغفال عن التوجيهات الدينية. فإذا كان المجتمع المسلم خاليًا من هذه الفريضة فإن الفساد سيعم، وتتفشى المعاصي، وينقلب النظام الأخلاقي داخل المجتمع، مما يؤدي إلى تبعات سلبية عظيمة على الأفراد والجماعات.
من هذا المنطلق، يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وظائف الأمة الإسلامية الجماعية. فقد أكد القرآن الكريم على هذا المعنى في قوله تعالى: “وَٱلۡمُؤْمِنُونَ وَٱلۡمُؤْمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡيَآءُ بَعۡضٍۢ يَأْمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنۡكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِنَّ أُو۟لَـٰٓئِكَ سَيَرَحْمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌۭ حَكِيمٌۭ” (التوبة: 71).
تشير الآية الكريمة إلى أن المسلمين في تكاملهم الجماعي يجب أن يكونوا في حالة من التعاون على البر والتقوى، بحيث يعين بعضهم بعضًا على فعل الخير وترك الشر. وهذا التعاون هو الذي يصون المجتمع ويحافظ على نقاء الحياة الإسلامية.
أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
-
الأمر بالمعروف: هذا يشمل دعوة الآخرين إلى القيام بالأعمال التي تعود عليهم وعلى المجتمع بالنفع، مثل الصلاة، والصدق، والرحمة، والعدالة، وغيرها من الأخلاق الحسنة.
-
النهي عن المنكر: هذا يشمل تحذير الناس من الأفعال التي تتنافى مع الدين مثل الكذب، والسرقة، والزنا، وشرب الخمر، والاعتداء على الآخرين، وغيرها من المعاصي.
كيفية القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لكل نوع من أنواع الأمر والنهي طريقة تنفيذية خاصة، تتناسب مع الظروف، وتتناسب مع من يتم التعامل معه. يمكن تلخيصها في ثلاث مراحل:
-
التغيير باليد: أي أن الشخص يقوم بالعمل الفعلي لتغيير المنكر، كأن يُزيل المنكر من مكانه أو يمنع الشخص من ارتكاب الخطأ. هذا يكون في حالة توفر القدرة على القيام بالفعل.
-
التغيير باللسان: إذا لم يتمكن الشخص من تغيير المنكر باليد أو كان ذلك يسبب ضررًا، فإنه يستطيع أن ينبه الآخرين أو يوجههم من خلال الكلام، مثل أن ينصح باللين أو يتحاور معهم حول ضرورة ترك المنكر.
-
التغيير بالقلب: إذا تعذر على الشخص تغيير المنكر بأي وسيلة مادية أو كلامية، فيجب أن ينكر في قلبه ويشعر بعدم الرضا عن المنكر، ويستشعر التقوى في نفسه حتى لا يصبح جزءًا من هذا الفساد.
الظروف التي يتعين فيها الأمر والنهي
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مفروضًا في جميع الأوقات بنفس الدرجة، بل يتطلب حكمة بالغة في التعامل مع الحالات المختلفة. في بعض الأحيان، قد تكون الموعظة باللين أكثر فاعلية، وفي أحيان أخرى قد يتطلب الأمر موقفًا حازمًا. من المهم أن يكون الشخص الذي يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر ملمًّا بالحالة التي يواجهها لكي يتخذ القرار الأنسب.
على سبيل المثال، قد تكون نصيحة شخص في العلن قد تؤدي إلى نزاع أو إحراج، وفي هذه الحالة يُفضل أن تُوجه النصيحة في السر. كما أن المسلم يجب أن يتحلى بالحلم والرفق، وأن يكون دقيقًا في مواقفه حتى لا يوقع في الفتنة أو الفساد.
أثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المجتمع
إن تطبيق هذه الفريضة بشكل جاد يؤدي إلى الحفاظ على استقرار المجتمع. فهي تشكل درعًا ضد الانحرافات التي قد تنتشر بين الأفراد بسبب غياب الرقابة الذاتية. كما تساهم في تعزيز القيم الإسلامية في الأجيال الشابة، مما يسهم في خلق بيئة نظيفة من الفساد والمساوئ.
علاوة على ذلك، فإن هذه الفريضة تساهم في بناء مجتمع إسلامي مترابط وموحد، يهدف كل فرد فيه إلى رفعة الآخر، ويعمل على توجيه بعضهم البعض إلى الطريق الصحيح. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مجرد فريضة فردية بل هو عملية تربوية اجتماعية تعزز من روح التعاون والمساعدة.
التحديات التي تواجه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
هناك العديد من التحديات التي قد تواجه هذا المفهوم في الواقع المعاصر. من أهم هذه التحديات هي ظاهرة التراخي في تطبيق هذه الفريضة بسبب التغيرات الاجتماعية والثقافية التي قد تؤثر على نظرة الناس لهذه المسألة. في بعض الأحيان، قد يُنظر إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أنه تدخّل غير مرغوب فيه في حرية الأفراد، مما يؤدي إلى تراجع هذه الفريضة في بعض المجتمعات.
علاوة على ذلك، قد يعترض البعض على الطريقة التي يتم بها النهي عن المنكر، فيترتب على ذلك تصاعد الأزمات والمشاكل بين الأفراد. مما يستدعي ضرورة مراعاة حساسية المواقف والتعامل مع المنكرات بطريقة تتناسب مع أسلوب الحياة الحديث.
الخاتمة
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مجرد فريضة فردية بل هو أحد الأسس التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي السليم. من خلال هذه الفريضة، يتم تعزيز القيم الإسلامية والتضامن بين أفراد المجتمع، كما يتم الحد من انتشار الفساد والانحرافات التي قد تضر بالمجتمع ككل. في الوقت ذاته، يجب أن يتحلى المسلم بالحكمة والرفق في التعامل مع الآخرين، وأن يكون واعيًا لظروف وأوقات تطبيق هذه الفريضة.
