أحدث طرق تشخيص العقم عند الرجال

الجديد في تشخيص العقم عند الرجال

يشكّل العقم عند الرجال تحدّياً صحياً ونفسياً يؤثر على ملايين الأزواج حول العالم. وعلى الرغم من التقدم الهائل في مجالات الطب التناسلي، إلا أنّ تشخيص أسباب العقم الذكوري ظلّ حتى وقت قريب يعتمد على أدوات تقليدية كتحليل السائل المنوي والفحوصات الهرمونية الأساسية. ومع ذلك، فإن التحولات السريعة في علوم الأحياء الجزيئية، وتقنيات التصوير، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا النانوية أحدثت طفرة كبيرة في طرق تشخيص العقم، مما أتاح رؤية أوضح وأكثر دقة لحالات كانت تُصنّف سابقاً على أنها “غير مفسّرة”.

في هذا المقال، سيتم تناول المستجدات الدقيقة في تشخيص العقم عند الرجال، مع التركيز على التقنيات الحديثة التي تم تطويرها مؤخراً، وكيف غيّرت هذه الأدوات المفاهيم الطبية التقليدية وساعدت في تحسين فرص التشخيص والعلاج.

تعريف العقم عند الرجال

العقم عند الرجال هو عدم القدرة على تحقيق الحمل بعد مرور عام من العلاقة الزوجية المنتظمة دون استخدام وسائل منع الحمل، ويكون السبب فيه راجعاً إلى مشكلة في إنتاج أو جودة الحيوانات المنوية، أو في وظيفة الجهاز التناسلي الذكري. تختلف أسبابه ما بين وراثية، هرمونية، بيئية، سلوكية، أو حتى مجهولة.

أهم المؤشرات التقليدية في تشخيص العقم

قبل الحديث عن التطورات الحديثة، يجدر استعراض الأسس التقليدية التي يعتمد عليها الأطباء لتشخيص العقم عند الذكور، وتشمل:

• تحليل السائل المنوي (Semen Analysis)

• الفحوصات الهرمونية (FSH, LH, Testosterone)

• الفحص السريري والبدني

• التصوير بالموجات فوق الصوتية للخصيتين

• تقييم التاريخ الطبي والعائلي

هذه الوسائل رغم أهميتها، إلا أنّ نسبة كبيرة من الحالات تُصنّف على أنها “عقم غير مفسر” (Idiopathic), ما شكّل دافعاً للبحث عن أدوات أكثر دقة وتحليلاً.

التحول الجذري: الاتجاه نحو التشخيص الجزيئي والدقيق

1. تحليل الحمض النووي للحيوانات المنوية (DNA Fragmentation Test)

التحليل التقليدي للسائل المنوي يقيّم التركيز، الحركة، والشكل، لكنه لا يُظهر تلف الحمض النووي داخل الحيوانات المنوية، وهو عنصر حاسم في قدرة الحيوان المنوي على الإخصاب. تقنيات تحليل تكسر الحمض النووي مثل:

• SCSA (Sperm Chromatin Structure Assay)

• TUNEL Assay

• Comet Assay

أصبحت من الأدوات المتقدمة التي تسمح بالكشف عن الضرر غير المرئي للعين المجردة، والذي يرتبط بشكل وثيق بتأخر الحمل وزيادة خطر الإجهاض.

2. تحليل الجينوم الكامل (Whole Genome Sequencing – WGS)

التحليل الجيني الكامل أصبح متاحاً في السنوات الأخيرة لتحديد الطفرات الوراثية المرتبطة بالعقم الذكري. من بين الجينات المرتبطة:

• DAZ على الكروموسوم Y (حذفه يؤدي إلى فشل في إنتاج النطاف)

• CFTR المرتبط بتشوهات القنوات المنوية

• NR5A1 وTEX11 وهي جينات حديثة الاكتشاف تؤثر على الانقسام المنصف وإنتاج الحيوانات المنوية

3. تحليل الميتوكوندريا في الحيوانات المنوية

الميتوكوندريا هي المصدر الأساسي للطاقة في الحيوانات المنوية، واضطراباتها تساهم في انخفاض الحركة. يُستخدم تحليل وظيفة الميتوكوندريا ومستوى الإجهاد التأكسدي لتحديد كفاءة الحيوانات المنوية على المستوى الخلوي، مما يمنح رؤية أكثر دقة من التحليل التقليدي.

4. تحليل البروتيوم (Proteomics) والسيتوكينات

تساعد تقنيات تحليل البروتينات والسيتوكينات في السائل المنوي على فهم التفاعلات الالتهابية والمناعية التي تؤثر على جودة النطاف. هذه التحاليل أصبحت ضرورية خصوصاً في حالات العقم غير المفسر أو المترافق مع التهابات خفية.

5. اختبارات الإبيجينوم (Epigenetic Testing)

الاختبارات الإبيجينية لا تدرس الطفرات الجينية فقط، بل تشمل التعديلات في التعبير الجيني بسبب الميثلة أو تغيّر البنية الكروماتينية. هذا النوع من الاختبارات اكتسب أهمية متزايدة لربطه بجودة النطاف وتطور الأجنة بعد التلقيح الصناعي.

التطورات التكنولوجية في أدوات التشخيص

1. المجاهر الرقمية عالية الدقة (High-Resolution Digital Microscopy)

أدخلت هذه التقنية تحسيناً في تقييم شكل الحيوانات المنوية عبر الصور الرقمية المكبرة، والتي يمكن دمجها مع الذكاء الاصطناعي لتحديد الأنماط غير الطبيعية بدقة أعلى من العين البشرية.

2. تحليل الذكاء الاصطناعي (AI-based Semen Analysis)

أنظمة الذكاء الاصطناعي أصبحت قادرة على تحليل السائل المنوي من خلال خوارزميات دقيقة تقيم الشكل والحركة بطريقة معيارية وموضوعية، مع نتائج فورية وموثوقة.

3. الرنين المغناطيسي الوظيفي للخصيتين (Functional MRI)

أحدثت هذه التقنية ثورة في التصوير الطبي، إذ تسمح بتقييم الأنسجة الخصوية وتدفق الدم دون تدخل جراحي، وتُستخدم في الحالات التي يصعب فيها تفسير انخفاض الخصوبة بدون دليل واضح.

تطبيقات الخلايا الجذعية في تشخيص العقم

بينما يُركّز البحث في الخلايا الجذعية أساساً على العلاج، فإنّ استخدام الخلايا الجذعية الخصوية أيضاً فتح باباً جديداً لتقييم حالات توقف إنتاج النطاف، عبر تحليل البيئة الدقيقة داخل الأنابيب المنوية. تُستخدم خلايا Sertoli وخلايا Leydig المشتقة من الخلايا الجذعية لتقييم الحالة الدقيقة للخصية دون اللجوء إلى الخزعات الجراحية التقليدية.

تقنيات التشخيص النانوي (Nanotechnology Diagnostics)

التكنولوجيا النانوية دخلت حيز التجريب في تطوير أدوات دقيقة لرصد البروتينات والمواد المؤكسدة في السائل المنوي. على سبيل المثال، الشرائح النانوية الحيوية (Nano-biosensors) يمكنها كشف علامات الالتهاب والأكسدة خلال دقائق، ما يتيح تقييم فوري ودقيق لحالة الخصوبة.

استخدام تحليل البول والبلازما لتشخيص العقم

بدأت عدة دراسات في الاعتماد على تحليل البول والبلازما للكشف عن مؤشرات حيوية مرتبطة بالعقم، مثل البروتينات التي تُفرز من الخصية أو البروستاتا، مما يوفر وسيلة غير جراحية وذات دقة عالية للمساعدة في التشخيص المبكر.

جدول مقارنة بين الطرق التقليدية والحديثة في تشخيص العقم

خاتمة علمية

التشخيص الحديث للعقم عند الرجال لم يعد يقتصر على التحليل البسيط للسائل المنوي أو تقييم الخصية بالفحص اليدوي. بل أصبح يعتمد على طيف واسع من التحاليل الجزيئية الدقيقة، وتصويرات فائقة التطور، وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تتيح تشخيصاً متعدد الأبعاد. هذه التطورات لا تسهم فقط في تحديد الأسباب بدقة، بل تساعد أيضاً في توجيه العلاج وتحسين نسب النجاح في تقنيات التلقيح الصناعي. ورغم أن بعض هذه الوسائل لا تزال قيد الدراسة أو غير متاحة في جميع الدول، إلا أنّ المستقبل في هذا المجال يبدو واعداً، مع إمكانيات هائلة لتحسين الخصوبة واستعادة الأمل لدى ملايين الرجال حول العالم.

المراجع العلمية:

1. Agarwal, A., Baskaran, S., Parekh, N. et al. “Male infertility.” Lancet, 2021.

2. Esteves, S. C., Miyaoka, R., & Agarwal, A. “An update on the clinical assessment of the infertile male.” Clinics, 2011.