السويداء: جوهرة جبل العرب

تقع محافظة السويداء في جنوب سوريا، وتشكل إحدى المناطق الجغرافية الفريدة ذات الأهمية التاريخية والثقافية والبيئية العالية، إذ تعد موطناً للعديد من المجتمعات العريقة والمواقع الأثرية والطبيعية. تعرف السويداء بأنها عاصمة جبل العرب، وهي محافظة ذات أغلبية درزية، تتميز بتراثها الثقافي الغني، وتاريخها الطويل الممتد من العصور القديمة وحتى العصر الحديث، وتنوع تضاريسها بين الجبال والوديان والغابات. تشتهر بكرم أهلها، وقوة روابطهم الاجتماعية، ومواقفهم الوطنية الصلبة.

تمتاز السويداء بمزيج من الجمال الطبيعي والتاريخ العريق، إذ تضم العديد من القرى التاريخية والمدن القديمة والمواقع الأثرية التي تعود إلى العصور الرومانية والبيزنطية والنبطية، إلى جانب كونها وجهة للسياحة البيئية والثقافية، حيث توفر جبالها وغاباتها بيئة مثالية لهواة المشي والتسلق والطبيعة.

الموقع الجغرافي والطبيعة الطبوغرافية

تقع محافظة السويداء جنوب العاصمة دمشق، وتحدها من الغرب محافظة درعا، ومن الشمال الشرقي محافظة ريف دمشق، ومن الجنوب الشرقي الحدود السورية الأردنية. تبلغ مساحتها حوالي 5,550 كيلومتراً مربعاً، وتغطيها السلاسل الجبلية التي تشكل امتداداً لجبل العرب البركاني، ويصل ارتفاع بعض قممها إلى أكثر من 1,800 متر فوق سطح البحر.

الطبيعة الطبوغرافية للسويداء تتنوع بين السهول والهضاب والتلال البركانية، ما يمنحها جمالاً طبيعياً أخّاذاً، خاصة خلال فصلي الربيع والخريف. من أهم المعالم الجغرافية في السويداء جبل العرب، جبل الساقية، تل قليب، والعديد من القرى التي تنتشر بين هذه التضاريس مثل قنوات وعرمان وملح.

المناخ والغطاء النباتي

يتميز مناخ السويداء بالاعتدال صيفاً والبرودة شتاءً، مع تساقط للثلوج على المرتفعات خلال شهور الشتاء، وخاصة في المناطق العليا من جبل العرب. كما تتمتع المحافظة بمعدلات جيدة من الأمطار الموسمية التي تسهم في دعم الزراعة وتغذية الغطاء النباتي.

تغطي أجزاء كبيرة من المحافظة غابات طبيعية تتنوع أشجارها بين البلوط والسنديان والصنوبر البري، إلى جانب الشجيرات البرية والأعشاب العطرية والطبية مثل الزعتر والميرمية والخزامى. وتُعدّ هذه البيئة الطبيعية الغنية موطناً لمجموعة واسعة من الكائنات الحية مثل الضباع، الثعالب، النسور، وبعض أنواع الزواحف والطيور المهاجرة.

التركيبة السكانية والاجتماعية

تسكن السويداء غالبية درزية، إلى جانب وجود أقليات مسيحية ومسلمة، وهي معروفة بروابطها الاجتماعية المتينة، واحترامها للتقاليد والعادات العريقة. يعيش السكان في مدن وقرى صغيرة متقاربة، ويتميز المجتمع بالترابط الأسري، والتعاون الجماعي، خصوصاً في المناسبات الدينية والوطنية.

تعتمد العائلة السويدائية في نمط حياتها على البساطة، والكرم، والاعتماد على الذات، مع احترام كبير للعلم والتعليم، إذ تُعد المحافظة من أكثر المناطق السورية التي تفتخر بنسبة عالية من المتعلمين والجامعيين مقارنة بعدد السكان.

التاريخ القديم والحديث

تعود أصول الاستيطان البشري في السويداء إلى العصور الحجرية، حيث وجدت العديد من الأدوات والنقوش التي تشير إلى وجود بشري في المنطقة منذ آلاف السنين. لاحقاً، أصبحت السويداء جزءاً من الدولة النبطية ثم دخلت تحت الحكم الروماني، حيث تم إنشاء العديد من المدن والمراكز الإدارية والمعابد والحمامات.

من أشهر الآثار الرومانية في المنطقة مدينة “قنوات”، التي كانت مركزاً دينياً وثقافياً هاماً، وتضم بقايا معابد وقصور وأعمدة وساحات مزخرفة. كما توجد مدن أثرية أخرى مثل شهبا، التي أسسها الإمبراطور الروماني فيليب العربي، وتحتوي على مسارح وأسوار ومتاحف تُظهر ازدهار المنطقة خلال تلك الحقبة.

في العصر الإسلامي، دخلت السويداء في إطار الدولة الأموية ثم العباسية، ومع تعاقب العصور تأثرت بالحروب الصليبية، والغزوات المغولية، وصولاً إلى العصر العثماني، حيث كانت تدار بشبه استقلال ذاتي نتيجة طبيعة المجتمع الدرزي المحافظ والمتمسك بحريته.

أما في العصر الحديث، فقد كانت السويداء حاضنة للثورات ضد الاحتلال الفرنسي، وكان من أبرز قادتها سلطان باشا الأطرش، الذي قاد الثورة السورية الكبرى عام 1925 من قرية القريّا جنوب المحافظة، وتحوّل إلى رمز وطني في الوجدان السوري والعربي.

الاقتصاد المحلي والزراعة

يعتمد الاقتصاد المحلي في السويداء على الزراعة بشكل أساسي، حيث تشتهر المنطقة بإنتاج العنب، التفاح، اللوز، الزيتون، والتين، إلى جانب الحبوب مثل القمح والشعير. وتعد زراعة الكرمة من أهم الأنشطة الزراعية التي تميز المحافظة، حيث تُنتج منها كميات كبيرة تُستخدم في صناعة العرق البلدي والمربى والعصائر.

الجدول التالي يوضح أهم المحاصيل الزراعية التي تنتجها محافظة السويداء:

بالإضافة إلى الزراعة، تنتشر في السويداء بعض الصناعات الصغيرة والحرف التقليدية مثل صناعة النسيج والسجاد اليدوي، والأعمال الخشبية والنحاسية، إلى جانب تجارة المنتجات الزراعية. كما شهدت في السنوات الأخيرة بعض المبادرات الفردية الناجحة في مجال السياحة البيئية والضيافة الريفية.

التعليم والثقافة

تُعدّ السويداء من أكثر المحافظات السورية اهتماماً بالعلم والتعليم، إذ تنتشر فيها المدارس والمعاهد والكليات الجامعية، كما توجد جامعة خاصة تُعرف باسم “جامعة دمشق – فرع السويداء”، وتضم عدداً من الكليات كالأدب والعلوم والتربية.

الجانب الثقافي حاضر بقوة في حياة أهل المحافظة، حيث تنتشر الجمعيات الثقافية والفنية والمراكز الأدبية، إضافة إلى إقامة المهرجانات السنوية مثل “مهرجان شهبا الثقافي”، و”مهرجان الكرمة”، اللذين يسلطان الضوء على التراث والموسيقى والفن المحلي.

تُعرف السويداء أيضاً بأنها مسقط رأس العديد من الأدباء والشعراء والمفكرين السوريين الذين ساهموا في النهضة الثقافية والفكرية في البلاد، ومن أبرزهم الشاعر رشيد أيوب، والمفكر سليم خير بك.

السياحة والمعالم الأثرية

تشكل السويداء وجهة مميزة لعشاق التاريخ والطبيعة، إذ تجمع بين المواقع الأثرية والمشاهد الطبيعية الخلابة، ما يجعلها محطة هامة في السياحة الداخلية السورية. من أبرز المعالم التي يمكن زيارتها:

• مدينة شهبا: وتحتوي على فسيفساء نادرة من العصر الروماني، ومسرح روماني وسور أثري.

• مدينة قنوات: التي تضم بقايا معابد رومانية، وقنوات مائية حجرية ضخمة.

• مغارة عريقة: وهي من أجمل الكهوف الطبيعية في سوريا.

• جبل العرب: الذي يوفر مناظر بانورامية رائعة ومناخاً صحياً.

كما تنتشر في أرجاء المحافظة الأديرة والكنائس القديمة، مثل دير المسيح في صلخد، والكنيسة البيزنطية في قنوات، ما يثري التجربة السياحية لكل زائر يبحث عن التوازن بين التاريخ والدين والطبيعة.

البنية التحتية والخدمات

على الرغم من التحديات التي واجهتها السويداء خلال السنوات الأخيرة نتيجة الحرب السورية، إلا أن المحافظة استطاعت الحفاظ على مستوى مقبول من البنية التحتية، حيث توجد شبكة طرق جيدة تربط القرى والمدن، ومرافق صحية وتعليمية مقبولة إلى حدٍّ ما.

تعاني بعض المناطق من نقص في المياه والوقود والطاقة، ما دفع الأهالي إلى الاعتماد على مصادر بديلة كالطاقة الشمسية، وحفر الآبار، وزراعة الحدائق المنزلية لتوفير الغذاء.

الاستقرار والأمن

تُعتبر السويداء من المحافظات الأكثر استقراراً في سوريا نسبياً خلال سنوات الحرب، حيث حافظت على نوع من الحياد، وظلّ سكانها يديرون شؤونهم المحلية عبر لجان أهلية ومجالس محلية، مع الحفاظ على العلاقات الاجتماعية المتينة، وعدم الانجرار إلى العنف الطائفي أو السياسي.

ومع ذلك، واجهت المحافظة تحديات أمنية من خلال بعض حوادث الخطف والاشتباكات المحلية، التي غالباً ما كانت تُحل من خلال الجهود الأهلية، ما يعكس طبيعة المجتمع الذي يقدّم الحكمة والعقل على المواجهة المسلحة.

الختام

السويداء ليست مجرد محافظة سورية تقع على الهامش الجغرافي للدولة، بل هي قلب نابض بالثقافة والمقاومة والتاريخ، وواحة من الجمال الطبيعي والتراث الإنساني. لقد حافظت عبر العصور على هويتها الثقافية والدينية، وقدمت نموذجاً في التعايش والتماسك الاجتماعي، مما يجعلها واحدة من أغنى وأعمق المحافظات السورية على المستويين الإنساني والوطني. إنها بحق جوهرة جبل العرب، وكنز لا يزال ينتظر من يكتشفه ويستثمره بحكمة ووعي.