عمر النبي عند نزول الوحي

عمر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه الوحي:

عند الحديث عن نزل الوحي على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، يتبادر إلى أذهان المسلمين يومٌ عظيم وفاصل في تاريخ البشرية جمعاء. فقد كان هذا الحدث بمثابة نقطة البداية لما سيصير فيما بعد رسالة سماوية شاملة وعالمية، غيرت وجه التاريخ وأثرت في البشرية على مدى العصور. ولعل أول سؤال يطرحه العديد من الناس عند التطرق إلى هذا الحدث، هو: كم كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه الوحي لأول مرة؟ للإجابة على هذا السؤال، لابد من النظر إلى عدد من المعطيات التاريخية والدينية التي تسلط الضوء على هذا الحدث الجليل.

الظروف الاجتماعية والبيئية قبل نزول الوحي:

قبل أن نصل إلى معرفة عمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه الوحي، من المهم أن نتعرف أولاً على البيئة الاجتماعية التي عاش فيها. فقد وُلد رسول الله في مكة في عام 570 ميلادي، وتوفي والده عبد الله قبل أن يولد. وترعرع في كنف جده عبد المطلب، ثم في رعاية عمه أبو طالب بعد وفاة جده. منذ صغره، كان يُعرف بالصادق الأمين، وكان له سمعة طيبة بين قريش ومن حوله، بسبب صدقه وأمانته.

كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعيش في مجتمع مكي قبلي، يميل إلى الوثنية، والعديد من الناس كانوا يعبدون الأصنام ويعيشون في حياة من التفرقة الاجتماعية والاقتصادية. وعلى الرغم من ذلك، كانت مكة مدينة تجارية مشهورة ومزدهرة، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعمل في التجارة بعد أن عمل مع زوجته السيدة خديجة بنت خويلد، التي كانت أكبر منه سناً.

ومع تقدم السنوات، كان النبي صلى الله عليه وسلم يميل إلى التأمل والتفكير في حال مجتمعه، وكان يقضي أوقاتًا طويلة في غار حراء في جبل النور بالقرب من مكة. وقد كان هذا الغار مكانًا هادئًا للنزول عن هموم الحياة والتفكر في الكون ووجود الخالق سبحانه وتعالى. هذه العزلة والتفكر كانت جزءًا من المقدمات التي أعدّت قلبه لاستقبال الوحي.

وحي جبريل: بداية الوحي ونزوله على النبي صلى الله عليه وسلم:

في غار حراء، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم في عزلة يتأمل، نزل عليه الوحي لأول مرة في شهر رمضان في السنة الخامسة والأربعين من عمره، وكان ذلك في العام 610 ميلادي تقريبًا. جائته أولى آيات القرآن الكريم عبر الملك جبريل عليه السلام، الذي أمره بأن يقرأ، كما ورد في قوله تعالى: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ” (العلق: 1).

وفي هذا السياق، كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حينما نزل عليه الوحي لأول مرة 40 عامًا، وهو ما اتفق عليه الكثير من العلماء والمفسرين بناءً على الأحاديث والآثار الواردة في الكتب التاريخية والدينية. ونزل الوحي في ذلك اليوم كأول بداية لحمل أمانة الرسالة التي أرسل بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين.

لماذا كان عمره 40 عامًا؟

العديد من العلماء تناولوا هذه المسألة من زاوية تاريخية وروحية. يمكن القول إن 40 عامًا هي مرحلة نضوج الإنسان، إذ تكون قد مرت سنوات من الخبرة والتعلم، وعاش الإنسان من خلالها العديد من التجارب الحياتية التي تؤهله لاستقبال مثل هذا الحدث العظيم. في كثير من الثقافات والمجتمعات القديمة، كان يُعتبر سن الأربعين سنّ الحكمة والوعي الكامل، ويعتبر الإنسان في هذا العمر قد بلغ النضج الكامل عقليًا وروحيًا.

أما من الناحية الدينية، فإن سن الأربعين له دلالات خاصة في الإسلام. ففي القرآن الكريم، ورد ذكر سن الأربعين في سياقات متعددة، وكان من بين هذه السياقات ما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: “من بلغ أربعين سنة فقد بلغ السعي”. وهذه إشارة إلى النضج الكامل، وهو العمر الذي يصبح فيه الإنسان مستعدًا لتحمل المسؤوليات الكبرى.

أحداث نزول الوحي:

عندما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء، كان النبي في حالة من الهلع والخوف مما حدث، فقد كان يتلقى شيئًا جديدًا تمامًا لم يعشه من قبل. وبعد أن ظهر له جبريل عليه السلام، وطلب منه أن يقرأ، كانت الكلمات الأولى التي نزلت هي “اقْرَأْ”، وهو ما أثار في قلب النبي صلى الله عليه وسلم حالة من الارتباك الشديد.

ثم أضاف جبريل عليه السلام الآيات التالية التي تضمنت مفاهيم عظيمة حول الخلق: “خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ” و**”اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ”**. ولأن هذه الكلمات كانت جديدة عليه، فقد شعر صلى الله عليه وسلم بالحيرة والتردد، وخرج مسرعًا من الغار ليعود إلى بيته. وكان هذا لحظة فارقة في حياته، حيث نقلت حياته من حياة عادية إلى حياة مع جهد كبير ورسالة ثقيلة.

رد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد نزول الوحي:

بعد نزول الوحي، كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يمر بحالة من الذهول والارتباك. دخل منزله وعاد إلى السيدة خديجة، زوجته، وهو في حالة من الهلع، وقال لها: “زملوني زملوني”. وقد أحاطته خديجة بالراحة والطمأنينة، وطلبت منه أن يكون ثابتًا، وقالت له كلمات تواسيه وتجعله يطمئن، مثل: “لا يحزنك الله، والله لن يخذلك أبدًا”. وأكدت له أن ما رآه ليس إلا خيرًا.

توجهت السيدة خديجة إلى ورقة بن نوفل، وهو أحد رجال الدين المسيحيين الذين كانوا في مكة في ذلك الوقت، ليطمئنها حول ما حدث. وقد أكد ورقة بن نوفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شهد بداية الوحي، وأن ما رآه هو نفسه الذي نزل على الأنبياء من قبله.

تأكيد العلماء على عمر النبي صلى الله عليه وسلم:

تتفق الروايات الدينية والكتب التاريخية على أن عمر النبي صلى الله عليه وسلم كان 40 عامًا عندما نزل عليه الوحي. هذا التاريخ يعد نقطة تحول في حياة النبي وفي تاريخ البشرية بشكل عام، حيث بدأ من هنا تبليغ الرسالة السماوية التي استمرت 23 سنة. وُجدت العديد من الأحاديث التي تؤكد هذا العمر مثل ما جاء في حديث عن عائشة رضي الله عنها حيث قالت: “تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سن 25، فكانت الوحي أول ما نزل عليه وهو في سن الأربعين”.

خاتمة:

إن عمر النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي، الذي كان 40 عامًا، يحمل في طياته معاني عميقة. فهذه المرحلة العمرية هي مرحلة نضج واكتمال، تؤهل الإنسان لاستقبال مثل هذا الحدث العظيم الذي غير مجرى التاريخ. وعليه، فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن مجرد شخص عادي، بل كان في هذه السن قد بلغ أرقى درجات النضج العقلي والروحي الذي جعل الوحي ينزل عليه. وقد بُعث برسالة جديدة من الله سبحانه وتعالى، لتحمل للبشرية في كافة العصور هداية ونورًا.