كيفية علاج نزلات البرد عند الرضع: دليل شامل وموسع

تُعد نزلات البرد من أكثر الأمراض الشائعة التي تصيب الرضع، خاصة في الأشهر الأولى من حياتهم، حيث لا يزال جهازهم المناعي في طور النمو ولا يمتلك القوة الكافية لمقاومة الفيروسات الشائعة. ورغم أن نزلات البرد عند الرضع غالبًا ما تكون غير خطيرة، إلا أن التعامل الخاطئ معها قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة مثل التهاب الشعب الهوائية أو الالتهاب الرئوي، ما يستوجب معرفة دقيقة وموثوقة بطرق العلاج والرعاية الملائمة.

يهدف هذا المقال إلى تقديم دليل علمي وطبي شامل لعلاج نزلات البرد عند الرضع، مع مراعاة كافة الجوانب المتعلقة بالتشخيص، وطرق الرعاية المنزلية، والإشارات التي تستدعي تدخلاً طبيًا، إضافة إلى سبل الوقاية. تم إعداد هذا المحتوى وفقًا لأحدث الدراسات والمراجع الطبية الموثوقة، ليتماشى مع أفضل الممارسات الصحية ويضمن سلامة الرضيع.

أولاً: ماهي نزلات البرد عند الرضع؟

نزلات البرد أو ما يُعرف بالزكام (Common Cold) هي عدوى فيروسية تصيب الجهاز التنفسي العلوي، وتنتقل من خلال الهواء أو ملامسة الأسطح الملوثة. ويُقدر أن الطفل الرضيع قد يُصاب بما بين 6 إلى 10 نزلات برد في السنة الأولى من عمره، نظرًا لضعف مناعته وميله لاستكشاف محيطه باستخدام فمه.

من أبرز الفيروسات المسببة لنزلات البرد:

• فيروس الأنف (Rhinovirus): وهو الأكثر شيوعًا.

• الفيروس التنفسي المخلوي (RSV): يسبب أعراضًا أكثر حدة، خاصة عند الأطفال دون 6 أشهر.

• فيروس كورونا البشري الموسمي (غير COVID-19).

• فيروسات الإنفلونزا ونظيرات الإنفلونزا (Parainfluenza).

ثانياً: أعراض نزلات البرد عند الرضع

تختلف أعراض نزلات البرد عند الرضع حسب شدة العدوى وعمر الطفل، ولكن الأعراض التقليدية تشمل:

• سيلان الأنف أو انسداده

• العطس المتكرر

• السعال الخفيف إلى المتوسط

• ارتفاع طفيف في درجة الحرارة (أقل من 38.5 مئوية)

• فقدان الشهية

• صعوبة في النوم

• تهيج وبكاء أكثر من المعتاد

• صعوبة في الرضاعة الطبيعية أو الصناعية بسبب انسداد الأنف

• أحيانًا قد تظهر أعراض مثل احمرار العين أو إسهال خفيف

ثالثاً: تشخيص نزلات البرد عند الرضع

يُعتمد في التشخيص على الفحص السريري من قبل الطبيب، ومراقبة الأعراض، حيث لا يتم عادة إجراء فحوصات دم أو أشعة إلا في حال ظهور علامات على وجود عدوى بكتيرية أو مضاعفات خطيرة.

لا تُستخدم المضادات الحيوية لعلاج نزلات البرد، لأنها ناجمة عن عدوى فيروسية، وبالتالي فإن العلاج يركز على تخفيف الأعراض ودعم الجسم في مقاومة الفيروس.

رابعاً: طرق علاج نزلات البرد عند الرضع

1. تنظيف الأنف بمحلول ملحي

استخدام المحلول الملحي (Saline drops or spray) يُعد من أهم الوسائل الفعالة لإزالة المخاط من أنف الرضيع وتسهيل التنفس. يمكن وضع قطرات من المحلول في كل فتحة أنف ثم استخدام الشفاط الأنفي (bulb syringe) لإزالة المخاط.

ملحوظة: يجب استخدام المحلول الملحي المُخصص للأطفال وتجنب أي مستحضرات تحتوي على أدوية أو مكونات كيميائية.

2. استخدام الشفاط الأنفي

يُستخدم الشفاط الأنفي لشفط المخاط من أنف الرضيع، وهو مهم لتسهيل عملية التنفس خاصة قبل الرضاعة أو النوم. يجب تطهير الشفاط بعد كل استخدام لتجنب انتشار العدوى.

3. رفع رأس الطفل أثناء النوم

وضع وسادة صغيرة تحت المرتبة أو رفع رأس السرير يساعد في تصريف المخاط بشكل طبيعي ويقلل من السعال الليلي. لا يُنصح بوضع وسائد مباشرة تحت رأس الرضيع لتجنب خطر الاختناق أو متلازمة موت الرضع المفاجئ.

4. الرضاعة المستمرة

الرضاعة الطبيعية أو الصناعية تعتبر عنصرًا مهمًا في العلاج لأنها:

• تُرطّب الجسم

• تقوي الجهاز المناعي

• تُخفف من الانزعاج لدى الطفل

حليب الأم يحتوي على أجسام مضادة طبيعية تساعد على مقاومة الفيروسات.

5. التحكم في درجة حرارة الغرفة وترطيب الهواء

يفضل أن تكون درجة حرارة غرفة الرضيع معتدلة (بين 20-22 درجة مئوية) وأن يُستخدم جهاز ترطيب الهواء (Humidifier) للحفاظ على رطوبة الأغشية المخاطية في الأنف.

6. الحمام الدافئ

تعريض الرضيع للبخار الناتج عن الحمام الدافئ يساعد في ترطيب الممرات التنفسية وتخفيف الاحتقان. يمكن الجلوس مع الرضيع في الحمام المُغلق لمدة 10 دقائق دون أن يكون الماء ساخنًا بشكل مباشر.

7. مراقبة درجة الحرارة

في حال ظهور ارتفاع في الحرارة (أكثر من 38.5 مئوية)، يمكن استخدام خافض حرارة مناسب لعمر الطفل مثل الباراسيتامول (حسب تعليمات الطبيب). لا يُنصح باستخدام الأيبوبروفين للرضع دون عمر 6 أشهر.

8. تجنب الأدوية التي تُصرف بدون وصفة طبية

يحذر الأطباء من إعطاء أدوية السعال أو مضادات الاحتقان أو مضادات الهستامين للأطفال دون عمر سنتين إلا بتوصية طبية مباشرة، لما لها من مخاطر على صحة الجهاز التنفسي والقلب.

خامساً: متى يجب مراجعة الطبيب فوراً؟

بعض الحالات تتطلب تدخلاً طبيًا عاجلاً، مثل:

• ارتفاع الحرارة لأكثر من 38 درجة مئوية لدى رضيع أقل من 3 أشهر

• صعوبة في التنفس أو تنفس سريع بشكل غير معتاد

• زرقة في الشفاه أو حول الفم

• رفض الرضاعة بشكل كامل

• النعاس الشديد أو عدم الاستجابة

• سعال شديد ومستمر

• علامات جفاف مثل قلة التبول أو جفاف الفم والجلد

سادساً: الوقاية من نزلات البرد عند الرضع

1. الرضاعة الطبيعية

توفر حماية مناعية طبيعية ضد الفيروسات والبكتيريا، وتقلل من فرص الإصابة بنزلات البرد.

2. نظافة اليدين

غسل اليدين قبل التعامل مع الطفل أو رضاعته من أبرز سبل الوقاية، وكذلك تنظيف ألعاب الطفل وتعقيم الأسطح.

3. تجنب الأماكن المزدحمة

يفضل تجنب الأماكن العامة في موسم الشتاء أو عند وجود حالات عدوى كثيرة، وخاصة مع الأطفال حديثي الولادة.

4. إبعاد الأشخاص المصابين

يجب عدم السماح لأي شخص مصاب بنزلة برد بحمل الرضيع أو الاقتراب منه.

5. التهوية اليومية للغرفة

تهوية الغرف مهم لطرد الفيروسات ومنع تراكمها، مع تجنب تعريض الرضيع لتيارات هواء مباشرة.

جدول: الفرق بين نزلات البرد والإنفلونزا عند الرضع

سابعاً: المضاعفات المحتملة لنزلات البرد عند الرضع

رغم أن نزلات البرد غالبًا ما تكون بسيطة، إلا أن بعض الرضع قد يتعرضون لمضاعفات نتيجة ضعف المناعة أو الإهمال في العلاج، ومنها:

• التهاب الأذن الوسطى

• التهاب القصيبات الهوائية

• الالتهاب الرئوي

• الربو التحسسي لاحقًا

• التهاب الجيوب الأنفية (نادرًا في السنة الأولى)

الوقاية الجيدة والرعاية المنزلية المناسبة تقلل بشكل كبير من احتمال تطور مثل هذه المضاعفات.

ثامناً: علاج نزلات البرد بالأعشاب للرضع

يحذر الأطباء من استخدام الأعشاب مباشرة للأطفال دون السنة الأولى، ولكن يمكن الاستفادة من بعض الممارسات الطبيعية بعد استشارة الطبيب مثل:

• الكمادات الدافئة على الصدر أو الظهر لتخفيف السعال

• الزيوت العطرية الطبيعية (مثل زيت الكافور أو النعناع) ولكن لا تُستخدم مباشرة على الجلد بل في جهاز البخار بتركيز منخفض

تاسعاً: دور الجهاز المناعي في مقاومة نزلات البرد

يبدأ الجهاز المناعي للرضيع بالتطور منذ الولادة، وتلعب التجارب المتكررة مع الفيروسات (مثل نزلات البرد) دورًا في تعزيزه. من المهم أن تتم هذه التجارب في بيئة محمية وداعمة، حيث يُسمح للجهاز المناعي بالتعرف على الفيروسات ومقاومتها تدريجيًا دون تعريض الطفل لخطر المضاعفات.

عاشراً: نصائح إضافية للعناية بالرضيع المصاب بالبرد

• تقليل النشاط الحركي المجهد للطفل وإبقاؤه في وضع مريح.

• تجنب التدخين في محيط الطفل، لأن التدخين السلبي يفاقم الأعراض التنفسية.

• عدم إرسال الرضيع إلى دور الرعاية خلال فترة الإصابة لتجنب نقل العدوى للآخرين.

المراجع

1. Mayo Clinic. Common cold in infants. https://www.mayoclinic.org

2. American Academy of Pediatrics. Caring for Your Baby and Young Child: Birth to Age 5.