تحذير: لا تلبس النظارة وأنت تتكلم بالموبايل
في عصر أصبحت فيه الهواتف الذكية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، بات استخدام هذه الأجهزة سلوكًا متكررًا قد يستمر لساعات طويلة في اليوم، سواء لأغراض العمل، أو التواصل الاجتماعي، أو حتى الترفيه. وفي خضم هذا الاستخدام المتزايد، تظهر العديد من التحذيرات الصحية التي تحذر من أخطاء بسيطة تبدو للوهلة الأولى غير مؤذية، لكنها في الحقيقة قد تسبب أضرارًا صحية متراكمة وخطيرة. من بين هذه التحذيرات، يبرز تحذير مهم وخطير: لا تلبس النظارة وأنت تتكلم بالموبايل. قد يبدو هذا الأمر غريبًا أو غير منطقي للبعض، لكن عند الغوص في التفاصيل البيولوجية والفيزيائية، نجد أن هذا التحذير يستند إلى معطيات علمية وملاحظات سريرية دقيقة.
العلاقة بين النظارات وعدساتها وانبعاثات الهاتف المحمول
النظارات، خاصة تلك التي تحتوي على عدسات زجاجية أو بلاستيكية بطبقات طلاء مقاومة للانعكاسات أو لأشعة UV، تشكل سطحًا تفاعليًا مع الإشعاعات الكهرومغناطيسية المنبعثة من الهاتف. فعند الحديث بالموبايل، يصدر الهاتف إشعاعات كهرومغناطيسية في نطاق الميكروويف (بين 800 ميغاهرتز إلى 2.5 غيغاهرتز)، وهي إشعاعات غير مؤينة لكنها قادرة على التفاعل مع الأسطح المعدنية أو العاكسة.
عندما توضع النظارة، وتستخدم الهاتف قرب الرأس، فإن العدسات تشكل ما يشبه “العاكس الثانوي”، بحيث تعكس بعض الموجات الكهرومغناطيسية مرة أخرى نحو الوجه والعين والمنطقة المحيطة بالأذن. هذا الانعكاس قد يزيد من شدة التعرض المحلي للإشعاعات، خاصة حول القرنية وشبكية العين.
تأثير الإشعاعات الكهرومغناطيسية على العين عبر النظارة
تشير العديد من الدراسات إلى أن التعرض المزمن للإشعاعات الصادرة من الهواتف المحمولة قد يكون له تأثيرات حرارية وغير حرارية على الأنسجة البيولوجية. العين، بحكم أنها عضو حساس، خالٍ من الدورة الدموية المباشرة في بعض الأجزاء، تصبح أكثر عرضة لأي تغير حراري أو تأيني.
ارتداء النظارات أثناء استخدام الهاتف المحمول قد يؤدي إلى تأثير مضاعف من حيث تركيز الإشعاعات في منطقة العين. وهذا التأثير لا يحدث بسبب النظارة بحد ذاتها، بل بسبب تقارب العدسات من العين وتفاعلها مع الموجات:
-
ارتفاع درجة حرارة العدسة قليلاً قد يؤدي إلى تغيير في تركيبة البوليمرات الخاصة بالعدسة، ما قد ينتج عنه إطلاق جزيئات دقيقة تتفاعل مع الهواء الرطب المحيط بالعين.
-
تشتيت الموجات داخل الفراغ الضيق بين العدسة والعين يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات غير مرئية لكنها تراكميّة، مثل جفاف العين المزمن، التهاب الأنسجة حول الحجاج، أو إرهاق بصري متكرر.
-
التعرض المزمن لأشعة الهاتف عبر عدسة زجاجية أو معدنية الحواف قد يزيد احتمالية تكون جزيئات أكسجينية نشطة حول العين، وهي من العوامل المعروفة في تدهور الخلايا البصرية وزيادة خطر الإصابة بأمراض مثل الضمور البقعي.
التأثير على العصب السمعي والدماغي من خلال انعكاسات العدسة
يجب أن لا نغفل عن قرب العدسة من الصدغ والعصب السمعي، فالهاتف المحمول لا يصدر فقط إشعاعات نحو الأذن بل إلى المحيط كله. العدسة تصبح هنا نقطة “انكسار” أو “انعكاس” قد تزيد من تأثير هذه الموجات على منطقة ما حول الدماغ والأذن الداخلية، خاصة إذا كانت النظارة ذات إطار معدني أو تحتوي على دعامات معدنية. هذه المواد تعمل كناقلات كهربائية جيدة، ما يزيد من فرصة تضخيم الموجة أو تركيزها.
من المعروف أن العصب السمعي يتأثر بالإجهاد الكهرومغناطيسي، وفي الحالات القصوى، ووفقًا لبعض التجارب المعملية، تم تسجيل تغييرات في التوصيل العصبي وتغيرات في موجات الدماغ لدى أشخاص تعرضوا طويلًا للإشعاعات الكهرومغناطيسية بالقرب من الرأس.
العدسات الذكية والمخاطر المتفاقمة
مع تطور صناعة النظارات، ظهرت العدسات الذكية، وهي نظارات تحتوي على شرائح إلكترونية وشاشات عرض صغيرة أو أجهزة استشعار. هذه العدسات، إذا استُخدمت أثناء التحدث بالموبايل، تُعرّض مرتديها لخطر تراكب الإشارات الرقمية والإشعاعات. وقد رُصدت حالات لزيادة درجة حرارة العدسات الذكية عند استخدامها بجانب الهاتف، مما يرفع من درجة حرارة الجلد حول العين، ويزيد من خطر تهيج القرنية، وظهور أعراض مثل الصداع، الإرهاق العيني، والتنميل حول الوجه.
الجدول التالي يوضح تفاعلات النظارة مع الإشعاعات الصادرة من الهاتف المحمول:
| نوع العدسة | المادة المصنوعة منها | تأثيرها مع إشعاعات الهاتف | درجة الخطورة |
|---|---|---|---|
| عدسة بلاستيك | بولي كربونات | تمتص الإشعاع بشكل جزئي | متوسطة |
| عدسة زجاجية | زجاج مضاد للانعكاس | تعكس الإشعاع بقوة | مرتفعة |
| عدسة ذكية | شرائح إلكترونية | تفاعل مضاعف ومخاطر حرارية | عالية جدًا |
| عدسة بإطار معدني | معادن موصلة | تركيز إشعاعي حول الرأس | مرتفعة |
| عدسة UV | مرشح ضد الأشعة فوق البنفسجية | تقلل خطر الشمس وليس إشعاعات الهاتف | منخفضة |
احتياطات يجب اتخاذها لحماية العين والرأس
-
استخدام السماعات السلكية أو اللاسلكية عند الحديث بالهاتف، لتجنب وضع الجهاز مباشرة قرب الرأس، وتقليل التعرض المباشر.
-
إزالة النظارات أثناء التحدث مطولًا بالموبايل، خاصة في الأماكن المغلقة أو السيئة التهوية.
-
عدم استخدام الهاتف أثناء شحنه، حيث تزداد الإشعاعات الكهرومغناطيسية بشكل ملحوظ في هذه الحالة، وقد يكون التفاعل مع العدسات أكبر.
-
تجنب النظارات ذات الإطارات المعدنية عند الاستخدام المكثف للهاتف.
-
الابتعاد عن استخدام الهاتف الذكي مباشرة على الأذن لمدة تزيد عن 5 دقائق متواصلة عند ارتداء النظارة، ويفضل التبديل بين الأذنين لتقليل التأثير الأحادي.
-
إبعاد الهاتف عن منطقة الوجه أثناء المكالمات المطولة والاعتماد على مكبر الصوت إن أمكن.
تأثيرات محتملة طويلة الأمد
مع التكرار المزمن لهذه العادة، قد تظهر تأثيرات طويلة الأمد، خاصة على العينين والدماغ، وتشمل:
-
تراجع جودة البصر مع تقدم السن بسبب تلف شبكي تدريجي.
-
زيادة معدلات الصداع النصفي عند الأشخاص الذين يعتمدون على النظارات طوال الوقت.
-
ضعف التركيز العقلي بسبب تأثير الإشعاعات على مراكز التركيز في الدماغ.
-
ظهور أعراض ما يُعرف بـ”التعب الرقمي” Digital Fatigue وهو شعور بالإرهاق الناتج عن الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية.
الخلاصة الطبية والتحذيرية
إن الجمع بين النظارات واستخدام الهاتف المحمول مباشرة على الأذن يمثل عامل خطر يجب عدم الاستهانة به، خاصة إذا تكرر يوميًا وبفترات طويلة. التأثيرات المتراكمة على العين، الجلد، والعصب السمعي تستدعي تحذيرًا واضحًا ومباشرًا للحد من هذه العادة. الاستخدام الواعي للتكنولوجيا يتطلب منا ليس فقط الاهتمام بمحتوى الجهاز، بل أيضًا بطريقة تعاملنا الجسدي معه.
المصادر:
-
Hardell, L., & Carlberg, M. (2009). Mobile phones, cordless phones and the risk for brain tumours. International Journal of Oncology.
-
World Health Organization. (2014). Electromagnetic fields and public health: mobile phones. WHO Fact Sheet No. 193.
