مصادر الماء الطهور في الإسلام

مصادر الماء الطهور

يُعد الماء الطهور من أهم الموضوعات التي تتعلق بأحكام الطهارة في الشريعة الإسلامية، لما له من دور جوهري في تحقيق شرط من شروط صحة كثير من العبادات، كالصلاة والطواف وغيرها من العبادات التي لا تصح إلا بالطهارة. وقد أولى الفقهاء عناية بالغة ببيان ماهية الماء الطهور، وخصائصه، وأقسامه، وأهم مصادره، وما يميّزه عن غيره من أنواع المياه. وتنبع أهمية هذا الموضوع من أن الطهارة مدخل رئيس لسلامة العبادة، والماء هو الوسيلة الأساسية لذلك في الأحكام الإسلامية.

يُقصد بالماء الطهور في اصطلاح الفقهاء: الماء الباقي على أصل خلقته، الذي لم يخالطه شيء يُزيل طهوريته، أي أنه طاهر في نفسه مطهر لغيره. وهذا النوع من الماء هو الذي يُستخدم في رفع الحدث وإزالة النجس. أما غيره من المياه، كالماء النجس أو الماء الطاهر غير المطهر، فلا يجوز استخدامه في الوضوء أو الغسل.

وفي هذا السياق، يُعد التعرف على مصادر الماء الطهور أساساً فقهياً وواقعياً لتيسير أداء العبادات والطهارات، خاصة في البيئات المختلفة التي قد تتعدد فيها مصادر المياه أو تندر. وفيما يلي عرضٌ مفصل لمصادر الماء الطهور التي أقرّتها الشريعة الإسلامية وفق نصوص الكتاب والسنة، وما اجتهد فيه العلماء.

أولاً: مفهوم الماء الطهور شرعاً

الماء الطهور هو كل ماء نزل من السماء أو نبع من الأرض، ولم يتغير طعمه أو لونه أو رائحته بشيء من النجاسات. قال الله تعالى:

{وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]، فدل ذلك على أن الماء الذي ينزل من السماء هو ماء طهور، لم تطرأ عليه نجاسة ولا تغير جوهري.

والحديث النبوي الشريف يوضح ذلك أيضاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “هو الطهور ماؤه، الحل ميتته” في وصف ماء البحر [رواه أبو داود والترمذي]. وهذا الحديث أصل في بيان أن بعض مصادر المياه الطبيعية باقية على صفة الطهورية.

ثانياً: مصادر الماء الطهور المعتمدة شرعاً

1. مياه السماء (ماء المطر والثلج والبرد)

تعد مياه السماء المصدر الأول للماء الطهور، وتشمل:

• ماء المطر: وهو ما ينزل من السحاب، ويظل طهورًا ما لم يخالطه شيء يغير طبيعته.

• الثلج: ماء متجمد ينزل من السماء، ويذوب عند التماس مع الحرارة، ويأخذ حكم الطهورية.

• البَرَد: قطع من الثلج تنزل من السماء في حال الجو البارد، ويعتبر من ماء السماء، وبالتالي هو طهور.

وقد ورد في دعاء النبي ﷺ في الاستفتاح:

“اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد” [رواه البخاري ومسلم]، مما يدل على طهورية هذه الأنواع الثلاثة من مياه السماء.

2. مياه البحار والمحيطات

يُعد ماء البحر طهوراً بالإجماع، رغم ملوحته. وقد دل على ذلك حديث الصحابي الجليل الذي سأل النبي ﷺ عن ماء البحر فقال:

“هو الطهور ماؤه، الحل ميتته”. وهذا يشمل أيضاً المياه المالحة الأخرى التي لم تتنجس.

وقد ألحق العلماء بالمحيطات والبحار كل المسطحات المالحة التي تبقى على حالتها الطبيعية دون تغيير جوهري يُذهب عنها صفة الطهورية.

3. مياه العيون والينابيع

العيون التي تفجر من باطن الأرض كمياه زمزم، والينابيع التي تخرج من الأرض طبيعياً، تُعد أيضاً من المياه الطهور، لأنها لم تتعرض لتغيير يُفقدها صفة الطهارة.

وقد ورد عن النبي ﷺ قوله في ماء زمزم:

“ماء زمزم لما شرب له، وهو طعام طُعم وشفاء سقم” [رواه ابن ماجه].

وقد أجمع العلماء على أن ماء زمزم طهور، ويُستخدم في الطهارة والتبرك والشرب والاستشفاء.

4. مياه الأنهار والجداول

تُعد الأنهار والجداول التي تنبع من مصادر طبيعية وتمضي في مجاريها من المياه الطاهرة الطهورة، ما لم يخالطها نجاسة تُغيّر أوصافها الثلاثة.

وقد ثبت أن النبي ﷺ توضأ من ماء نهر، كما في الحديث: “أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة فيها ماء من نهر”.

القاعدة الشرعية تنص على: “الأصل في الماء الطهارة، ما لم يتغيّر بنجاسة”، وبذلك فإن الأنهار والجداول الجارية تعتبر طاهرة ما دامت لم تتلوث.

5. مياه الآبار

مياه الآبار التي تستخرج من جوف الأرض، سواء كانت ارتوازية أو عادية، تدخل في المياه الطهور.

وقد كان المسلمون في عهد النبي ﷺ يستعملون مياه الآبار في الطهارة، ومن أشهرها بئر “رومة” في المدينة المنورة، التي كانت من أهم مصادر الماء الطهور آنذاك.

ويشترط في ماء البئر أن لا تقع فيه نجاسة تغير أحد أوصافه. فإذا سقط فيه شيء نجس ولم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته، فالماء يبقى طهورًا.

6. مياه العيون الصناعية (المياه المستخرجة بالتقنيات الحديثة)

المياه التي تُستخرج عبر مضخات أو تقنيات حديثة من طبقات جوفية لا تفقد صفة الطهورية، ما دامت من أصل طبيعي ولم يطرأ عليها تغيّر.

كذلك تُعد المياه المجمعة من الأمطار وتُخزن بطريقة صحيحة دون تلوث من المصادر الطاهرة الطهورة، ويجوز استعمالها في الوضوء والغسل.

ثالثاً: شروط بقاء الماء على طهوريته

لا يكفي أن يكون الماء من مصدر طبيعي فحسب ليُعد طهوراً، بل يشترط العلماء شروطاً أساسية لبقائه طهوراً، منها:

• عدم تغير لونه أو طعمه أو رائحته بشيء نجس.

• أن لا يغلب على الماء وصف النجاسة، سواء بالمقدار أو الرائحة أو اللون.

• ألا يكون الماء قد خالطه شيء طاهر ولكنه أخرجه عن اسمه، كالماء الممزوج بالصابون أو الأعشاب بكميات كبيرة تؤثر في خواصه.

وهنا يجب التفريق بين الماء الطاهر غير المطهر (مثل ماء الورد)، وبين الماء النجس، فكلاهما لا يُستخدم في الطهارة الشرعية.

رابعاً: جدول مقارن لمصادر الماء الطهور

خامساً: أمثلة تطبيقية من حياة المسلمين في استخدام الماء الطهور

• كان المسلمون الأوائل يستعملون مياه الآبار في المدينة المنورة في الطهارة اليومية.

• استخدم النبي ﷺ ماء البحر أثناء السفر في البحر، مما دل على جواز استخدامه حتى في الظروف الصعبة.

• ماء زمزم كان يُستخدم للوضوء في الحرم المكي ولا يزال حتى اليوم يستعمل في الطهارة.

• الفقهاء في البيئات الصحراوية أجازوا استخدام مياه المطر المخزنة شريطة عدم تغيرها.

• في العصر الحديث، تُستخدم مياه الأنابيب التي تُستخرج من مصادر طبيعية، ويُعتمد عليها في المساجد والوضوء اليومي.

خاتمة

يتضح من عرضنا أن مصادر الماء الطهور في الإسلام تشمل كل ما خلقه الله من مياه لم تتغير صفاتها، سواء كانت من السماء أو من الأرض. هذه النظرة الشاملة التي اعتمدتها الشريعة تمثل قمة الرحمة والتيسير على المسلمين، إذ لم تحصر الطهارة في مصدر واحد، بل جعلت من كل ماء طبيعي صالحاً للطهارة ما دام على أصله. وهو ما يعزز مبادئ النظافة، واليسر، والمرونة في أداء العبادات، ويجعل الشريعة الإسلامية شريعة واقعية تُراعي حاجات الناس في مختلف البيئات والمناطق.

المراجع:

1. ابن قدامة، المغني، دار الفكر – بيروت.

2. النووي، شرح صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي.