أكبر 10 دول في أوروبا حسب عدد المسلمين

تمثل الجالية المسلمة في أوروبا مكونًا ديموغرافيًا بارزًا ومتناميًا، إذ تتوزع في مختلف الدول الأوروبية بنسب متفاوتة تعكس عوامل تاريخية، سياسية، اقتصادية ودينية. يتنوع الوجود الإسلامي في أوروبا بين مهاجرين من دول إسلامية، وسكان من أصول مسلمة، وكذلك عدد من المعتنقين الجدد للإسلام من الأوروبيين أنفسهم. هذا الوجود تعزز عبر العقود، لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال موجات الهجرة التي ساهمت في تشكيل مجتمعات إسلامية متماسكة داخل النسيج الأوروبي. في هذا المقال، سيتم استعراض أكبر عشر دول أوروبية من حيث عدد المسلمين، مع الإشارة إلى العوامل التي ساهمت في نمو هذا الوجود في كل دولة، ونظرة على التحديات والفرص التي يشكلها هذا التداخل الحضاري والديني في القارة العجوز.

1. فرنسا

تعد فرنسا الدولة الأوروبية الأولى من حيث عدد المسلمين، إذ تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 6 ملايين مسلم، أي ما يعادل نحو 8-10% من إجمالي السكان. تعود جذور هذا الوجود إلى الحقبة الاستعمارية، خصوصًا من الجزائر، المغرب، وتونس، إذ شكل المهاجرون من هذه البلدان النواة الأولى للجالية المسلمة في فرنسا. في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، شجعت فرنسا الهجرة من مستعمراتها السابقة لتلبية حاجات سوق العمل، مما أدى إلى استقرار ملايين المسلمين داخل البلاد.

وتتركز الجاليات المسلمة بشكل خاص في الضواحي الكبرى لمدن مثل باريس، مرسيليا، وليون، حيث تطورت مجتمعات محلية متكاملة، تضم مساجد، جمعيات إسلامية، ومدارس دينية. ورغم الحضور الثقافي والديني القوي، إلا أن المسلمين في فرنسا يواجهون تحديات تتعلق بالاندماج، الهوية، وقوانين العلمانية الصارمة التي تقيد المظاهر الدينية في الفضاء العام.

2. ألمانيا

تأتي ألمانيا في المرتبة الثانية بأكثر من 5.5 ملايين مسلم، يشكلون حوالي 6.5% من السكان. تعود بداية وجود المسلمين في ألمانيا إلى الستينيات عندما استقدمت الحكومة الألمانية “العمال الضيوف” من تركيا للمشاركة في إعمار البلاد بعد الحرب. وكان للأتراك النصيب الأكبر من هؤلاء العمال، مما أدى إلى تشكل مجتمع مسلم تركي واسع لا يزال يشكل العمود الفقري للجالية الإسلامية في ألمانيا حتى اليوم.

تشهد ألمانيا اليوم تنوعًا كبيرًا داخل الجالية المسلمة، إذ تشمل الأتراك، العرب، البوسنيين، الإيرانيين، وأعدادًا متزايدة من اللاجئين القادمين من سوريا، العراق، وأفغانستان. وتتوفر في البلاد آلاف المساجد والمراكز الإسلامية، إلى جانب نشاط ديني وثقافي واضح. وفي السنوات الأخيرة، زادت المبادرات الحكومية التي تهدف إلى دعم اندماج المسلمين في المجتمع الألماني، لكن لا تزال بعض التحديات قائمة خاصة في ما يتعلق بالإسلاموفوبيا والتمييز المؤسسي.

3. المملكة المتحدة

يعيش في المملكة المتحدة أكثر من 4.5 ملايين مسلم، أي حوالي 6.5% من السكان. بدأ الوجود الإسلامي في بريطانيا بالتوسع بعد الحرب العالمية الثانية، خصوصًا مع قدوم مهاجرين من الهند، باكستان، وبنغلاديش، وهي بلدان كانت تحت الحكم البريطاني. وقد استقر المسلمون في مدن صناعية كبرى مثل لندن، برمنغهام، مانشستر، وبرادفورد.

تميز الجالية الإسلامية في بريطانيا بتنوعها الإثني والثقافي الكبير، فضلاً عن وجود مؤسسات دينية وتعليمية قوية. وقد شهدت البلاد في العقود الأخيرة بروز عدد من السياسيين والعلماء المسلمين الذين أسهموا في الحياة العامة. ورغم بعض التوترات المجتمعية وظهور خطاب الكراهية، فإن النموذج البريطاني في إدارة التنوع الديني والثقافي يُعد أكثر مرونة مقارنة ببعض الدول الأوروبية الأخرى.

4. روسيا

تضم روسيا ما يزيد عن 20 مليون مسلم، إلا أن هذا العدد يمثل نحو 14% فقط من إجمالي السكان نظرًا لحجم روسيا الكبير. يعيش معظم المسلمين في مناطق مثل الشيشان، داغستان، وتتارستان، والبشكيرية، وهي مناطق ذات غالبية مسلمة تاريخيًا. كما توجد جاليات مسلمة كبيرة في المدن الكبرى مثل موسكو وسانت بطرسبورغ.

ينتمي المسلمون الروس إلى قوميات متنوعة، مثل التتار، الشيشان، القوقازيين، إضافة إلى مهاجرين من آسيا الوسطى. وتتمتع بعض المناطق ذات الأغلبية المسلمة بحكم ذاتي نسبي، مع وجود مؤسسات دينية قوية، وعدد كبير من المساجد. ومع ذلك، فإن المسلمين في روسيا يواجهون تحديات تتعلق بالتمييز العنصري، والمراقبة الأمنية، خاصة بعد الأحداث المتعلقة بالتطرف في القوقاز.

5. تركيا (الجزء الأوروبي)

رغم أن غالبية تركيا تقع في آسيا، إلا أن الجزء الأوروبي منها يشكل جزءًا من القارة الأوروبية ويضم مدينة إسطنبول. يعيش في هذا الجزء أكثر من 10 ملايين مسلم. وبما أن تركيا دولة ذات غالبية مسلمة (أكثر من 98% من السكان)، فإن المسلمين يشكلون أغلب السكان في القسم الأوروبي من البلاد.

إسطنبول، باعتبارها مركزًا حضاريًا ودينيًا كبيرًا، تضم آلاف المساجد التاريخية والمعاصرة، وهي مدينة تلعب دورًا محوريًا في الثقافة الإسلامية في أوروبا. كما أن تركيا أصبحت، خلال العقدين الأخيرين، حلقة وصل بين الإسلام التقليدي في الشرق الأوسط والإسلام المعاصر في أوروبا.

6. إيطاليا

بلغ عدد المسلمين في إيطاليا حوالي 2.5 مليون مسلم، ما يمثل تقريبًا 4% من السكان. يعود هذا الحضور في الأساس إلى الهجرة من شمال إفريقيا، خصوصًا من المغرب، تونس، ومصر، إلى جانب ألبانيين وباكستانيين جاءوا في فترات لاحقة.

يتركز الوجود الإسلامي في شمال إيطاليا وفي المدن الكبرى مثل ميلانو، روما، وتورينو. وتعد الجالية المغربية الأكبر عددًا، وتساهم بشكل واضح في قطاعات الزراعة والبناء والخدمات. وقد واجه المسلمون في إيطاليا بعض القيود فيما يخص بناء المساجد الرسمية، إلا أن عددًا متزايدًا من الجمعيات الإسلامية يعمل على تعزيز التمثيل الديني والثقافي للمسلمين.

7. هولندا

يقدر عدد المسلمين في هولندا بحوالي 1.2 مليون مسلم، أي ما يعادل 7% من السكان. بدأت الهجرة الإسلامية إلى هولندا في الستينيات، أساسًا من تركيا والمغرب، نتيجة لسياسات الهجرة الموجهة لسد نقص العمالة. وقد تمكن المسلمون في هولندا من بناء مجتمع متماسك، يتمتع بحقوق دينية واضحة، بما في ذلك بناء المساجد والمدارس الإسلامية.

ورغم بعض التوترات المرتبطة بتصاعد اليمين المتطرف، فإن النموذج الهولندي أظهر مرونة نسبيًا في التعامل مع الأقليات الدينية. وتوجد العديد من المبادرات التي تشجع الحوار بين الأديان، وقد شارك المسلمون في مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية.

8. بلجيكا

يعيش في بلجيكا حوالي 900 ألف مسلم، يشكلون نحو 7.5% من السكان. تعود الهجرة الإسلامية إلى خمسينيات القرن الماضي، خصوصًا من المغرب وتركيا، وتتركز الجاليات المسلمة في المدن الكبرى مثل بروكسل، أنتويرب، وشارلوروا.

يُعد الإسلام في بلجيكا ثاني أكبر ديانة بعد المسيحية، ويُعترف به رسميًا من قبل الدولة. ويتلقى الأئمة العاملون في المساجد دعمًا ماليًا من الحكومة، كما تُدرس الديانة الإسلامية في المدارس الحكومية. ومع ذلك، فإن هناك تحديات تتعلق باندماج الشباب المسلم، ومواجهة التمييز في سوق العمل والسكن.

9. السويد

وصل عدد المسلمين في السويد إلى حوالي 850 ألف مسلم، بنسبة تقارب 8% من السكان. وقد تضاعف هذا العدد في العقود الأخيرة بفعل الهجرة، خاصة من سوريا، العراق، إيران، الصومال، والبوسنة. يتميز النموذج السويدي بانفتاح نسبي في استقبال اللاجئين، ما ساهم في تنامي المجتمع المسلم.

تتوفر الجالية المسلمة على مؤسسات دينية وتعليمية متعددة، ويُمارس الإسلام بحرية كاملة. ومع ذلك، فإن صعود التيارات اليمينية جعل بعض المسلمين يشعرون بالقلق من تصاعد الخطاب العدائي تجاههم.

10. البوسنة والهرسك

رغم أن عدد السكان الكلي في البوسنة والهرسك لا يتجاوز 3.5 مليون نسمة، إلا أن نسبة المسلمين مرتفعة وتشكل نحو 50% من السكان، أي حوالي 1.7 مليون مسلم. يعود هذا إلى كون الإسلام جزءًا أصيلًا من الهوية الوطنية البوسنية، نتيجة للحقبة العثمانية الطويلة التي امتدت لقرون.

البوسنة والهرسك تعد الدولة الأوروبية الوحيدة التي يشكل فيها المسلمون الأغلبية السكانية. يتمتع المسلمون فيها بوضع دستوري يضمن حرية الدين، كما أن للبلاد مؤسسات دينية إسلامية راسخة، مثل المشيخة الإسلامية، والمدارس الشرعية. وتعد سراييفو من أبرز المراكز الإسلامية التاريخية في البلقان.

جدول يوضح أكبر 10 دول أوروبية حسب عدد المسلمين

خاتمة

يمثل الوجود الإسلامي في أوروبا ظاهرة ديموغرافية وثقافية بارزة، تعكس تفاعلًا مستمرًا بين التاريخ، الدين، والسياسة. وبالرغم من التحديات التي تواجه المسلمين في بعض البلدان الأوروبية، فإنهم باتوا يشكلون جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للقارة. إن فهم هذا الوجود بتنوعه وامتداداته، يعد عنصرًا أساسيًا لبناء مجتمعات أوروبية أكثر شمولية وتفاهمًا.

المراجع:

• Pew Research Center. Europe’s Growing Muslim Population, 2017.

• Eurostat, Migration and Migrant Population Statistics, 2023.