مخاطر منع العطس الصحية

منع العطس يؤدي إلى شلل نصفي: المخاطر الصامتة لسلوك بسيط

يُعد العطس من الظواهر الفسيولوجية الطبيعية التي تحدث كرد فعل لا إرادي لتنظيف الممرات التنفسية من الجزيئات الغريبة، مثل الغبار أو الميكروبات أو المهيجات الكيميائية. ومع ذلك، يلجأ بعض الأشخاص إلى كتم أو منع العطس بوسائل مختلفة، منها إغلاق الأنف والفم في لحظة العطسة، دون إدراك لحجم المخاطر الجسيمة المرتبطة بهذا التصرف. ما قد يبدو فعلاً بسيطًا أو غير مهم قد تكون له تبعات صحية خطيرة تصل في بعض الحالات النادرة إلى الإصابة بالشلل النصفي.

يتناول هذا المقال الموسّع تحليلًا علميًا وطبيًا دقيقًا لمخاطر منع العطس، مسلطًا الضوء على كيف يمكن أن تؤدي هذه العادة إلى اضطرابات عصبية، تلف في الأوعية الدموية، ونتائج كارثية على وظائف الدماغ، قد تصل في أقصاها إلى حدوث شلل نصفي.

آلية العطس: دفاع مناعي متكامل

العطس هو عملية تنفسية دفاعية تبدأ بتنبيه من المستقبلات الحسية الموجودة في بطانة الأنف عند دخول جسيم غريب. هذا التنبيه ينقل إشارات عصبية إلى مركز العطس في النخاع المستطيل (medulla oblongata) في الدماغ، والذي بدوره يطلق سلسلة من التفاعلات تشمل:

• انقباض عضلات التنفس والحجاب الحاجز

• إغلاق الحنجرة لفترة وجيزة

• انفجار هوائي عنيف من الأنف والفم بسرعة تصل إلى 160 كم/ساعة لإخراج المادة المهيجة

تعمل هذه العملية على تنظيف المجاري الهوائية العليا وتحقيق التوازن المناعي عبر التخلص من الميكروبات والعوالق. لذا فإن التدخل أو كبح هذه العملية بشكل مفاجئ يؤدي إلى تعطيل الدورة الطبيعية للدفاع المناعي.

كيف يمكن أن يؤدي منع العطس إلى شلل نصفي؟

ضغط مفاجئ على الجمجمة والدماغ

عندما يُمنع العطس فجأة بإغلاق الأنف والفم، لا يجد الهواء القوي الخارج من الرئتين منفذًا، مما يؤدي إلى تولد ضغط داخلي مرتفع داخل الجهاز التنفسي العلوي والجيوب الأنفية. هذا الضغط ينتقل بسرعة إلى الأوعية الدموية في الرأس، مسببًا:

• تمزق الأوعية الصغيرة في الدماغ أو داخل العين

• نزيف تحت العنكبوتية أو الدماغي في الحالات القصوى

• ارتفاع الضغط داخل الجمجمة (Intracranial Pressure)

تُظهر تقارير طبية منشورة في دوريات الأعصاب أن مثل هذا الضغط المفاجئ قد يؤدي، في بعض الحالات النادرة ولكن الخطيرة، إلى تمزق الأوعية التي تغذي أحد نصفي الدماغ، مما يؤدي إلى سكتة دماغية (Stroke) قد تنتج عنها شلل نصفي دائم.

تأثر العصب السابع (العصب الوجهي)

العصب السابع هو المسؤول عن حركة عضلات الوجه، ويعبر داخل الجمجمة عبر قناة ضيقة. أي ارتفاع في الضغط داخل الجمجمة قد يؤثر على هذا العصب، مسببًا:

• شلل نصف الوجه (شلل بيل Bell’s palsy)

• تشنجات أو ارتخاء عضلات الوجه في جهة واحدة

• ضعف القدرة على إغلاق العين أو تحريك الفم

الضغط على الأعصاب الدماغية الأخرى

منع العطس قد يؤدي إلى توتر شديد في عضلات الرقبة والوجه والجمجمة، مما قد يسبب:

• انضغاط العصب الثلاثي التوائم (trigeminal nerve)

• حدوث آلام شديدة في الوجه أو العين

• دوخة أو صداع شديد نتيجة اضطراب الدورة الدموية في الدماغ

أمثلة موثقة لحالات سريرية خطيرة

نشرت مجلة BMJ Case Reports دراسة في عام 2018 عن رجل في منتصف الثلاثينات دخل المستشفى بعد إصابته بتمزق في الحنجرة نتيجة كتم عطسة واحدة. رغم أن هذه الحالة لا تتعلق مباشرة بالشلل النصفي، إلا أنها تبرهن على شدة الضغط الداخلي الذي يمكن أن يولده كبح العطاس.

كما سجلت بعض حالات السكتة الدماغية الناتجة عن تمزق الأوعية الدماغية بعد كتم العطس، وخاصة لدى الأفراد الذين يعانون مسبقًا من مشاكل في ضغط الدم أو ضعف جدران الشرايين (مثل تمدد الأوعية).

الفئات الأكثر عرضة للخطر

رغم أن جميع الأشخاص معرضون بدرجة ما للمخاطر الناتجة عن منع العطس، إلا أن بعض الفئات يكون الخطر لديهم أكبر، ومنهم:

الآثار الجانبية الأخرى لمنع العطس

بجانب مخاطر الشلل النصفي أو السكتة الدماغية، تشمل الآثار الجانبية الشائعة لكبت العطس:

• تمزق طبلة الأذن نتيجة ارتفاع ضغط الهواء في قناة أوستاكيوس

• نزيف الأنف بسبب انفجار الأوعية الدقيقة في الغشاء المخاطي

• صداع شديد أو آلام في الرأس بسبب اضطراب الدورة الدموية المفاجئ

• تمدد أو تمزق الجيوب الأنفية نتيجة الضغط العكسي

• آلام في الرقبة أو تشنج عضلي

الإجراءات الوقائية والتوصيات الصحية

منع العطس ليس فقط سلوكًا ضارًا، بل هو مخالفة لفطرة الجسم الدفاعية. وعليه، يُوصى باتباع النصائح التالية:

1. لا تمنع العطس إطلاقًا، بل قم بتوجيهه إلى منديل ورقي نظيف، مع تغطية الفم والأنف.

2. ابقِ فمك مفتوحًا قليلًا أثناء العطس لتقليل الضغط الداخلي.

3. تجنب العطس في اليد مباشرة لتقليل انتقال الجراثيم.

4. عالج مسببات العطس مثل الحساسية أو التهابات الجيوب الأنفية لتقليل تواتر العطاس.

5. استشر طبيبًا مختصًا إذا لاحظت أعراضًا مثل آلام حادة في الرأس بعد العطس أو فقدان للقدرة على تحريك جهة من الوجه أو الجسم.

الخلاصة

رغم أن كتم العطس قد يبدو تصرفًا تافهًا أو غير ضار، إلا أن ما يحدث داخل الجسم أثناء العطسة يفوق التوقعات من حيث الضغط والقوة الميكانيكية. التدخل في هذه العملية الطبيعية عبر كتمها قد يؤدي إلى نتائج صحية خطيرة تشمل إصابات في الدماغ، الأعصاب، وحتى الشلل النصفي. الوعي بهذه المخاطر يجب أن يكون جزءًا من الثقافة الصحية العامة، خصوصًا مع انتشار سلوكيات كتم العطس في الأماكن العامة بدافع الحرج أو المجاملة الاجتماعية.

المراجع:

1. BMJ Case Reports. “Snap, crackle and pop: when sneezing leads to crackling in the neck.” 2018.

2. Mayo Clinic. “Sneeze: Why does it happen and is it safe to suppress?” Accessed 2023.