أسباب ظهور قشرة الرأس عند الرضع

أسباب ظهور القشرة عند الرضع

يُعدّ ظهور القشرة عند الرضع، أو ما يُعرف طبيًا باسم “قبعة المهد” (Cradle Cap)، من الظواهر الجلدية الشائعة التي تظهر لدى الأطفال حديثي الولادة خلال الأشهر الأولى من حياتهم. هذه القشرة قد تبدو مقلقة للوالدين، إلا أنها غالبًا ما تكون غير ضارة وتختفي من تلقاء نفسها مع مرور الوقت. ومع ذلك، فإن فهم الأسباب المحتملة لظهور القشرة عند الرضع يمكن أن يساعد في اتخاذ التدابير الوقائية والعلاجية المناسبة، والحد من تطورها أو تفاقمها.

يتميز هذا النوع من القشرة بوجود بقع صفراء أو بيضاء دهنية تظهر غالبًا على فروة الرأس، وقد تمتد أحيانًا إلى مناطق أخرى مثل الحاجبين، خلف الأذنين، وعلى مؤخرة العنق. تختلف حدة الحالة من رضيع إلى آخر، وتتراوح بين قشرة خفيفة إلى طبقات سميكة وقشرية. وعلى الرغم من أنها ليست معدية أو مؤلمة في العادة، إلا أن معرفة العوامل التي تساهم في ظهورها يمثل خطوة مهمة نحو الرعاية الصحية المثلى للرضيع.

التفسير العلمي لقشرة الرأس عند الرضع

من الناحية الطبية، تُصنف قبعة المهد ضمن أمراض الجلد الدهنية المعروفة باسم “التهاب الجلد الدهني الطفلي” (Infantile Seborrheic Dermatitis). وهو اضطراب جلدي غير معدٍ يرتبط بزيادة نشاط الغدد الدهنية في الجلد خلال الأشهر الأولى من الحياة. يُعتقد أن هذا النشاط الزائد ناتج عن انتقال بعض الهرمونات من الأم إلى الجنين خلال الحمل، مما يُحفّز الغدد الزهمية في فروة الرأس لإفراز كميات أكبر من الزيوت.

تتراكم هذه الزيوت على سطح الجلد وتحتجز خلايا الجلد الميتة، مما يؤدي إلى تكوّن قشور سميكة مميزة ذات مظهر دهني. وبسبب هذا التراكم، يمكن أن تنمو بعض أنواع الخمائر (مثل Malassezia) التي تتعايش بشكل طبيعي على الجلد، لكنها تصبح نشطة بشكل أكبر عند توفر الظروف المثالية، مما يسهم في زيادة الالتهاب وتفاقم الحالة.

الأسباب المحتملة لظهور القشرة عند الرضع

1. نشاط زائد في الغدد الزهمية

الغدد الزهمية مسؤولة عن إفراز الزهم، وهو نوع من الزيوت الطبيعية التي ترطب الجلد وتحميه. في الأشهر الأولى من حياة الرضيع، قد تكون هذه الغدد نشطة بشكل مفرط بسبب تأثير الهرمونات التي انتقلت من الأم أثناء الحمل. هذا النشاط الزائد يؤدي إلى تراكم الزيوت وخلايا الجلد الميتة على فروة الرأس، ما يتسبب في تكوّن القشور.

2. الهرمونات الأمومية المنقولة

خلال فترة الحمل، تنتقل بعض الهرمونات من الأم إلى الجنين عبر المشيمة. هذه الهرمونات، خصوصًا تلك المرتبطة بالإندروجينات، قد تحفز الغدد الزهمية عند الرضيع وتزيد من إفرازاتها، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور قشرة الرأس. مع مرور الوقت، تنخفض مستويات هذه الهرمونات في جسم الرضيع، وبالتالي تقل حدة القشرة تدريجيًا.

3. نمو الفطريات الطبيعية على الجلد

يحتوي الجلد البشري على أنواع متعددة من الكائنات الحية الدقيقة، بما في ذلك الخمائر مثل Malassezia. في الظروف العادية، تعيش هذه الكائنات على الجلد دون أن تسبب أي مشكلة. لكن عند وجود كميات كبيرة من الزهم، تُصبح بيئة فروة الرأس مواتية لنمو هذه الخمائر بشكل مفرط، ما يسبب التهابات سطحية وتكوّن القشور.

4. العوامل الوراثية

تلعب العوامل الوراثية دورًا مهمًا في تحديد طبيعة الجلد وميله لإنتاج الزيوت. الأطفال الذين لديهم تاريخ عائلي من مشاكل جلدية مثل الإكزيما أو التهاب الجلد الدهني يكونون أكثر عرضة لتطور القشرة.

5. عدم التهوية الجيدة لفروة الرأس

استخدام القبعات السميكة أو تغطية الرأس لفترات طويلة يمكن أن يمنع تهوية فروة الرأس ويزيد من التعرق، ما يخلق بيئة دافئة ورطبة مناسبة لتكاثر الكائنات الدقيقة وتراكم الزيوت والقشور.

6. عدم غسل الشعر بانتظام أو غسله بشكل مفرط

عدم غسل فروة الرأس بانتظام قد يؤدي إلى تراكم الزيوت وخلايا الجلد الميتة، ما يهيئ لظهور القشرة. في المقابل، الإفراط في غسل الرأس أو استخدام منتجات قاسية قد يُجفف فروة الرأس أو يُحفّز إفراز الزهم كرد فعل دفاعي، ما يؤدي إلى تفاقم المشكلة.

7. ضعف جهاز المناعة

جهاز المناعة عند الرضع لا يزال في طور التطور، ما يجعلهم أكثر عرضة لبعض الاضطرابات الجلدية التي قد تسهم في تكوّن القشور على فروة الرأس. على الرغم من أن القشرة ليست ناتجة عن عدوى، إلا أن ضعف جهاز المناعة قد يسمح بازدياد نشاط الكائنات الدقيقة الطبيعية على الجلد، مما يؤدي إلى التهابات سطحية.

المناطق التي قد تتأثر بقبعة المهد

رغم أن فروة الرأس تُعدّ الموقع الأساسي لظهور القشرة عند الرضع، إلا أن الحالة قد تمتد إلى مناطق أخرى في الجسم، وتشمل:

العوامل التي قد تزيد من شدة الحالة

• استخدام شامبو غير مخصص للأطفال أو يحتوي على مكونات كيميائية مهيجة.

• ترك القشور دون تنظيف لفترات طويلة، مما يسمح بتصلبها وصعوبة إزالتها.

• الحكة المتكررة أو خدش فروة الرأس، مما يسبب جروحًا سطحية قد تؤدي إلى التهابات ثانوية.

• استخدام زيوت كثيفة على فروة الرأس دون تهوية أو غسيل مناسب.

علاقة النظام الغذائي بالقشرة عند الرضع

رغم أن النظام الغذائي لا يُعدّ سببًا مباشرًا لظهور القشرة في الأشهر الأولى، إلا أن هناك بعض الملاحظات المهمة:

• الأطفال الذين يعتمدون على الرضاعة الصناعية: قد يكون لديهم استعداد أكبر لظهور القشرة مقارنة بالذين يرضعون رضاعة طبيعية، وذلك بسبب غياب بعض العناصر المناعية الطبيعية الموجودة في حليب الأم.

• حساسية البروتينات: في حالات نادرة، قد تظهر القشرة كعرض مرافِق لحساسية تجاه بروتينات حليب البقر أو بعض مكونات الحليب الصناعي.

• نقص بعض العناصر الغذائية: مثل الزنك أو فيتامين B7 (البيوتين) قد يؤدي إلى جفاف الجلد، ولكن هذه الحالات نادرة جدًا في الرضع الذين يتلقون تغذية متوازنة.

متى يجب الانتباه طبيًا لحالة القشرة عند الرضع؟

رغم أن قشرة الرأس عند الرضع حالة شائعة وغير خطيرة، إلا أن هناك بعض العلامات التي تستدعي استشارة الطبيب:

• احمرار شديد أو التهاب ظاهر في فروة الرأس.

• خروج إفرازات أو سوائل من القشور.

• ظهور طفح جلدي في أماكن متعددة من الجسم.

• إصابة الرضيع بالحكة الشديدة أو الانزعاج الواضح.

• عدم الاستجابة للعناية المنزلية أو استمرار الحالة بعد عمر 6 أشهر.

خلاصة علمية

إن قشرة الرأس عند الرضع ظاهرة فسيولوجية شائعة ترتبط بعوامل هرمونية وبيئية وتكوينية. ظهورها لا يشير إلى إهمال أو مرض خطير، بل هو جزء من التغيرات الطبيعية التي يمر بها جلد الرضيع خلال مراحل نموه المبكر. تتعدد الأسباب ما بين نشاط الغدد الزهمية ونمو الخمائر الطبيعية على الجلد، بالإضافة إلى تأثيرات الهرمونات الأمومية والعوامل الوراثية. العناية اليومية اللطيفة باستخدام شامبوهات مخصصة وتجنب الإفراط في غسل الشعر تُعدّ من الوسائل الفعالة في التقليل من حدة القشرة وتسريع شفائها.

المراجع:

1. American Academy of Dermatology (AAD): https://www.aad.org

2. Mayo Clinic – Cradle Cap in Babies: https://www.mayoclinic.org