عظمة ليلة القدر

ليلة القدر وعظمتها في الإسلام

تحتل ليلة القدر مكانة عظيمة في الدين الإسلامي، وتمثل أحد أعظم الليالي التي أنعم الله بها على عباده في شهر رمضان المبارك. وقد ورد ذكر هذه الليلة المباركة في القرآن الكريم وسنة النبي محمد ﷺ، وأحيطت بهالة من القدسية والفضل، لما فيها من ثواب عظيم وفرص نادرة لغفران الذنوب ومضاعفة الأجور. المقال التالي يتناول هذه الليلة المباركة من زوايا متعددة: أهميتها، علاماتها، ما ورد فيها من نصوص قرآنية ونبوية، فضلها، وما يشرع فيها من أعمال، إلى جانب مجموعة من الأسئلة الشائعة حولها وإجابات علمية موثوقة حول كل منها.

أولًا: تعريف ليلة القدر

ليلة القدر هي ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، وهي الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم على النبي محمد ﷺ من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نزل به جبريل عليه السلام على رسول الله ﷺ منجمًا على مدار ثلاث وعشرين سنة. وسُميت “ليلة القدر” لما لها من قدر عظيم وشرف كبير عند الله، ولأنها ليلة يُقدَّر فيها ما يكون في السنة من أرزاق وأقدار ومقادير وأحداث.

ثانيًا: النصوص الشرعية التي تحدثت عن ليلة القدر

ورد ذكر ليلة القدر في القرآن الكريم صريحًا في سورة سُمّيت باسمها، وهي سورة القدر، حيث قال الله تعالى:

﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ۝ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ۝ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ۝ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [سورة القدر]

كما وردت في سورة الدخان:

﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ [سورة الدخان: 3]

وفي السنة النبوية، جاءت أحاديث كثيرة تبين فضل هذه الليلة، ومنها:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه” [رواه البخاري ومسلم].

ثالثًا: فضل ليلة القدر

الفضل الذي خُصت به هذه الليلة عظيم، ومن مظاهر هذا الفضل:

1. مغفرة الذنوب: من قامها إيمانًا واحتسابًا نال مغفرة لما تقدم من ذنبه.

2. خير من ألف شهر: العمل فيها يعدل عبادة أكثر من 83 سنة.

3. نزول الملائكة والروح: تتنزل الملائكة، ويتقدمهم جبريل عليه السلام، وهو دليل على عظيم شأن الليلة.

4. ليلة سلام وأمان: تخلو من الشر، ويسودها السلام حتى طلوع الفجر.

5. تقدير المقادير السنوية: يُكتب فيها ما يكون في السنة من أقدار، من موت وحياة ورزق وأحداث.

رابعًا: متى تكون ليلة القدر؟

اختلف العلماء في تعيين ليلة القدر تحديدًا، لكن الثابت في الأحاديث الصحيحة أنها تكون في العشر الأواخر من شهر رمضان، وخاصة في الليالي الوترية منها. ومن الأحاديث الواردة في هذا السياق:

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله ﷺ: “تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان” [رواه البخاري ومسلم].

ويُرجى وقوعها في ليلة السبع والعشرين من رمضان، ولكن لا يُجزم بها، ويُستحب الاجتهاد في جميع ليالي العشر.

خامسًا: علامات ليلة القدر

ذكرت السنة النبوية مجموعة من العلامات التي قد تظهر في ليلة القدر أو بعدها، ومن أشهر هذه العلامات:

عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه: “وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها” [رواه مسلم].

سادسًا: الأعمال المستحبة في ليلة القدر

ينبغي للمسلم أن يحرص على الاجتهاد في هذه الليلة المباركة، ومن أبرز الأعمال المستحبة فيها:

• القيام وقراءة القرآن: التهجد من أعظم القربات، خاصة في هذه الليلة.

• الدعاء: من أفضل الأدعية، ما ورد عن عائشة رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن وافقتُ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: “قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني” [رواه الترمذي].

• الذكر والاستغفار: كثرة الاستغفار والتسبيح والتهليل.

• الصدقة: إخراج الصدقة في هذه الليلة من الأعمال ذات الأجر العظيم.

سابعًا: أسئلة شائعة حول ليلة القدر

1. لماذا أُخفيت ليلة القدر ولم تُحدد بيقين؟

أُخفيت لحكمة عظيمة، ليتحرى الناس جميع ليالي العشر الأخيرة، ويجتهدوا فيها كلها، فلا يقتصروا على ليلة بعينها، وهذا فيه فضل وتربية على العبادة والاستمرارية.

2. هل يمكن للمرأة في حالة الحيض أن تنال فضل ليلة القدر؟

نعم، يمكنها ذلك بالذكر، والدعاء، والاستغفار، والاستماع إلى القرآن، وسائر الأعمال الصالحة التي لا تستدعي الطهارة.

3. هل يتغير مصير الإنسان في ليلة القدر؟

القدر نوعان: قدر عام محفوظ في اللوح المحفوظ لا يتغير، وقدر سنوي يُكتب في ليلة القدر ويطلع عليه الملائكة، وهو فرع من القدر الكلي. وما يدعو به المسلم من دعاء أو يقدم من عمل صالح قد يكون سببًا في دفع البلاء وتغيير ما في القدر السنوي، بما كتبه الله في علمه الأزلي.

4. هل هناك دعاء مخصوص لهذه الليلة؟

نعم، أفضل دعاء هو ما ورد عن عائشة رضي الله عنها، وهو: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”. وهو دعاء جامع للرحمة والمغفرة.

5. ما المقصود بـ”خير من ألف شهر”؟

أي أن العمل الصالح في هذه الليلة يعادل عملًا في ألف شهر لا توجد فيها ليلة القدر، وهو ما يقارب أكثر من 83 سنة و4 أشهر، وهذا تفضل من الله على أمة محمد ﷺ لقصر أعمارهم مقارنة بالأمم السابقة.

6. هل تتكرر ليلة القدر في كل سنة؟

نعم، هي تتكرر في كل سنة، كما دلت الأحاديث المتعددة، وفضلها قائم في كل رمضان إلى قيام الساعة.

ثامنًا: الحكمة من تعظيم ليلة القدر

يتجلى في تعظيم هذه الليلة الرحمة الإلهية بأمة الإسلام، حيث جعل الله لهم فرصة لتعويض قصر أعمارهم بموسم عبادي عظيم تضاعف فيه الحسنات، وتُغفر فيه الذنوب، ويُستجاب فيه الدعاء، ويُكتب فيه الخير للعبد إن أخلص وتوجه إلى ربه بقلب خاشع.

ومن الحكم أيضًا: غرس معاني العبودية والتجرد من شواغل الدنيا، وتجديد الإيمان، وإعادة صياغة العلاقة بين العبد وربه على أسس الطاعة والإنابة واليقين.

تاسعًا: مقارنة بين ليلة القدر وسائر الليالي

عاشرًا: أثر ليلة القدر في حياة المسلم

ليلة القدر لا تنتهي بانقضاء الليل، بل يجب أن تكون نقطة انطلاق لتحول روحي ومعنوي في حياة المسلم. فالذي يُغفر له في هذه الليلة، ينبغي أن يستقيم في سائر أيامه، وأن يثبت على طاعة ربه، ويحافظ على صلاته وعباداته، ويبتعد عن المعاصي. كما أن هذه الليلة تزرع في القلب طمأنينة وأملاً لا يُقدَّر بثمن، حيث يتذوق فيها المسلم حلاوة القرب من الله ولذة الإيمان وصفاء الروح.

المصادر والمراجع

1. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار طيبة.

2. النووي، شرح صحيح مسلم، دار الفكر.

عنوان المقال المقترح:

عظمة ليلة القدر