نماذج من الآيات المحكمات في القرآن الكريم
الآيات المحكمات في القرآن الكريم هي الآيات التي لا لبس فيها ولا غموض، والتي تمتاز بوضوح المعنى وثباته، حيث لا تحتمل تفسيرات أو تأويلات متعددة. فالإحكام هو من صفات القرآن الكريم، حيث أن الله سبحانه وتعالى قد حفظ كتابه من أي تحريف أو تناقض، فجاءت الآيات المحكمات لتكون الأساس الذي يُبنى عليه الفهم الصحيح للشريعة الإسلامية. هذه الآيات تتسم بالثبات، ولا تتأثر بمرور الزمن أو تغيير الظروف، بل تبقى صالحة لكل زمان ومكان.
تعريف الآيات المحكمات وأهميتها
الآيات المحكمات هي الآيات التي لا تحتمل تفسيرات متناقضة، بل تكون واضحة في دلالتها، ولذلك سميت “محكمة”. وهذه الآيات تُعتبر من أهم عناصر القرآن الكريم التي يجب على المسلم أن يتفهمها ويفهم مدلولاتها بشكل صحيح. تتعدد آيات القرآن بين محكمات ومتشابهات، والفرق بينهما يكمن في وضوح المعنى، حيث أن المحكمات لا يكتنفها الغموض ولا يحتاج تفسيرها إلى تفسيرات بعيدة عن الظاهر.
لقد تناول علماء التفسير في كتبهم مفهوم المحكم والمتشابه، فالمحكم هو الذي لا يمكن صرفه عن معناه الظاهر، بينما المتشابه هو الذي قد يحتمل أكثر من تفسير، ويحتاج إلى تأويل ليُفهم على الوجه الصحيح.
آيات محكمات في القرآن الكريم
-
الآية 2 من سورة الفاتحة: “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ”
تعتبر هذه الآية من أبرز الآيات المحكمات في القرآن الكريم، حيث توضح بداية القرآن الكريم باسم الله تعالى، وتعد بمثابة إعلان عن بداية الكتاب الذي هو هداية للعالمين. هذه الآية تفتح لك أفقاً واسعاً لفهم الكتاب كله من خلال التأكيد على اسم الله سبحانه وتعالى، وصفاته العظيمة من رحمة وكرم.
-
الآية 6 من سورة الفاتحة: “اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ”
هي آية واضحة وتدعو المسلم إلى التوجه لله سبحانه وتعالى بالطلب المستمر للهداية، وهي دعاء مستمر وطلب متجدد. هذه الآية تُبين سعي المسلم الدائم للثبات على الطريق الصحيح، وما على المسلم سوى أن يسير في صراط الله المستقيم ليصل إلى النتيجة المرجوة.
-
الآية 255 من سورة البقرة: “اللَّهُ لَا إِلٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ”
تُعتبر هذه الآية من أبلغ الآيات المحكمات التي تبين صفة التوحيد بشكل قاطع. فهي تنفي أي إله سوى الله وتصفه بأنه الحي الذي لا يموت، وهو القائم على كل شيء. كما أن هذه الآية تُعتبر من أقوى الآيات التي تدل على كمال الله سبحانه وتعالى وتفرده في الألوهية والربوبية.
-
الآية 92 من سورة آل عمران: “مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُبْعِثَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ”
هذه الآية توضح الوسائل التي تواصل بها الله مع الأنبياء، حيث تبين أن الله سبحانه وتعالى لا يتواصل مع البشر مباشرة إلا عن طريق الوحي أو من وراء حجاب، أو بواسطة الرسول. وقد جاءت هذه الآية بشكل محكم لتحدد أسلوب تواصل الله مع عباده.
-
الآية 19 من سورة النساء: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَحْجُرُوهُنَّ لِيَذْهَبْنَ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ”
هذه الآية تعد من الآيات المحكمات التي تبين حقوق النساء وتحظر على الرجال إرثهن كرهاً. تجسد الآية العدالة التي جاء بها الإسلام لتصحيح الممارسات الجائرة التي كانت شائعة في بعض المجتمعات قبل الإسلام، وتؤكد على حقوق المرأة ومكانتها.
-
الآية 13 من سورة الحجرات: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”
هذه الآية محكمة لأنها تتحدث عن مفهوم المساواة بين البشر بغض النظر عن الجنس أو الأصل، مما يعزز مفهوم الوحدة الإنسانية والتفاهم بين الشعوب. هي دعوة قوية للسلام والاحترام المتبادل بين الناس جميعاً، بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية أو العرقية.
-
الآية 177 من سورة البقرة: “لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى”
هذه الآية تحدد المعنى الحقيقي للبر، وهو ليس مجرد اتباع ظواهر أو ممارسات شكلية، بل يعتمد على التقوى والنية الصادقة. تعلمنا أن الأعمال القلبية والمعنوية هي التي تميز الإنسان المؤمن، وهذه آية محكمة واضحة في دعوة إلى البعد عن المظاهر والتوجه إلى النية الطيبة.
-
الآية 40 من سورة الزمر: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا”
هذه الآية تذكر بشكل قاطع أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتوفى الأنفس، سواء كانت عند الموت أو أثناء النوم، بما يعكس حقيقة أن الله صاحب القدر المطلق على أرواح البشر، مما يعزز مفاهيم التوحيد والاعتماد على الله في كل شيء.
دلالة الآيات المحكمات في بناء الفهم القرآني
الآيات المحكمات تساعد المسلم في بناء فكر قرآني سليم لأنها تزيل أي لبس أو غموض قد يطرأ أثناء تفسير النصوص القرآنية. كما أن هذه الآيات تشكل الأساس الذي يُفهم من خلاله القرآن الكريم بأسره. وبدون هذه الآيات المحكمات، سيكون من الصعب التوصل إلى فهم صحيح للتعاليم القرآنية، لأن القرآن كما تعلمنا، هو كتاب هداية، وجاء ليلبي حاجة الإنسان في جميع مواقف حياته.
من خلال تدبر الآيات المحكمات، يدرك المسلم معاني التوحيد، العدالة، الإحسان، والمساواة، وهي من المبادئ الأساسية التي يجب أن يسعى المسلم لتحقيقها في حياته اليومية.
خاتمة
الآيات المحكمات تشكل جزءاً أساسياً من البناء الفكري للقرآن الكريم، وهي بمثابة المفاتيح التي تفتح للمسلم أبواب الفهم الصحيح للشريعة. من خلال هذه الآيات، يتعلم المسلم كيف يعيش حياة مليئة بالرحمة، العدل، والتقوى. والقرآن الكريم ليس مجرد كتاب يقرأه الإنسان بل هو كتاب يعمل به، وهذه الآيات المحكمات تعد من الدلائل التي تساعد المسلم على بناء عقيدة سليمة وسلوك قويم.
