عدد كريات الدم البيضاء في الشخص الطبيعي: الأساسيات والتفاصيل الطبية
تُعتبر كريات الدم البيضاء جزءاً أساسياً من الجهاز المناعي في الجسم البشري. إذ تلعب دوراً مهماً في محاربة العدوى والحفاظ على الصحة العامة. وبما أن هذه الكريات هي خط الدفاع الأول ضد البكتيريا والفيروسات وغيرها من الميكروبات الضارة، فإن عددها في الدم يُعتبر مقياسًا حيويًا يمكن من خلاله تقييم العديد من جوانب الصحة. في هذا المقال، سوف نتناول موضوع كريات الدم البيضاء بشكل مفصل، موضحين العدد الطبيعي لها في الشخص السليم، والعوامل التي تؤثر في هذا العدد، وأسباب التغيرات في عددها، وكيفية تفسير نتائج الفحوصات المخبرية.
تعريف كريات الدم البيضاء
كريات الدم البيضاء، أو كما تعرف بالـ “لوكوسايتات” (Leukocytes)، هي خلايا دم أساسية تنتمي إلى جهاز المناعة. تختلف هذه الخلايا عن كريات الدم الحمراء التي وظيفتها نقل الأوكسجين في الجسم. تنقسم كريات الدم البيضاء إلى عدة أنواع، مثل الخلايا اللمفاوية (Lymphocytes)، والخلايا المحببة (Granulocytes)، والخلايا الوحيدة (Monocytes)، وكل نوع منها له دور مختلف في التصدي للعدوى.
أهم وظيفة لكريات الدم البيضاء هي حماية الجسم من الالتهابات والأمراض عن طريق التعرف على الأجسام الغريبة مثل الفيروسات، البكتيريا، الفطريات، والخلايا السرطانية، وتدميرها.
العدد الطبيعي لكريات الدم البيضاء
في الشخص الطبيعي، يتراوح عدد كريات الدم البيضاء في الدم بشكل عام بين 4,000 و 11,000 خلية لكل ميكرولتر من الدم. ويعتمد هذا الرقم على عدة عوامل مثل العمر والجنس والحالة الصحية العامة للفرد. يتم تحديد عدد كريات الدم البيضاء من خلال فحص العد الدموي الكامل (CBC)، وهو فحص يُستخدم لتقييم مستوى جميع مكونات الدم، بما في ذلك كريات الدم البيضاء.
من المهم أن نلاحظ أن هذا العدد يمكن أن يختلف قليلاً بين الأشخاص حسب معايير المختبر المستخدم أو التقنية المستخدمة في الفحص. لكن بشكل عام، يعتبر العدد الطبيعي الذي يتراوح بين 4,000 و 11,000 خلية لكل ميكرولتر مؤشراً جيدًا على صحة الجهاز المناعي.
أنواع كريات الدم البيضاء
لكريات الدم البيضاء عدة أنواع، وكل نوع منها يلعب دورًا حيويًا في الدفاع عن الجسم ضد مسببات الأمراض. وهذه الأنواع تشمل:
-
الخلايا اللمفاوية (Lymphocytes): تشكل حوالي 20-40% من مجموع كريات الدم البيضاء في الجسم. تُقسم الخلايا اللمفاوية إلى ثلاثة أنواع رئيسية: الخلايا اللمفاوية B، والخلايا اللمفاوية T، والخلايا القاتلة الطبيعية (NK cells). وهذه الخلايا مسؤولة عن التعرف على الأجسام الغريبة في الجسم، مثل الفيروسات والميكروبات، وتدميرها. كما أن الخلايا اللمفاوية B تقوم بإنتاج الأجسام المضادة التي تهاجم هذه الأجسام الغريبة.
-
الخلايا المحببة (Granulocytes): تشمل ثلاث أنواع رئيسية هي:
-
الخلايا العدلة (Neutrophils): وهي أكثر أنواع كريات الدم البيضاء انتشارًا، وتعد خط الدفاع الأول ضد العدوى البكتيرية. تشكل حوالي 50-70% من العدد الإجمالي.
-
الخلايا الحمضية (Eosinophils): تشكل حوالي 1-4% من العدد الإجمالي، وهي مسؤولة عن محاربة الطفيليات والاستجابة للحساسية.
-
الخلايا القاعدية (Basophils): وهي أقل أنواع الخلايا المحببة وجودًا، وتشكل حوالي 0.5% من العدد الإجمالي. تفرز مواد مثل الهيستامين التي تساعد في الاستجابة للالتهابات التحسسية.
-
-
الخلايا الوحيدة (Monocytes): تشكل حوالي 2-8% من مجموع كريات الدم البيضاء. تتحول هذه الخلايا إلى خلايا بلعمية (Macrophages) عند دخولها الأنسجة، حيث تقوم بابتلاع الميكروبات والخلايا الميتة والأنسجة التالفة.
العوامل المؤثرة في عدد كريات الدم البيضاء
تتأثر مستويات كريات الدم البيضاء بعدد من العوامل المختلفة، ويُمكن تقسيم هذه العوامل إلى فئات رئيسية تشمل العوامل الوراثية، والبيئية، والطبية:
-
العوامل الوراثية: بعض الأشخاص قد يكون لديهم ميل وراثي لارتفاع أو انخفاض عدد كريات الدم البيضاء. يمكن أن يؤثر ذلك على كيفية استجابة الجسم للأمراض.
-
الأمراض والحالات الطبية: الأمراض المختلفة يمكن أن تؤثر بشكل كبير على عدد كريات الدم البيضاء. على سبيل المثال، الأمراض التي تؤثر على الجهاز المناعي مثل السرطان، التهابات الدم، أو أمراض المناعة الذاتية قد تؤدي إلى زيادة أو نقص في عدد كريات الدم البيضاء. يمكن أن يحدث انخفاض ملحوظ في العدد في حالات مثل الفشل الكلوي أو الأمراض الفيروسية مثل فيروس نقص المناعة البشرية (HIV).
-
الأدوية: هناك أدوية يمكن أن تؤثر على عدد كريات الدم البيضاء، مثل الأدوية المثبطة للمناعة، الكورتيكوستيرويدات، وأدوية العلاج الكيميائي التي تؤثر سلبًا على إنتاج خلايا الدم في نخاع العظام.
-
التوتر والإجهاد: قد تؤدي حالات التوتر النفسي أو الإجهاد الشديد إلى زيادة مؤقتة في عدد كريات الدم البيضاء كجزء من استجابة الجسم للتوتر.
-
الحمل: في حالات الحمل، قد يحدث زيادة طفيفة في عدد كريات الدم البيضاء، حيث يمكن للجسم أن يختبر زيادة في الاستجابة المناعية.
-
النظام الغذائي: النظام الغذائي الذي يحتوي على كميات كافية من الفيتامينات والمعادن قد يساعد في الحفاظ على صحة كريات الدم البيضاء. على سبيل المثال، نقص فيتامين B12 أو حمض الفوليك يمكن أن يؤثر على إنتاج كريات الدم البيضاء.
الحالات التي تتطلب فحص عدد كريات الدم البيضاء
يُجرى فحص عدد كريات الدم البيضاء كجزء من الفحص الروتيني أو عندما تظهر أعراض معينة تستدعي تقييم وظيفة الجهاز المناعي. من بين الأسباب التي قد تجعل الطبيب يطلب فحص عدد كريات الدم البيضاء:
-
الحميات الحادة: مثل الحمى أو العدوى الواضحة.
-
الأنيميا أو ضعف المناعة: حيث يمكن أن تشير نتائج الفحص إلى نقص كريات الدم البيضاء.
-
التسمم أو التفاعلات التحسسية: حيث يمكن أن تؤدي ردود الفعل التحسسية إلى زيادة في عدد الخلايا المحببة، خصوصًا الخلايا الحمضية.
-
الأورام السرطانية: يمكن أن تؤثر الأورام على نخاع العظام، مما يؤدي إلى تغيرات في عدد كريات الدم البيضاء.
تفسير النتائج
قد تكون نتائج فحص كريات الدم البيضاء متغيرة، بناءً على الظروف الصحية للمريض. يتم تصنيف التغيرات في العدد إلى حالات طبية معينة تشمل:
-
فرط كريات الدم البيضاء (Leukocytosis): هو حالة تكون فيها مستويات كريات الدم البيضاء أعلى من المعدل الطبيعي، وغالبًا ما تحدث نتيجة العدوى الحادة أو الأمراض المزمنة مثل السرطان أو الالتهابات.
-
نقص كريات الدم البيضاء (Leukopenia): هو انخفاض عدد كريات الدم البيضاء عن المعدل الطبيعي. قد يرتبط ذلك بالأمراض الفيروسية مثل التهاب الكبد أو فيروس نقص المناعة البشرية، أو نتيجة للعلاج الكيميائي.
-
فرط كريات الدم البيضاء الأحادي (Monocytosis): وهي زيادة في الخلايا الوحيدة، التي قد تدل على وجود التهاب مزمن أو عدوى.
الختام
يعد فحص عدد كريات الدم البيضاء أحد الاختبارات المخبرية المهمة التي تساعد في تقييم صحة جهاز المناعة وتحديد العديد من الحالات المرضية. يتراوح العدد الطبيعي لها بين 4,000 و 11,000 خلية لكل ميكرولتر من الدم، ولكن هذا العدد قد يختلف من شخص لآخر بناءً على عدة عوامل. من خلال فهم العوامل المؤثرة في عدد كريات الدم البيضاء وطرق تفسير نتائج الفحوصات المخبرية، يصبح من الممكن التشخيص المبكر للعديد من الأمراض والحالات الصحية، مما يسهم في تعزيز الوقاية والعلاج المبكر.
