عدد المسلمين في اليابان
تعد اليابان من الدول ذات التركيبة الديموغرافية المتجانسة عرقيًا وثقافيًا، إذ يشكل اليابانيون من أصول عرقية يابانية الغالبية الساحقة من السكان، مع وجود أقليات صغيرة تنتمي إلى ثقافات وديانات متعددة، من بينها الجالية المسلمة التي باتت تحظى بحضور متزايد في العقود الأخيرة. ورغم أن الإسلام لا يُعد من الديانات الكبرى في اليابان، فإن عدد المسلمين في البلاد يشهد نموًا ملحوظًا، خاصة في ظل تزايد عدد المقيمين المسلمين سواء من خلال الهجرة أو اعتناق بعض اليابانيين للإسلام.
الجذور التاريخية للإسلام في اليابان
يمكن تتبع الوجود الإسلامي في اليابان إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وذلك من خلال قدوم عدد من التجار والدبلوماسيين المسلمين، خاصة من الدولة العثمانية وجنوب آسيا. ومع نهاية الحرب الروسية اليابانية (1904-1905)، بدأ بعض المسلمين من تتار روسيا بالهجرة إلى اليابان، وقد لعبوا دورًا مهمًا في نشر المعرفة عن الإسلام في اليابان، وأسّسوا أولى المؤسسات الإسلامية هناك، بما في ذلك المساجد والمراكز الثقافية.
أحد أبرز الشخصيات في تاريخ الإسلام في اليابان هو عبد الرشيد إبراهيم، وهو عالم مسلم من أصل تتاري زار اليابان في أوائل القرن العشرين، وقام بنشر معلومات عن الإسلام بين اليابانيين، وأسّس علاقات مع مؤسسات ثقافية ودينية. كما ساهم في بناء أول مسجد في طوكيو عام 1938، والذي مثّل مركزًا هامًا للجالية الإسلامية في تلك الفترة.
عدد المسلمين في اليابان: تقديرات حديثة
لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة تصدرها الحكومة اليابانية حول أعداد معتنقي الأديان غير التقليدية، بما في ذلك الإسلام. ومع ذلك، تشير التقديرات التي يقدمها الباحثون والمراكز المتخصصة إلى أن عدد المسلمين في اليابان في تزايد مستمر.
وفقًا لدراسة حديثة أعدّها الأستاذ “هيرويوكي ماتسوموتو” من جامعة واسيدا في طوكيو، بلغ عدد المسلمين في اليابان في عام 2020 قرابة 230 ألف مسلم، ويُقدّر أن هذا العدد قد تجاوز 250 ألف مسلم بحلول عام 2024، وهو ما يشكل زيادة ملحوظة عن العقد السابق. ويمكن توزيع هؤلاء كما يلي:
| الفئة | العدد التقريبي |
|---|---|
| مسلمون مهاجرون (عمال، طلاب، تجار) | 180,000 – 200,000 |
| يابانيون اعتنقوا الإسلام | 20,000 – 25,000 |
| مسلمون من أصول مختلطة أو مقيمون دائمون | 30,000 – 40,000 |
من الجدير بالذكر أن الغالبية العظمى من المسلمين المقيمين في اليابان هم من دول جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا وماليزيا، بالإضافة إلى باكستان، بنغلاديش، الهند، وإيران. كما توجد جاليات أصغر من دول عربية مثل مصر وسوريا والسودان والمغرب.
التوزيع الجغرافي للجالية المسلمة في اليابان
يتركز الوجود الإسلامي بشكل رئيسي في المناطق الحضرية الكبرى، حيث الفرص الاقتصادية والتعليمية والبيئة الأكثر تقبلاً للتنوع الثقافي. المدن الكبرى التي تضم نسبًا عالية من المسلمين تشمل:
-
طوكيو: تضم أكبر عدد من المسلمين، ويوجد بها عدد من المساجد، مثل مسجد طوكيو المركزي، ومساجد أخرى أصغر في مختلف الأحياء.
-
أوساكا: مركز اقتصادي كبير، ويشهد وجودًا ملحوظًا للمجتمع المسلم، لا سيما من إندونيسيا وباكستان.
-
ناغويا ويوكوهاما: أيضًا مناطق حضرية ذات كثافة عالية نسبيًا للجاليات الأجنبية بما فيهم المسلمون.
-
كوبي وكيوتو: تضمان عددًا من المراكز الإسلامية والمساجد، ويزداد فيهما عدد المسلمين العاملين في مجالات التجارة والتعليم.
نمو عدد المسلمين اليابانيين
واحدة من الظواهر المثيرة للاهتمام هي تزايد عدد اليابانيين الذين يعتنقون الإسلام، وذلك من خلال الزواج أو الاهتمام الشخصي بالدين الإسلامي. غالبًا ما تعتنق اليابانيات الإسلام بعد الزواج من مسلمين مهاجرين، خاصة من دول جنوب آسيا. كما تشهد الجامعات وبعض الفعاليات الثقافية الإسلامية اهتمامًا متزايدًا من الشباب الياباني، مما يشير إلى نمو تدريجي للعدد، رغم بقاءه محدودًا مقارنة بالجاليات المهاجرة.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 20 ألف ياباني قد اعتنقوا الإسلام حتى الآن، مع تسجيل مئات حالات اعتناق جديدة كل عام. وتساهم المراكز الإسلامية والمساجد في تقديم دورات تعريفية بالإسلام، وتقديم الدعم لمن يعتنقون الدين حديثًا.
المساجد والبنية التحتية الإسلامية في اليابان
كان عدد المساجد في اليابان محدودًا حتى ثمانينيات القرن العشرين، إلا أن العقود الأخيرة شهدت طفرة كبيرة في بناء المساجد والمصليات، لتلبية احتياجات المسلمين المتزايدين في البلاد. ووفقًا لتقارير من “الجمعية الإسلامية في اليابان”، هناك اليوم أكثر من 110 مسجدًا ومصلى في اليابان، تتوزع بين المساجد الكبيرة ومصليات داخل مباني سكنية وتجارية.
من أبرز هذه المساجد:
-
مسجد طوكيو المركزي (Tokyo Camii): وهو أكبر وأشهر مسجد في اليابان، بُني بدعم من الحكومة التركية، ويُعد مركزًا دينيًا وثقافيًا، حيث يقدم خدمات دينية وتعليمية ومحاضرات باللغات اليابانية والإنجليزية والتركية.
-
مسجد كوبي: أول مسجد بُني في اليابان عام 1935، ويقع في مدينة كوبي.
-
مسجد أوساكا المركزي: يخدم جالية كبيرة من المسلمين من جنوب آسيا.
-
مسجد ناغويا: مركز نشط للدعوة وتعليم اللغة العربية والقرآن الكريم.
كما تنتشر المصليات الصغيرة في الأحياء والمراكز الجامعية والأسواق، خاصة في المدن التي يكثر فيها تواجد العمال الأجانب والطلاب الدوليين.
التعليم والأنشطة الثقافية الإسلامية
تقوم العديد من الجمعيات الإسلامية في اليابان بتقديم دورات في اللغة العربية، ودروس لتعليم القرآن الكريم، ومحاضرات تعريفية بالإسلام باللغتين اليابانية والإنجليزية، إلى جانب تنظيم الفعاليات في رمضان وعيد الأضحى. وتحرص هذه الجمعيات على إشراك المجتمع الياباني المحلي، مما يعزز التفاهم الثقافي والديني.
ومن بين الجمعيات النشطة في هذا المجال:
-
الجمعية الإسلامية في اليابان (Japan Muslim Association): تأسست عام 1952، وتُعد من أقدم الجمعيات الإسلامية.
-
رابطة المسلمين اليابانيين (Japan Muslim Foundation): تهتم بإصدار الكتب والمجلات وتقديم التوعية بالإسلام.
-
المنظمة الطلابية الإسلامية في اليابان: نشطة داخل الجامعات الكبرى وتضم طلابًا من عشرات الجنسيات.
التحديات التي تواجه المسلمين في اليابان
رغم أن اليابان بلد آمن ومتقدم، إلا أن الجالية المسلمة تواجه عددًا من التحديات الاجتماعية والثقافية والدينية، من أبرزها:
-
قلة المرافق الحلال: رغم النمو السريع في المطاعم والمتاجر الحلال، لا تزال بعض المناطق تفتقر إلى توفر الأطعمة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
-
نقص التسهيلات في الأماكن العامة: مثل أماكن الصلاة في المدارس والمطارات والمراكز التجارية، رغم وجود تحسن ملحوظ خلال السنوات الأخيرة.
-
عدم الفهم الدقيق للإسلام: يواجه المسلمون أحيانًا بعض الصور النمطية التي تتأثر بالإعلام الدولي، مما يستدعي مزيدًا من التوعية والحوار الثقافي.
-
الاندماج المجتمعي: يواجه بعض المسلمين، خاصة من المتحدثين بلغة غير يابانية، صعوبة في الاندماج الكامل مع المجتمع المحلي، بسبب اختلافات اللغة والعادات والتقاليد.
تنامي الاهتمام بالحلال والسياحة الإسلامية
في السنوات الأخيرة، أدركت الحكومة اليابانية والقطاع السياحي أهمية الجالية المسلمة والسياحة الإسلامية، لا سيما بعد ارتفاع عدد السياح المسلمين القادمين من ماليزيا، إندونيسيا، وبلدان الخليج. وقد بدأت مؤسسات عديدة بتوفير خيارات طعام حلال، وافتتاح مصليات في المطارات والفنادق الكبرى، وإصدار دلائل إرشادية باللغة العربية للمسافرين المسلمين.
وفي هذا السياق، شهدت اليابان نموًا في عدد المطاعم التي حصلت على شهادات حلال، وزيادة في الفعاليات الثقافية التي تعرّف بالإسلام والثقافة الإسلامية، مثل مهرجانات الطعام الحلال ومعارض الفن الإسلامي.
مستقبل الإسلام في اليابان
يشير العديد من الباحثين إلى أن الإسلام في اليابان سيواصل نموه خلال العقود القادمة، سواء من خلال زيادة أعداد المسلمين المقيمين أو عبر ارتفاع معدلات اعتناق اليابانيين للدين الإسلامي. ويُنتظر أن تتعزز مكانة الإسلام كجزء من التنوع الثقافي والديني في المجتمع الياباني الحديث، خاصة مع التوسع في التعليم الثقافي والتبادل الأكاديمي والطلابي بين اليابان والدول الإسلامية.
يُعد وجود الإسلام في اليابان جزءًا من ظاهرة العولمة الدينية والثقافية، حيث باتت الديانات تتجاوز حدودها الجغرافية التقليدية لتتفاعل مع مجتمعات جديدة. وفي حال استمر النمو السكاني والتنظيمي للجالية المسلمة في اليابان بهذا النسق المتزايد، فإن البلاد ستشهد مزيدًا من التعايش الديني، مما يعزز من فرص الحوار الحضاري والتفاهم المتبادل بين الثقافات.
المراجع
-
Hirofumi Tanada, Muslim Population in Japan, Waseda University, 2020.
-
Japan Muslim Association – www.muslim.or.jp.
