4 عادات سلبيّة خطيرة يكتسبها الأولاد في العطلة الصيفيّة

تُمثّل العطلة الصيفيّة فترة محببة لكثير من الأولاد، حيث التحرر من التزامات المدرسة والواجبات الدراسية، والانغماس في عالم من الراحة واللهو واللعب. لكن على الرغم من الإيجابيات المرتبطة بهذا الفصل من الاسترخاء والتجديد، إلا أن العطلة الصيفية قد تكون أيضًا بيئة خصبة لظهور عادات سلبية تهدد التوازن النفسي والسلوكي والصحي للأطفال والمراهقين، لا سيما في ظل غياب الإشراف الكافي أو البرامج المنظمة التي تملأ أوقات فراغهم بشكل هادف.

تنعكس هذه العادات السلبية على حياة الأولاد خلال العطلة، لكنها لا تنتهي بانتهائها، بل قد تستمر معهم إلى بداية العام الدراسي الجديد، مما يسبب اضطرابات تعليمية وسلوكية ونفسية قد تكون عميقة الأثر. ومن بين أخطر هذه العادات، يمكن تسليط الضوء على أربع ممارسات سلبيّة بارزة تتكرّر بشكل كبير بين الأطفال والمراهقين خلال العطلة الصيفية، وهي: اضطراب نمط النوم، الإفراط في استخدام الشاشات، تناول الطعام غير الصحي، والانخراط في سلوكيات الكسل واللامبالاة.

أولاً: اضطراب نمط النوم

تُعدّ العطلة الصيفية أحد أكثر الفترات التي يحدث فيها اضطراب كبير في نمط النوم لدى الأطفال والمراهقين. يغيب فيها الالتزام الصارم بأوقات النوم والاستيقاظ، مما يؤدي إلى انقلاب كامل في الساعة البيولوجية للجسم. فبدلاً من الخلود إلى النوم في ساعات مبكرة، قد يسهر الأولاد حتى ساعات متأخرة من الليل، ويستيقظون بعد الظهر، الأمر الذي ينعكس سلبًا على نشاطهم البدني والعقلي، ويؤثر في قدرتهم على التركيز والانتباه.

الآثار الصحية والنفسية لاضطراب النوم:

• خلل في الهرمونات: يؤدي السهر الطويل وقلة النوم إلى اضطراب في إفراز هرمون النمو وهرمونات التوازن العاطفي.

• ضعف الجهاز المناعي: ترتبط قلة النوم بتدهور قدرة الجسم على مقاومة الأمراض والفيروسات.

• زيادة التوتر والقلق: النوم المتأخر يؤدي إلى اضطرابات مزاجية وزيادة احتمال ظهور أعراض القلق والاكتئاب.

• انخفاض الأداء المعرفي: يقل الانتباه والتركيز والقدرة على معالجة المعلومات.

كما أن هذا النمط من النوم غير المنتظم يُصعّب عملية التأقلم عند العودة إلى الدراسة، إذ يجد الطفل صعوبة في النهوض مبكرًا والعودة إلى نظام يومي منتظم.

ثانيًا: الإفراط في استخدام الشاشات

أصبحت الأجهزة الإلكترونية بمختلف أنواعها – الهواتف الذكية، الأجهزة اللوحية، الحواسيب، وألعاب الفيديو – جزءًا لا يتجزأ من حياة الأطفال. وخلال العطلة الصيفية، يرتفع معدل استخدامها بشكل مفرط نتيجة وفرة الوقت وغياب الإشراف، الأمر الذي يؤدي إلى آثار نفسية وسلوكية ضارة.

أبرز المخاطر المرتبطة بالإفراط في استخدام الشاشات:

• العزلة الاجتماعية: يميل الطفل إلى الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية لصالح الانغماس في العالم الرقمي.

• الإدمان الرقمي: يصبح الطفل متعلقًا بشدة بالجهاز، ويظهر عليه الانفعال والقلق عند منعه منه.

• ضعف التركيز والانتباه: يُسهم التعرض المطول للشاشات في إضعاف القدرات المعرفية وتنمية التشتت الذهني.

• ضعف الأداء البدني: يتسبب الجلوس الطويل أمام الشاشات في قلة الحركة وزيادة الوزن.

• المحتوى غير المناسب: التعرض لمحتوى عنيف أو غير ملائم للفئة العمرية يُشكّل خطرًا على تكوين شخصية الطفل.

وقد أثبتت دراسات تربوية متعددة، مثل دراسة نشرتها “American Academy of Pediatrics”، أن الاستخدام المفرط للشاشات يرتبط بزيادة اضطرابات النوم، ضعف التحصيل الدراسي، وتفاقم مشكلات السلوك لدى الأطفال.

ثالثًا: تناول الطعام غير الصحي

تتميز العطلة الصيفية بتغير كبير في نمط الحياة اليومي، يشمل مواعيد الوجبات ونوعية الأطعمة المستهلكة. في ظل غياب الرقابة المدرسية، وتوفر الأطعمة الجاهزة والمشروبات الغازية والمأكولات السكرية بشكل مفرط، تزداد احتمالية تحول النظام الغذائي للطفل إلى نمط غير صحي.

أبرز مظاهر التغذية السلبية خلال العطلة:

• الإفراط في تناول الوجبات السريعة: مثل البرغر، البيتزا، المقليات، التي تحتوي على كميات كبيرة من الدهون المشبعة والصوديوم.

• السكريات المفرطة: من خلال استهلاك العصائر الصناعية والحلويات، ما يزيد خطر الإصابة بالسمنة والسكري.

• تجاوز الوجبات الرئيسية: كالإفطار أو الغداء، نتيجة النوم المتأخر أو انشغال الطفل بالألعاب والشاشات.

• قلة شرب الماء: مقابل الاعتماد على المشروبات المحلاة.

ويؤدي هذا النمط الغذائي إلى مضاعفات خطيرة على الصحة الجسدية والعقلية، منها السمنة المفرطة، تسوس الأسنان، فقر الدم الناتج عن قلة تناول الخضار والفواكه، واضطرابات الجهاز الهضمي. كما يؤثر على المزاج والطاقة، مما يُفاقم الشعور بالكسل والخمول.

رابعًا: الكسل واللامبالاة والانفصال عن الأنشطة المفيدة

تتسم العطلة الصيفية في كثير من الأحيان بفراغ قاتل، لا يملؤه سوى التسلية العابرة، مما يؤدي إلى اكتساب الأولاد عادة الكسل والانفصال عن المهام والمسؤوليات. يغيب فيها الهدف اليومي، وتتراخى القدرة على الالتزام والانضباط، فيظهر نوع من التراخي العقلي والجسدي الذي يصعب التخلص منه لاحقًا.

أبرز انعكاسات هذه العادة:

• فقدان الدافعية: عدم وجود أهداف محددة خلال الصيف يقتل الطموح ويقلل من روح المبادرة.

• الانسحاب من الأنشطة المفيدة: مثل الرياضة، القراءة، الأنشطة الاجتماعية، التي تسهم في صقل الشخصية.

• تدهور اللياقة البدنية: نتيجة قلة الحركة والخمول الدائم، ما ينعكس على الصحة العامة.

• ضعف الإنتاجية الذهنية: حيث يبتعد الطفل عن كل نشاط ذهني بنّاء مثل القراءة أو الكتابة أو الألعاب الفكرية.

هذا النوع من الكسل قد يتطور ليأخذ شكلًا دائمًا، بحيث يصبح الطفل رافضًا لأي نوع من الالتزام، ويواجه صعوبة في العودة إلى نمط الحياة المنظمة، خصوصًا عند اقتراب العام الدراسي.

الخلاصة

تمثل العطلة الصيفية فترة حرجة في حياة الطفل، يتداخل فيها الفراغ مع قلة الانضباط لتشكيل بيئة خصبة لاكتساب عادات سلبية يصعب التخلص منها لاحقًا. اضطراب النوم، الإدمان على الشاشات، تناول الطعام غير الصحي، والانفصال عن الأنشطة البنّاءة ليست فقط مظاهر سلوكية مؤقتة، بل هي مؤشرات لمشكلات أعمق قد تؤثر على الصحة الجسدية والنفسية للأطفال وتعيق تطورهم المعرفي والاجتماعي على المدى البعيد. لذا فإن فهم هذه الظواهر والعمل على معالجتها بمقاربة تربوية وصحية متكاملة يعد من الضرورات التي لا تحتمل التأجيل.

المصادر:

1. American Academy of Pediatrics. “Media and Young Minds.” Pediatrics, 2016.

2. World Health Organization. “Guidelines on Physical Activity, Sedentary Behaviour and Sleep for Children under 5 Years of Age.” WHO, 2019.