طول برج الساعة بمكة

طول برج الساعة في مكة: رمز حضاري شاهق ومَعْلَم إسلامي عالمي

في قلب مدينة مكة المكرمة، وتحديدًا في مواجهة الحرم المكي الشريف، ينتصب أحد أكثر المعالم المعمارية إبهارًا وعظمة في العالم الإسلامي والعالم بأسره، وهو “برج الساعة الملكي” أو ما يُعرف رسميًا باسم “برج ساعة مكة”. هذا الصرح العملاق لا يكتفي بكونه أطول برج ساعة في العالم، بل يُعد أيضًا من أطول الأبراج على وجه الأرض، حيث يبلغ ارتفاعه الإجمالي 601 مترًا، ما يجعله يتربع على المركز الثالث بين أطول المباني في العالم بعد برج خليفة في دبي وبرج شنغهاي في الصين.

يمتد هذا المقال ليقدم نظرة شاملة عن برج الساعة في مكة، بدءًا من تصميمه الهندسي المذهل ومرورًا بتقنياته المتقدمة واستخداماته المتعددة، ووصولًا إلى دلالاته الحضارية والروحية ومكانته العالمية.

نبذة عن مشروع أبراج البيت

برج الساعة هو جزء من مشروع ضخم يُعرف باسم “مجمع أبراج البيت”، الذي يُعد واحدًا من أكبر مشاريع التطوير العقاري في العالم، وقد أنشئ ليكون في خدمة الحجاج والمعتمرين الذين يتوافدون إلى بيت الله الحرام. يقع المشروع في الجهة الجنوبية من الحرم المكي على أطلال قلعة أجياد التاريخية التي أُزيلت لبناء هذا المجمع.

يتكون مجمع أبراج البيت من سبعة أبراج فندقية شاهقة، ويُعد برج الساعة هو الأعلى بينها والأكثر تميزًا. وقد تم تنفيذ المشروع بواسطة شركة “مجموعة بن لادن السعودية” بتكليف من الحكومة السعودية، وتحديدًا من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

تفاصيل ارتفاع برج الساعة

يبلغ ارتفاع برج الساعة 601 مترًا بما في ذلك القمة التي تعلوها الهلال الذهبي الضخم. وينقسم هذا الارتفاع إلى الأجزاء التالية:

• الهيكل الإنشائي الأساسي: يبلغ ارتفاعه حوالي 450 مترًا.

• الساعة نفسها مع الهيكل المعدني المحيط بها: يضيف ارتفاعًا إضافيًا يزيد عن 150 مترًا، تشمل الغطاء الزجاجي والنحاسي والتصميم الزخرفي والهلال الذهبي في القمة.

• الهلال الذهبي: يبلغ ارتفاعه حوالي 23 مترًا ويزن أكثر من 35 طنًا، وهو مُطعّم بالذهب والمصنوع من الألياف الكربونية لتعزيز المتانة والوزن الخفيف نسبيًا.

يُعد برج الساعة بذلك أعلى برج ساعة في العالم، وأيضًا أعلى مبنى يحتوي على واجهة ساعة مضيئة، حيث يمكن رؤية الساعة من مسافة تصل إلى 25 كيلومترًا.

الساعة: تصميمها وأبعادها

تم تثبيت ساعة مكة الملكية على أربعة أوجه من البرج، بحيث تكون مرئية من جميع الجهات حول الحرم، وتُعد هذه الساعة من أكبر ساعات العالم من حيث الحجم والإشعاع الضوئي، وتفاصيلها هي:

تم تغطية الساعة بأكثر من 98 مليون قطعة من الفسيفساء الزجاجي الملون، وتتزين بآيات قرآنية وزخارف إسلامية، كما أنها تُضيء ليلاً بأكثر من مليوني مصباح LED، فتُشكل منارة هدىً للمصلين والزائرين.

التصميم الهندسي والمعماري

جاء تصميم برج الساعة بأسلوب معماري يجمع بين العراقة الإسلامية والتقنيات الحديثة. فقد أُخذت في الحسبان العناصر الزخرفية الإسلامية المستوحاة من العمارة المملوكية والعثمانية، بدءًا من النوافذ المزخرفة والنقوش الهندسية الإسلامية، وحتى النقوش القرآنية التي تزين أوجه الساعة والمآذن المصغّرة في أعلى البرج.

أُنجز التصميم من قِبل شركة المهندسين الألمان “SL Rasch”، وهي ذاتها المسؤولة عن التصميمات المتطورة لمظلات المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة. وقد تم بناء البرج باستخدام أحدث أساليب الهندسة المعمارية، مع التركيز على مقاومة الرياح والزلازل، نظرًا لعلو البرج وموقعه الجبلي.

الاستخدامات المتعددة لبرج الساعة

لا يقتصر دور البرج على كونه مَعلَماً بصريًا، بل يحتوي داخله على العديد من الوظائف والخدمات التي تجعله منشأة متكاملة، ومن أهمها:

• فندق فاخر (فندق ساعة مكة فيرمونت): يعد من أعلى الفنادق الفاخرة في العالم، ويحتوي على أكثر من 1600 غرفة وجناح، ويُستخدم لإيواء الحجاج والزائرين.

• مركز لرصد الأهلة والتوقيت الإسلامي: يوجد مركز علمي متخصص في تحديد بدايات الأشهر الهجرية ومراقبة الأهلّة، وهو تابع لهيئة المساحة الجيولوجية السعودية.

• متحف الساعة: يحتوي على معروضات تعليمية وثقافية حول مفهوم الوقت في الحضارات الإسلامية، ويهدف إلى تعزيز فهم الزمان في الثقافة الإسلامية.

• مركز المؤتمرات وقاعات المحاضرات: يُستخدم في فعاليات علمية وثقافية تتعلق بالفلك والعلوم الدينية.

• مراكز تجارية ومولات: تضم الطوابق السفلية من البرج مجمعات تجارية فاخرة تحتوي على علامات تجارية عالمية ومطاعم راقية.

الدلالات الرمزية والحضارية

يمثل برج الساعة في مكة أكثر من مجرد إنجاز هندسي، إذ يحوي رمزية دينية وثقافية قوية على عدة مستويات:

• الهوية الإسلامية: يتوسط البرج أحد أقدس بقاع الأرض، ويضم تصميمه رموزًا دينية واضحة مثل الهلال والقبة والزخارف القرآنية.

• مركزية الزمان: يُمثل الساعة رمزًا قويًا لمفهوم الزمان في الإسلام، بدءًا من تنظيم الصلوات الخمس وانتهاءً بحساب الشهور القمرية.

• المكانة العالمية لمكة: يُشير البرج إلى المكانة المركزية للمدينة كمركز للروحانية الإسلامية ووجهة لملايين المسلمين سنويًا.

• النهضة العمرانية في المملكة: يُعد من أبرز الشواهد على الطفرة المعمارية والتنموية التي شهدتها السعودية في العقود الأخيرة.

الاعتبارات الفلكية والتقنية

يُعد برج الساعة في مكة من أكثر الأبراج تطورًا من الناحية التقنية، فهو مزود بنظام توقيت ذري عالي الدقة، يُقارن بأحدث أنظمة التوقيت في العالم مثل توقيت غرينيتش وتوقيت باريس الذري. ويوجد في البرج تليسكوبات فلكية متطورة تُستخدم في الرصد القمري، ما يجعل مكة واحدة من النقاط المرجعية الزمنية والفلكية العالمية.

كما تُستخدم الساعة لتحديد مواعيد الصلوات بدقة، وتصدر إشارات ضوئية وصوتية قوية عند أوقات الأذان، وتُعدّ مرجعًا زمنيًا موحدًا للبث الإذاعي والتلفزيوني في المملكة.

الحقائق الهندسية المذهلة

• تم استخدام أكثر من 90 ألف طن من الخرسانة المسلحة و16 ألف طن من الحديد في بناء البرج.

• تبلغ مساحة البناء الإجمالية لأبراج البيت حوالي 1.5 مليون متر مربع.

• يحتوي البرج على 96 مصعدًا كهربائيًا، تسهّل حركة الزوار بين الطوابق.

• تتزين قمة البرج بأكبر هلال ذهبي في العالم، مصنوع من الألياف الكربونية ومطعّم بالذهب.

أثره على السياحة الدينية والاقتصاد

يُعد برج الساعة عنصر جذب سياحي بامتياز ضمن منظومة السياحة الدينية في مكة، فهو يوفر تجربة إقامة فريدة تطل مباشرة على الكعبة المشرفة. كما أسهم بشكل كبير في تطوير البنية التحتية للمدينة، وساعد على توفير آلاف فرص العمل في القطاعات الفندقية والخدمية والتجارية.

الخلاصة

يمثل برج الساعة في مكة تتويجًا للعراقة الإسلامية والتقدم التقني والهندسي المعاصر. بارتفاعه الشاهق البالغ 601 متر، وموقعه الفريد بجوار الحرم، ووظائفه المتعددة التي تجمع بين الدين والعلم والخدمة، يُعد هذا البرج أيقونة حضارية متكاملة تعكس وجهًا من وجوه الحضارة الإسلامية المعاصرة، وتُرسّخ لمكة المكرمة مكانتها كقلب نابض للكون الإسلامي.

المراجع:

1. الهيئة الملكية لمدينة مكة والمشاعر المقدسة – التقارير الرسمية لمجمع أبراج البيت.

2. وزارة الشؤون الإسلامية السعودية – كتيب ساعة مكة (الطبعة السنوية).