البري بري: مرض نقص الفيتامينات وتأثيراته الصحية

البري بري هو مرض ناتج عن نقص حاد في فيتامين ب1 المعروف باسم الثيامين، وهو من الأمراض التي تؤثر بشكل كبير على الجهاز العصبي والقلب والأوعية الدموية. يعود سبب تسمية المرض إلى اللغة السنغالية حيث تعني كلمة “بري بري” “ضعيف وضعيف للغاية”، وهذا يعكس الحالة العامة للمصابين بهذا المرض الذين يعانون من ضعف شديد في العضلات وفقدان القدرة على الحركة الطبيعية.

ماهية البري بري وأسباب الإصابة به

يعد فيتامين ب1 من الفيتامينات الأساسية التي يحتاجها الجسم للقيام بوظائفه الحيوية، فهو يلعب دوراً محورياً في تحويل الغذاء إلى طاقة عن طريق المساعدة في عمليات التمثيل الغذائي للكربوهيدرات. نقص هذا الفيتامين يسبب اضطرابات في عمل الخلايا العصبية والعضلية، حيث يعتمد الجهاز العصبي بشكل كبير على الثيامين لتوفير الطاقة اللازمة لوظائفه المختلفة.

الأسباب الرئيسية للإصابة بالبري بري تشمل سوء التغذية الناتج عن الاعتماد المفرط على الأرز الأبيض المقشر، حيث إن إزالة القشرة الخارجية للأرز تقلل من محتواه الطبيعي من فيتامين ب1. كما يمكن أن يحدث المرض نتيجة اضطرابات في الامتصاص بسبب أمراض الجهاز الهضمي، أو بسبب تناول كميات كبيرة من الكحول التي تعيق امتصاص الفيتامين. كما أن بعض الحالات الطبية المزمنة مثل الفشل الكلوي أو جراحات المعدة قد تؤدي أيضاً إلى نقص الثيامين.

أنواع البري بري وأشكاله السريرية

ينقسم البري بري إلى نوعين رئيسيين:

1. البري بري الجاف (Dry Beriberi): يؤثر بشكل أساسي على الجهاز العصبي الطرفي، مما يؤدي إلى ضعف العضلات والتنميل والخدر في الأطراف. هذا النوع يظهر عادة في صورة شلل عضلي تدريجي يصاحبه فقدان الإحساس، ويؤثر على الحركة والتنسيق الحركي.

2. البري بري الرطب (Wet Beriberi): يؤثر بشكل رئيسي على الجهاز القلبي الوعائي، مسبباً احتباس السوائل في الجسم وتضخم القلب، مما يؤدي إلى فشل القلب الاحتقاني. ويشمل هذا النوع أعراضاً مثل تورم الأطراف، وضيق التنفس، وسرعة ضربات القلب.

بالإضافة إلى ذلك، هناك شكل آخر يعرف باسم “بري بري الحاد” الذي يحدث بشكل مفاجئ ويتميز بضعف حاد في العضلات، اضطرابات في الجهاز العصبي المركزي، وقد يؤدي إلى الوفاة إذا لم يتم التعامل معه بسرعة.

الأعراض والعلامات السريرية للبري بري

تختلف الأعراض حسب نوع المرض، لكنها جميعها تعكس تأثير نقص فيتامين ب1 على الأنسجة العصبية والعضلية والقلبية. من أهم الأعراض التي تظهر على المصابين:

• في البري بري الجاف: ضعف تدريجي في العضلات، خاصة في الأطراف السفلية، مع شعور بالخدر والتنميل، وصعوبة في المشي والتوازن. قد تتطور الحالة إلى شلل تام في الحالات المتقدمة.

• في البري بري الرطب: تورم في الساقين والكاحلين بسبب احتباس السوائل، زيادة في حجم القلب مع أعراض فشل القلب مثل ضيق التنفس، التعب الشديد، وتسارع ضربات القلب.

• الأعراض العصبية الأخرى: مثل فقدان الشهية، الغثيان، التقيؤ، الهذيان، واضطرابات الذاكرة في الحالات الحادة.

التشخيص والفحوصات اللازمة

يعتمد تشخيص البري بري على الفحص السريري وتقييم التاريخ الغذائي للمريض، مع التركيز على الأعراض العصبية والقلبية. يمكن استخدام الفحوصات المعملية لتأكيد التشخيص، مثل قياس مستوى فيتامين ب1 في الدم أو فحص نشاط إنزيم الترانسكتولاز، الذي يتأثر بنقص الثيامين.

في بعض الحالات، يتم اللجوء إلى التصوير الإشعاعي أو الفحوصات القلبية لتقييم حالة القلب عند المريض المصاب بالبري بري الرطب.

العلاج وسبل الوقاية

العلاج الأساسي للبري بري هو تعويض نقص فيتامين ب1 عبر تناول مكملات الثيامين إما عن طريق الفم أو الحقن في الحالات الحادة. يجب أن يتم العلاج بسرعة لتجنب المضاعفات الخطيرة، خاصة في حالات البري بري الرطب الحاد.

إلى جانب ذلك، يركز العلاج على تصحيح النظام الغذائي من خلال تناول أطعمة غنية بفيتامين ب1 مثل الحبوب الكاملة، البقوليات، اللحوم، والمكسرات. كما يجب علاج أي أسباب طبية أخرى تساهم في نقص الفيتامين، مثل اضطرابات الامتصاص أو الإدمان على الكحول.

تعتبر الوقاية من البري بري جزءًا أساسياً من الصحة العامة، خاصة في المناطق التي يعتمد سكانها على الأرز الأبيض كغذاء رئيسي. لذلك، يتم إضافة فيتامين ب1 إلى الأرز المكرر أو الحبوب في العديد من البلدان كإجراء وقائي.

التأثيرات الصحية طويلة الأمد للبري بري

إذا لم يعالج البري بري مبكراً، قد يؤدي إلى تلف دائم في الأعصاب، وضعف عضلي مستمر، وفشل في وظائف القلب والرئة، مما يزيد من خطر الوفاة. كذلك، يؤثر نقص الثيامين على الجهاز العصبي المركزي، مما قد يسبب اضطرابات عقلية مثل الهذيان، والارتباك، وأحياناً الفصام العصبي المعروف باسم “متلازمة ويرنيكي-كورساكوف”.

البري بري في السياق التاريخي والاجتماعي

عرف البري بري منذ القدم في المجتمعات التي تعتمد بشكل كبير على الأرز الأبيض كغذاء أساسي، مثل بعض مناطق آسيا. وانتشر المرض في بداية القرن العشرين بين البحارة والجنود الذين كانوا يتغذون على الأرز الأبيض فقط دون تنويع غذائي. أدى ذلك إلى اكتشاف أهمية فيتامين ب1 ودوره الحيوي في الوقاية من المرض.

في الوقت الحالي، لا يزال البري بري يشكل مشكلة صحية في بعض المناطق النامية بسبب سوء التغذية، ولكنه أصبح نادر الحدوث في الدول المتقدمة بفضل تحسن التغذية وبرامج التثقيف الغذائي.

جدول توضيحي لأنواع البري بري وأعراضها الرئيسية

في الخلاصة، يمثل مرض البري بري مثالاً حياً على أهمية الفيتامينات في صحة الإنسان ودورها الحيوي في الوقاية من الأمراض العصبية والقلبية. يتطلب التعامل مع هذا المرض وعيًا صحيًا شاملاً وتحسينًا مستمراً في نوعية الغذاء المقدم للأفراد، إلى جانب الرصد المبكر والعلاج الفوري لتجنب المضاعفات الخطيرة التي قد تهدد الحياة.

المراجع:

1. Harrison’s Principles of Internal Medicine, 20th Edition, 2018.

2. World Health Organization (WHO) – Vitamin and Mineral Nutrition Information System.