تكريم الإسلام للمرأة زوجة (الجزء الثاني): بين الحقوق والرحمة والمكانة

من القضايا التي شغلت أذهان المفكرين والباحثين على مرّ العصور، مسألة مكانة المرأة في المجتمع، وخاصة في نطاق الحياة الزوجية، وهي قضية شائكة في مجتمعات كثيرة، حيث اختلطت فيها التقاليد بالأديان، والتصورات الذكورية بالمفاهيم الدينية. غير أن الإسلام جاء بمنظومة متكاملة ترفع من شأن المرأة في موقعها كزوجة، وتكرّمها تكريمًا لا نظير له في باقي التشريعات البشرية. إن علاقة الزوجة في الإسلام لم تكن علاقة مصلحة أو تبادل خدمات، بل علاقة ميثاق غليظ، تشتمل على الرحمة، المودة، والتكافل.

تكريم المرأة زوجة في التشريع الإسلامي

تجلى تكريم الإسلام للمرأة زوجة في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي وضعت أُسسًا متينة لحفظ كرامتها، وتثبيت حقوقها، وتوضيح دورها في الأسرة والمجتمع. فقد شبّه القرآن الكريم العلاقة الزوجية بالسكن، فقال الله تعالى:

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].

هذا التشبيه الإلهي للسكن ليس مجرد وصف أدبي، بل هو دلالة عميقة على أن الزوجة تمثل مصدر راحة نفسية، وأمان عاطفي، واستقرار اجتماعي للرجل. وقد أراد الإسلام من هذه العلاقة أن تكون مبنية على مبدأ الشراكة، لا على الهيمنة أو السيطرة.

الحقوق الزوجية للمرأة في الإسلام

جاءت الشريعة الإسلامية بضمانات عملية لحفظ حقوق الزوجة، بما يكفل لها حياة كريمة داخل مؤسسة الزواج. هذه الحقوق متعددة الجوانب، منها الحقوق المالية، والحقوق النفسية، والحقوق المعنوية والاجتماعية، ويمكن تلخيصها في المحاور التالية:

1. الحق في المهر

المهر في الإسلام حق ثابت للمرأة، يُعطى لها دون أن يُقابله أي مقابل. وليس كما في بعض التقاليد التي تعتبر المهر ثمنًا للمرأة. وقد قال الله تعالى:

{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4].

وهذا تأكيد على أن المهر عطية كريمة يجب تقديمها للزوجة تقديرًا لها وتكريمًا لحقها.

2. الحق في النفقة

النفقة من واجبات الزوج، وتشمل الطعام، واللباس، والمسكن، والعلاج، وكل ما يلزم المرأة للعيش الكريم. وقد أكّد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحق في أحاديثه، ومنها ما جاء في خطبته في حجة الوداع:

“ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف”.

3. الحق في المعاشرة بالمعروف

الإسلام لم يكتفِ بضمان الحقوق المادية للزوجة، بل جعل المعاملة الطيبة ركنًا أساسًا في الحياة الزوجية. يقول تعالى:

{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].

وهذه الآية توجب على الزوج الإحسان في التعامل، واللين في المعاشرة، والتقدير لعواطف المرأة ومشاعرها.

4. الحق في حفظ كرامتها واستقلالها

الإسلام لم يجعل المرأة تابعًا ذليلًا للزوج، بل منحها استقلالًا في شخصيتها القانونية والمالية، فلها أن تملك، وتبيع، وتشتري، وتتصرف في أموالها دون تدخل الزوج.

5. الحق في التعليم والتثقيف

لم يمنع الإسلام المرأة من العلم، بل شجعها عليه، وهذا ينعكس إيجابًا على حياتها الزوجية، حيث تكون شريكة واعية، ومدركة لمسؤولياتها وحقوقها وواجباتها.

الرحمة والمودة أساس العلاقة الزوجية

يُعدّ الإطار العاطفي في العلاقة الزوجية من أبرز ما كرّمه الإسلام للمرأة، فالعلاقة لا تُبنى فقط على الحقوق والواجبات، بل على الحبّ المتبادل، والمشاعر الصادقة. في الحديث الشريف، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

“خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالًا أعلى في حسن التعامل مع زوجاته، حيث كان يلاطفهن، ويساعدهن في شؤون البيت، ويُظهر لهن المحبة والتقدير، بل كان يسابق السيدة عائشة رضي الله عنها، ويمازحها، ويُشعرها بقيمتها في حياته.

حفظ المرأة من الظلم والاستغلال

جاء الإسلام في مجتمع كان يُمارس أبشع أنواع التمييز ضد المرأة، فحوّلها إلى مخلوق مكرّم، وصان كرامتها، ومنع الإضرار بها بأي شكل. ولقد نصّ النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع على وصية عظيمة بالنساء، فقال:

“استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم عوانٍ، لا يملكن لأنفسهن شيئًا”.

كما أعطى الإسلام للمرأة الحق في طلب الطلاق إن لم تجد في زواجها المودة والرحمة، وهذه خصوصية عظيمة لم تكن متوفرة للنساء في كثير من الشرائع السابقة.

الزوجة في السنة النبوية: النماذج والمواقف

في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، كانت زوجاته يتمتعن بمكانة عظيمة، وكان يُشاورهن، ويستمع إلى آرائهن، ويحترم مشاعرهن. وقد نقلت السيدة عائشة رضي الله عنها صورًا مشرقة من الحياة الزوجية النبوية، حيث قالت:

“كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة”.

هذا النموذج الراقي يُبيّن كيف تعامل الإسلام مع المرأة زوجةً برقيّ حضاري، نادر الوجود في المجتمعات البشرية الأخرى، خاصة في العصور القديمة التي كانت تغلب عليها النزعة الذكورية.

الزوجة شريكة في بناء الأسرة والمجتمع

لم يختصر الإسلام دور الزوجة في الإنجاب أو الطاعة العمياء، بل جعلها ركيزة أساسية في التربية، وفي بناء القيم، وفي الحفاظ على تماسك الأسرة. ولقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها راعية في بيتها، حيث قال:

“والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها”.

ومن خلال هذا التعريف، يتضح أن الزوجة ليست عنصرًا ثانويًا، بل شريكة حقيقية في إدارة الحياة الأسرية، وفي غرس الأخلاق والمبادئ في نفوس الأبناء، بما يؤهلهم ليكونوا أفرادًا صالحين في المجتمع.

معاملة المرأة في أحوال الخلاف الزوجي

حتى في حالات الخلاف أو الفراق، حافظ الإسلام على كرامة الزوجة. وقد أوصى بعدم ظلمها، وعدم الإضرار بها، سواء في الحياة أو بعد الطلاق. قال تعالى:

{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229].

ولم يجعل الطلاق وسيلة للانتقام أو التهديد، بل وضع له ضوابط شرعية دقيقة، تحمي المرأة من الأذى النفسي والاجتماعي.

التكريم الأخلاقي للمرأة زوجة

من أبرز جوانب تكريم الإسلام للمرأة زوجة، هو أنه رفع منزلتها الأخلاقية، وحرّم التعدي عليها بالقول أو الفعل، وأوجب احترامها في كافة الأحوال. وقد جاء في الحديث الشريف:

“أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم”.

ومن هذا الحديث، يُستدل على أن حسن معاملة الزوجة هو مظهر من مظاهر الإيمان، ووسيلة من وسائل القرب من الله، لا مجرد واجب اجتماعي.

مقارنة بين مكانة الزوجة في الإسلام والنظم الأخرى

يُظهر التاريخ أن المرأة في كثير من الحضارات القديمة كانت تُعامل كأداة للمتعة، أو وسيلة لإنجاب الأطفال، أو تابعًا للرجل بلا إرادة أو حق. فقد كانت في بعض المجتمعات تُباع وتُشترى، بل كانت تُحرَم من الميراث، ويُنظر إليها كعار.

أما في الإسلام، فقد أصبحت الزوجة محورًا للحياة الأسرية، تُكرَّم، وتُستشار، وتُحترم، ولها ذمة مالية مستقلة، ويُحاسب الزوج على أي تقصير في حقوقها.

جدول مقارنة بين حقوق المرأة زوجة في الإسلام والنظم الوضعية القديمة

النماذج النسائية في الإسلام: الزوجات القدوة

لقد برز في التاريخ الإسلامي عدد من النماذج النسائية اللاتي كنّ مثالًا للزوجة المسلمة الكاملة، وأبرزهن السيدة خديجة بنت خويلد، التي كانت أول من آمن برسالة النبي، وكانت له سندًا نفسيًا وماديًا، حتى قال عنها:

“آمنت بي حين كفر الناس، وصدّقتني حين كذّبني الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس”.

كما نجد السيدة فاطمة الزهراء، التي كانت مثالًا في الصبر، والرضا، والتقوى، والعلاقة المتينة مع زوجها الإمام علي بن أبي طالب، وقد ورثت عن أبيها أخلاقه العالية في معاملة الزوج.

الخاتمة

تكريم الإسلام للمرأة زوجة لم يكن مجرد شعارات بل تشريعات متكاملة، وأوامر إلهية، وسلوك نبوي عملي، تجلّى في الحقوق والمكانة والتقدير. فكانت المرأة الزوجة في الإسلام كيانًا محترمًا، ولبنة أساسية في بناء المجتمع المسلم، وشريكة حياة كاملة للرجل، في السراء والضراء، في البناء والتربية، في العاطفة والفكر.

المصادر والمراجع:

• القرآن الكريم

• صحيح البخاري ومسلم

• ابن القيم، “زاد المعاد في هدي خير العباد”

• القرضاوي، يوسف، “المرأة في الإسلام”