8 أشياء يجب أن تقوم بها خلال فترة العشرينات من عمرك
تُعد فترة العشرينات من العمر من أكثر المراحل أهمية وتأثيراً في حياة الإنسان. إنها المرحلة التي تتسم بالحيوية والانفتاح على العالم، وتُشكّل نقطة التحول الجوهرية من المراهقة إلى النضج الفعلي. خلال هذه المرحلة تتكوّن ملامح الشخصية، وتتحدد الاتجاهات المهنية، وتُبنى أسس العلاقات الاجتماعية والعاطفية، وتتكون القيم التي سترافق الإنسان لبقية حياته. ولهذا فإن استغلال العشرينات بطريقة صحيحة، يمكن أن يُحدث فرقاً نوعياً في مستقبل الفرد على المستوى المهني، النفسي، الاجتماعي، وحتى المالي.
سنوات العشرينات ليست مجرد وقت للاستكشاف والتجريب فحسب، بل هي أرض خصبة لبناء الذات ووضع الأساسات المتينة لمستقبل متوازن وناجح. هناك العديد من الخطوات الأساسية التي ينبغي التركيز عليها خلال هذه الفترة لضمان حياة أكثر استقراراً وإنجازاً في العقود اللاحقة. وفي هذا المقال سيتم التوسع في الحديث عن 8 أشياء جوهرية يجب القيام بها خلال فترة العشرينات، مدعومة بالأمثلة والتفسيرات، مع الأخذ في الاعتبار المعايير النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
1. بناء هوية ذاتية قوية
الخطوة الأولى في أي مسار تطور إنساني تبدأ بتكوين الهوية. العشرينات هي الوقت المثالي لفهم الذات: من أنت؟ ماذا تريد؟ وما الذي لا تريده؟ إنها المرحلة التي يجب أن تتجاوز فيها التأثيرات الخارجية — سواءً كانت من الأسرة، الأصدقاء، أو المجتمع — وتبدأ في صياغة نظرتك الخاصة للعالم وللحياة.
تشمل الهوية الذاتية الجوانب الفكرية والعاطفية، والميول والقيم، والأسلوب الحياتي. ولتعزيز هذه الهوية، ينبغي للفرد أن يخوض تجارب متنوعة، أن يسافر إن استطاع، أن يتطوع في الأعمال الخيرية، أن يقرأ، أن يتأمل، وأن يخطئ أيضاً. الخطأ في العشرينات ليس هزيمة، بل فرصة للتعلّم وصقل الهوية.
2. بناء عادات يومية صحية ومستدامة
العادات التي يتم تبنيها خلال العشرينات تُرافق الإنسان في حياته اللاحقة بشكل كبير. فمثلاً، النوم المنتظم، ممارسة الرياضة، الأكل الصحي، القراءة اليومية، التنظيم المالي، كلها عادات تُرسخ خلال هذه الفترة، وتتحول إلى جزء من النمط اليومي مع مرور الوقت.
تشير الدراسات إلى أن الجهاز العصبي يكون في أوج تطوره خلال بداية العشرينات، ما يعني أن الدماغ أكثر استعداداً لتبني أنماط سلوكية جديدة. ومن هنا تأتي أهمية الاستثمار في بناء العادات التي تدعم الصحة الجسدية والنفسية. إن تجاهل هذه النقطة قد يؤدي إلى تراكم أنماط سلبية تؤثر على جودة الحياة مستقبلاً.
3. تعزيز الذكاء المالي وإدارة الموارد
الوعي المالي من أكثر المهارات التي يتم تجاهلها من قبل الشباب، رغم أنها تشكل عاملاً أساسياً في الاستقرار على المدى الطويل. خلال العشرينات يجب تعلّم مبادئ الادخار، وضع الميزانيات، الفهم الأساسي للاستثمار، والتخطيط المالي طويل المدى.
إن إدارة المال لا تعني فقط توفير النقود، بل تتعلق باتخاذ قرارات ذكية فيما يتعلق بالإنفاق، الادخار، والدخل الإضافي. يمكن البدء بخطوات بسيطة مثل استخدام تطبيقات لإدارة المصروفات، أو فتح حساب ادخار، أو تعلّم أساسيات سوق الأسهم وصناديق الاستثمار.
| البند | التفسير |
|---|---|
| إعداد ميزانية شخصية | تحديد الإيرادات والمصروفات ووضع حدود للصرف الشهري |
| الادخار الطارئ | تخصيص 10–20% من الدخل لمصروفات غير متوقعة |
| الاستثمار المبكر | بدء استثمار مبلغ صغير بشكل منتظم، حتى لو كان العائد بطيئاً |
| تعلّم الفروق المالية | فهم الفرق بين الأصول والخصوم، والاستهلاك مقابل الاستثمار |
4. تطوير شبكة علاقات ذات جودة
في العشرينات، يكون الإنسان في ذروة تواصله الاجتماعي، وتُتاح له فرص كبيرة لتكوين علاقات مهنية وشخصية طويلة الأمد. لكن الأهم من كثرة العلاقات هو نوعيتها. يجب على الفرد التركيز على بناء علاقات ذات جودة: علاقات داعمة، ملهمة، وصادقة.
البيئة المحيطة تلعب دوراً محورياً في تشكيل الشخصية وتحديد فرص النجاح. لذا فإن إحاطة النفس بأشخاص إيجابيين، طموحين، ومبدعين، ترفع من سقف التطلعات وتفتح آفاقاً جديدة للنمو والتطور. كما أن هذه الشبكات قد تكون لاحقاً مصدر دعم في المسار المهني أو الشخصي.
5. تعلّم مهارات جديدة وتوسيع دائرة المعرفة
القدرة على التعلّم الذاتي هي واحدة من أعظم المهارات التي يمكن اكتسابها خلال العشرينات. مع تسارع وتيرة التغيرات التكنولوجية والاقتصادية، أصبحت المهارات التقليدية وحدها غير كافية. ينبغي السعي المستمر لاكتساب مهارات جديدة، سواءً كانت تقنية، لغوية، تواصلية، أو تحليلية.
من الضروري أيضاً تخصيص وقت للقراءة والاطلاع، والاستثمار في الدورات التدريبية والورشات سواء عبر الإنترنت أو بالحضور المباشر. حتى المهارات غير التقليدية مثل الطهي، التصوير، أو العزف يمكن أن تضيف قيمة حياتية ونفسية كبيرة.
6. استكشاف المسار المهني المناسب دون خوف من التغيير
فترة العشرينات ليست وقتاً للحسم النهائي في اختيار الوظيفة مدى الحياة، بل هي فترة استكشاف وتجريب. كثير من الأشخاص الناجحين قاموا بتجربة عدة وظائف أو مجالات قبل أن يجدوا شغفهم الحقيقي.
من المهم عدم الشعور بالذنب أو الفشل عند تغيير التخصص أو الوظيفة. التبديل بين مجالات مختلفة يمكن أن يُكسب الفرد رؤى متعددة، ويعزز مهاراته العامة، ويمنحه نظرة أعمق للسوق. ما يُفترض أن يكون معياراً هو التقدم المستمر نحو ما يُحب الفرد ويُجيد في آنٍ واحد.
7. الاهتمام بالصحة النفسية وتعلّم إدارة الضغط
تُعد العشرينات من أكثر الفترات ضغطاً نفسياً، نتيجة لتقاطع المسؤوليات الجديدة، التحديات المهنية، والعلاقات العاطفية والاجتماعية. من الضروري أن يُولي الشاب أو الشابة اهتماماً خاصاً بالصحة النفسية، ليس فقط عند وجود أزمة، بل كجزء من الرعاية الذاتية الدائمة.
يتضمن ذلك تعلّم آليات إدارة التوتر، مثل التأمل، الرياضة، التحدث إلى مختص نفسي، أو حتى الكتابة اليومية. كما ينبغي الابتعاد عن مصادر التوتر المزمنة، وتطوير مهارات التأقلم مثل اليقظة الذهنية (Mindfulness) والتعاطف الذاتي (Self-Compassion).
8. صياغة رؤية للحياة وتحديد الأهداف بعيدة المدى
العشرينات هي الوقت الأنسب لبناء خريطة طريق للحياة. هذه الخريطة لا تحتاج لأن تكون محددة بدقة، لكنها تُشكل إطاراً عاماً لما يسعى إليه الإنسان خلال العشرين أو الثلاثين سنة القادمة. ما نوع الحياة التي يرغب بها؟ ما القيم التي يُريد أن تحكم قراراته؟ ما الإنجازات التي يسعى إليها؟
إن وجود رؤية واضحة — حتى لو كانت مرنة — يساعد على اتخاذ قرارات أفضل، ويمنح الشعور بالاتجاه، ويقلل من التشتت والضياع. كتابة الأهداف، تقسيمها إلى مراحل، وتحديثها باستمرار يجعلها قابلة للتحقيق، ويُعزز الدافع الذاتي.
خاتمة
السنوات العشر بين العشرين والثلاثين هي لبنة التأسيس الحقيقي لحياة ناضجة، متزنة، ومنتجة. وهي ليست فقط مرحلة للتجريب، بل أيضاً مرحلة لتحديد المسار، وتكريس القيم، وبناء المهارات والعلاقات التي ستشكّل المستقبل. إن الانتباه إلى هذه السنوات، واستغلالها بذكاء، يضمن للفرد أن يدخل عقد الثلاثينات وهو أكثر وعياً، وثقة، واستعداداً للمضي قُدماً.
المراجع:
-
James Clear. Atomic Habits. Penguin, 2018.
-
Meg Jay. The Defining Decade: Why Your Twenties Matter—And How to Make the Most of Them Now. Twelve, 2012.
